عندما يفشل الرجل في تفسير ما بين السطور تنشأ الخلافات

ما تقوله «هي» غير الذي يفهمه «هو»

TT

«لم أقصد ما وصل إليك من معاني»، «لماذا تفهم ما أقوله بهذه الطريقة؟» تلك العبارات وغيرها، كثيراً ما تتردد في الحوارات الزوجية، حيث تشكو الزوجة من صعوبة التقاط زوجها لما تعنيه فعلاً من كلمات. وهي مشكلة تواجه الكثير من الأزواج الذين يعانون من انعدام أو صعوبة فهم حوارات بعضهم بعضا، مما يوسع الهوة بين الزوجين.

سوء الفهم من جانب الزوج لحديث زوجته وما تقصده، يفسره المتخصصون بالفروق بين الرجل والمرأة الناتجة عن الاختلاف بين حاجة كل منهما النفسية والفكرية للحوار. فالرجل يحاور زوجته بأكثر من اسلوب حسب ما يمر به من مواقف، مثل لهجة الاقتراح التي يستخدمها حين يطلب منها المساعدة لتقديم الحل فيما يواجهه من مشاكل وبخاصة لو كانت خارج البيت، كمشاكل العمل أو الأصدقاء، بينما يستخدم أسلوباً دفاعياً عند إحساسه بالخطأ وأنه ملام وبخاصة فيما يتعلق بأخطائه داخل المنزل ومع زوجته. أما المرأة فإن حاجتها للحوار تنبع في الغالب من رغبتها في التعبير عن إحساسها ومشاعرها وما تواجهه من مشكلات، باحثة عن وجود دعم زوجها ووقوفه إلى جانبها. وفي كثير من الأحيان تتلخص كل مطالب الزوجة في أن يصغي إليها زوجها باهتمام وان يوليها مشاعره أثناء الاستماع إليها.

شيماء البالغة من العمر 39 عاماً خير مثال على هذا الأمر. فعلى الرغم من عدم انفصالها عن زوجها الذي لم تنجب منه ابناء لحبها له، إلا أنها وكما تقول تعاني دائماً من عدم إنصاته لها بشكل جيد، مما ينتج عنه فهمه لبعض الحديث وسقوط البعض الاخر منه. وتصف حاله بجهاز الراديو الذي يفقد بث موجاته بين الحين والاخر فيكون كالأغنية التي يتم التشويش عليها فتخرج نشازا. شيماء أكدت أنها كثيراً ما تشعر بالاكتئاب الذي يوصلها الى التفكير في الانفصال عن زوجها رغم حبها له من شدة اتساع الفجوة بينهما. دكتور هاني السبكي استشاري الطب النفسي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن على المرأة أن تدرك طبيعة الرجل حتى لا تغضب منه. وأضاف: «للرجل طريقته في التعبير بالكلمات التي تختلف عن المرأة، فبينما يعتمد هو على استخدام الكلمات التي تتطابق مع المعنى الذي يريده بإيجاز وبألفاظ محددة يعنيها فعلاً، مع محافظته على التسلسل، فإن المرأة قد تتحدث بكلمات أكثر بساطة وربما أقل دقة معتمدة عليه ان يفهم المعنى الحقيقي لما تقوله. والمشكلة ان هذه ميزة لا يتمتع بها كل الرجال. على سبيل المثال من الممكن أن تتحدث الزوجة الى زوجها قائلة ان يومها في العمل كان شاقا، وأنها تعاملت مع الكثير من المهام التي كان عليها إنجازها، وهي هنا تشكو من يوم صعب ومرهق وتحتاج لبعض الكلمات الداعمة من زوجها لها، أو كلمة رقيقة منه تنسيها همومها، لكن الزوج قد يفهم كلماتها على أنها تعني عدم قدرتها على القيام بأعباء المنزل، فيبدأ في توجيه النصائح لها في كيفية التوفيق بين عملها داخل المنزل وخارجه. مثال آخر يحدث عندما تقول المرأة لزوجها ان لون ربطة عنقه غير ملائمة للون السترة التي يرتديها، فهي هنا لا تقصد انتقاد ذوقه بل تسعى لأن يبدو أكثر أناقة. ولهذا فإن ما تقوله المرأة وما يفهمه الرجل شيئان مختلفان. ليس هذا فحسب، بل ذكرت إحدى الدراسات التي أجريت بجامعة أوستن الأمريكية في هذا المجال من خلال عدد من الباحثين، أن متوسط حديث المرأة في اليوم يتراوح بين 16 – 20 ألف كلمة، بينما أن متوسط حديث الرجل اليومي لا يتعدى 7 آلاف كلمة. كما اتضح من المسح التصويري للمخ في تفاصيل أجزائه الداخلية المتعلقة بضخ الدم وانسيابه إلى أجزاء المخ، خاصة تلك الأماكن المسؤولة عن تفسير اللغة والكلام، أن ثمة علاقة قوية تربط بين هذه المنطقة والمركز المسؤول عن العواطف. واتضح ايضا من خلال نفس الدراسة أن تدفق وانسياب الدم في هذه المنطقة لدى المرأة أعلى من الرجل، وهو ما يجعل لغة المرأة في كثير من الأحيان تميل إلى الجانب العاطفي واستخدام المفردات التي تعبر عن مشاعرها، كما يساهم في جعل قدرتها على استعمال المخزون اللغوي والتعبيري أكبر من استعمال الرجل له، مما يفسر استخدامه هذا المخزون بطريقة أكثر دقة وتحديداً وإيجازاً. وذكرت الدراسة أن تلك الفروق اللغوية بين الرجل والمرأة تعود إلى مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يستخدم الصبيان لغة التخاطب فيما بينهم ليتناقشوا، بينما تستعمل البنات لغة التخاطب ليصبحن أكثر قرباً والتصاقاً بمن حولهن لأنهن لا يستطيعن البقاء من دون رفيق أو رفيقة ويخفن الوحدة إذا لم يجدن من يتحدثن معه.

