السجاد.. قطع فنية تقارن بالتحف

مكون أساسي من الديكور ويتوفر في أغلب البيوت

السجاد يظهر جمال الغرفة واناقتها
TT

في معظم مجالات الديكور المنزلي، سواء في العالم العربي أو الدول الغربية، قلما يحظى السجاد بالقيمة التي يستحقها. إذ يرى كاتب المقال الذي يصف بالتفصيل طرازات المقاعد والطاولات والثريات (النجف)، ثم يعرّج على اللوحات الفنية والتحف المتناثرة هنا وهناك فيصفها ويروي مناسبة شرائها، من دون تناول قطع السجاد التي تكسو أرض الغرف الموصوفة.

أكيد، جزء من سبب هذا التجاهل، الجهل الواسع بالسجاد وأنواعه وتراثه، لا سيما السجاد الشرقي الأصيل الذي يعده الخبراء من أجمل التحف الفنية الشرقية وأكثرها فائدة ونفعاً، مع أن سعره نسبياً مقبول جداً، بل زهيد بالمقارنة مع بعض التحف الأخرى كالخزف الإزنيك أو القاشاني القديم، أو السيوف والخناجر المرصّعة بالمجوهرات، وما إلى ذلك. مكوّن أساسي من الديكور: في الأساس كان السجاد، كذلك مختلف أنواع البسط والزّوالي، حاجة حياتية ماسة للإنسان لكساء أرضية مسكنه. وبمرور الأزمنة تطوّرت تقنيات صناعة هذه المنسوجات وتصاميمها وزخارفها. وبرز نوعان من هذه الأكسية: الأول هو النوع المحاك المنبسط الذي يسمى في أنحاء متعددة من العالم العربي بالبسط أو الزّوالي، والثاني هو النّوع الوبري المعقود الذي يعرف بالسجّاد أو الزّرابي أو غيرها تبعاً للأمكنة التي ينتج ويباع فيها. وتشكل في النوع الأول خطوط السداة (الطولية) واللحمة (العرضية) كامل نسيج البساط أو الزولية. في حين تشكل خطوط السداة واللحمة في النوع الثاني أساساً يحمل الوبر المعقود على السداة والمحصور بخطوط اللحمة. في مطلق الأحوال عرفت صناعة السجاد والبسط في مختلف أنحاء العالم. ففي الأميركتين، الشمالية والجنوبية، اتقن السكان الأصليون (أي الهنود الحمر) نسج البسط والمشالح والأوشحة والحرامات على أنواعها. وتشتهر اليوم خصوصاً في مجال الديكور المنزلي بسط قبائل النافاهو في الولايات المتحدة، وبسط واهاكا في جنوب شرقي المكسيك، والبسط التي ينسجها شعب الكيتشوا في أميركا الجنوبية.

أما في أوروبا فاشتهر ما كان ينتج منذ القدم من سجاد معقود ومحاك في أوبيسون وباريس بفرنسا، وأكسمنستر في بريطانيا، ومقاطعة دونيغال في أيرلندا، وكوينكا وألكاراث (الكرسي بالعربية) في إسبانيا، بجانب سجاد رومانيا والسويد، وموشَّيات Tapestryبلجيكا وفرنسا الفاخرة. غير أن صناعة السجاد بلغت الأوج في العالم الإسلامي، وبالذات في إيران وتركيا وجبال القوقاز وأفغانستان وبلاد ما وراء النهر (تركستان) والصين، وكذلك الهند ومصر وبلاد الشام، ثم شمال افريقيا. واليوم ثمة نهضة حديثة هائلة في الهند ومصر وباكستان والصين عادت لتنافس تجارياً - على الأقل من حيث الكم - ما ينتج في إيران وتركيا. التصاميم: في ما يخص الديكور المنزلي، لا حاجة للخوض طويلاً في القيمة الاستثمارية للسجاد. فالقيمتان الاستثمارية والتاريخية تخرجان عن السياق العام عند المشتري العادي. والمشتري في هاتين الحالتين يكون عموماً من المقتدرين مالياً والحريصين على اقتناء السجادة كتحفة ثمينة ونادرة. في حين أن معظم من يشترون السجاد - وفي كثير من الحالات السجاد المصنّع آلياً - إنما يشترونه انطلاقاً من اعتبار عملي هو استخدامه بصورة دائمة كفرش للأرض. مع هذا، يتوفر اليوم سجاد يدوي حديث وجميل بأسعار معقولة وبتصاميم كلاسيكية جذابة، قد يغري من كان يتوجه قبلاً إلى شراء السجاد المصنع آلياً بقصد التوفير. وبالتالي، يمكن القول: ان اتساع قاعدة صناعة السجاد اليدوي الشرقي التصاميم وامتدادها من تونس غرباً إلى الصين شرقاً، مروراً بمصر والهند وتركيا، أكسبت هذه الصناعة ملايين الزبائن الجدد على امتداد العالم، لا سيما في أميركا الشمالية.

من ناحية ثانية، بجانب اتساع قاعدة الصناعة، تعزّز الحسّ التسويقي عند الصّانعين الجدد، فأقبلوا على إعادة إنتاج وترويج تصاميم قديمة وأصيلة، إيرانية وقوقازية وتركية أيضاً، واعتماد ألوان فاتحة باردة تجذب قطاعاً جديداً من المشترين في الغرب. وحالياً يلحظ من يزور متاجر السجاد في المدن العالمية الكبرى ظاهرة بعث التصاميم القديمة مثل الـ«زيغلر» الإيراني والمُغلي الهندي في إنتاجٍ حديث.

لكن، في المقابل يبقى هناك من يحرص على اقتناء الأصلي ولو بأسعار أعلى، وفي هذه الحالة يدخل في الاعتبار التوافق والتنافر التصميمي واللوني بين السجادة الأصلية ونوع الأثاث الموجود في البيت. ما يناسب الأثاث: ومن الأمور اللافتة في هذا المجال أن السجاد القبلي - التركماني (البُخاري) والإيراني (القاشقائي والغبّه والخمسة والأفشار) - والسجاد ذا الخطوط المستقيمة والزوايا كالهريس الإيراني، وأيضاً السجاد القوقازي، جذاب جداً لمن في بيوتهم وشققهم أثاث عصري، لأن الأثاث العصري تناسبه بساطة الخطوط والتصاميم. أما إذا كان الأثاث كلاسيكي الطراز، فرنسياً أو شرقياً، فقد يكون من الأنسب له السجاد الكلاسيكي التصميم ذو الألوان الحارة القوية، سواء من إيران كالإصفهان والكاشان والتبريز والكرمان، أو من تركيا كالهره كه والقيصري، أو القره باغ والكوبا القوقازي. والواقع أن عنصر العرض والطلب يؤكد نفسه في الأسعار. ففي أسواق الولايات المتحدة مثلاً تباع القطعة القديمة من سجاد الهريس المستقيم الخطوط، إذا كانت بحالة جيدة، بأسعار تتجاوز أسعار قطع التبريز الكلاسيكية التصميم من العمر نفسه والجودة نفسها، لأن طبيعة ديكور البيت الأميركي المفتوح لا تتواءم مع المزهرات والنقوشات والزخارف المعقدة التي تزيّن سجاد تبريز. والمفارقة هنا أن تبريز وهريس متقاربتان جغرافياً (في إقليم آذربيجان بشمال غربي إيران)، لكن إنتاج مشاغل تبريز المتقن من الصوف قد يصل عدد عقده إلى 300 أو 350 عقدة في البوصة المربعة، مما يتيح للنساج إنجاز التصاميم الدائرية والملتفة بسهولة، في حين أن سجاد هريس قروي الأصل وعدد عقده قليل بين (60 و100 عقدة في البوصة المربعة) وهو ما يفرض على النساج التصاميم التجريدية والمبسطة ذات الزوايا والخطوط.

* (وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»)