بعض النساء يتغلبن على تلك المشكلة الخاصة بسوء فهم أزواجهن لأحاديثهن، أو عدم فهمها من الأساس، بالحديث مع الصديقات في كل كبيرة وصغيرة عن حياتهن، وهو أمر لا ينصح به، لأنه يزيد من الفجوة بين الأزواج، خصوصا إذا شعر الزوج بأن صديقة زوجته تلم بكل تفاصيل حياتهما. فيندفع باتهام زوجته بالثرثرة وإخراج أسرار المنزل وعلاقتهما للغرباء في الوقت الذي تبحث فيه الزوجة إلى من يستمع لها.

دكتورة سمية إبراهيم أستاذة الطب النفسي بجامعة بنها أكدت أن على الزوج أن يحتوي زوجته، وينتبه لحديثها ويشعرها بدعمه العاطفي لها ومساندته لمشاعرها وأن يبثها كلمات العطف والتقدير والمحبة بين الحين والآخر، وأشارت الى أنه يجب عليه إذا فاته بعض من حديث زوجته أثناء حديثها معه أن يعتذر إليها ويطلب منها إعادة الجزء الذي فاته بدعوى أنه لم يسمعه بشكل جيد. في نفس الوقت يتوجب على الزوجة اختيار الوقت المناسب للتحدث مع زوجها وأن تحاوره بشكل مباشر. فقد أكدت دراسة تم إجراؤها على عينة من النساء حول طريقة مناقشتهن لبعض الأمور مع أزواجهن، أن أكثر من 80% منهن يفضلن الحوار والنقاش على بقية الطرق الأخرى مثل كتابة الرسائل للزوج، أو الاستعانة بوسيط آخر كصديق مقرب للطرفين، لأنه وسيلة لوصل المحبة والتفاهم، وكل ما عليهما القيام به أن يقدرا طبيعة الاختلاف بينهما، وحاجة كل منهما النفسية والفكرية للحوار حتى لا يفشل الرجل في قراءة بين سطور كلماتها، وبخاصة أن احدى الدراسات أثبتت أن قدرة الرجل على استيعاب العملية اللغوية وفهم ما يقال له، تبدأ في الضعف والاضمحلال في الثلاثينات من عمره بينما تستمر هذه القدرة مع المرأة حتى خريف عمرها وهو ما يفسر سر نسيان الرجل الدائم لأدق التفاصيل التي لا تنساها المرأة أبداً.