صغير الحجم شديد العدوانية

دراسة أميركية: سوء التغذية وأفلام الكارتون تؤثر في سلوكيات الطفل

TT

رسخت بعض أفلام الكارتون المثل الشعبي القائل: «يوضع سره في أضعف خلقه»، خاصة مع تعلق الأطفال إلى حد التوحد بشخصياتها المثيرة، ومنها فأر والت ديزني الشهير جيري، الذي مكنه ذكاؤه من إذاقة الويلات للقط توم صاحب الجسد الأقوى.

دور أفلام الكارتون في تحويل اتجاه الأطفال إلى العدوانية حقيقة علمية لا جدال فيها، فبحسب الدكتور وائل أبو هندي أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق المصرية، فإن «أفلام الكارتون من التجارب الأولى التي يواجهها الطفل وتشكل عالمه الخاص بكل ما يحويه من براءة وسذاجة وطيبة، ويقف أمامها كالصفحة البيضاء تنتظر التلوين». وأضاف أبو هندي «عندما يرى الطفل الصغير «توم وجيرى» وكيف يلقن الفأر الصغير النحيل، القط الكبير الويلات بخفة دمه ورشاقة حركته، يختزن في عقله الباطن كل هذه المشاهد ويحاول تنفيذها على أرض الواقع، لكن لا تظهر بنفس خفة دم الفأر، لكن بعدوانية وعنف وخشونة من جانب الطفل تجاه عالمه الخارجي لكي يثبت أنه قوي». عدوانية الطفل لا تتسبب فيها فقط أفلام الكارتون، بل تساهم في تعزيزها السلوكيات الخاطئة التي تتبعها بعض الأسر تجاه الأطفال، خاصة ضعاف البنية «فعندما تقارن الأم بين طفلها والآخرين الأكثر وزنا» من الممكن أن يدفعه ذلك للعدوانية كي يثبت ذاته.

واستطرد أبو هندي قائلا:«جاءتني أم تشكو من أن ابنها البالغ من العمر 8 سنوات دائم الاعتداء بالضرب على أقاربه الصغار، وعلقت الأم أمام ابنها قائلة: «مش باين من الأرض بس بيعمل مصائب»، فأدركت أن هذا الطفل تولدت عنده ميول عدوانية من كلمات الأم، وربما هناك آخرون في العائلة، فنصحتها بمراجعة قاموس كلماتها معه قبل أي شيء آخر.

عدوانية الطفل صغير الحجم لها أسباب أخرى «لعل أغربها سوء التغذية، فبحسب دراسة حديثة، أعدها باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، فإن سوء التغذية في السنوات الأولى من عمر الطفل يؤدي إلى الإصابة بالعزلة الاجتماعية، وتبنيه سلوكيات عدوانية خلال فترات الطفولة والمراهقة المتأخرة. وكشفت الدراسة أن الأطفال المصابين بسوء التغذية أظهروا زيادة في نسبة السلوكيات العدوانية في سن الثامنة بنسبة41%، وفي سن الحادية عشرة بنسبة 10% وزيادة في معدلات العنف والسلوك العدواني وغير الاجتماعي بنحو 51% في سن السابعة عشرة مقارنة مع من لا يعانون نقصا في التغذية». ولفت الدكتور وائل أبو هندي إلى أن بعض الدراسات الحديثة، أثبتت أن النقص في عناصر الغذاء الأساسية، تؤدي أيضا إلى انخفاض مستوى الذكاء الذي يسبب بدوره تطورا في السلوكيات غير الاجتماعية لاحقا. فبعد متابعة التطور الإدراكي والسلوكي والغذائي لأكثر من ألف طفل عاشوا في «موريشيوس» يعانون من نقص التغذية ويتحدرون من عدة أصول هندية وصينية وفرنسية وانجليزية لوحظت عليهم في سن الثامنة دلائل العصبية المفرطة، واختلاق النزاعات مع الأطفال الآخرين، وفي مرحلة عمرية أكبر بدأ معظمهم بالكذب والغش واستخدام الألفاظ البذيئة. أما في مرحلة المراهقة فقد كان الوضع أسوأ، وتطور إلى سلوكيات أكثر خطورة كإدمان المخدرات والسرقة.

ولتجنب آثار عدوانية الطفل يضع أبو هندي مجموعة من النصائح على الأم تجنبها في سنواته الأولى، منها أن لا تقارنه بأي طفل آخر، سواء من الناحية الجسدية أو الفكرية، فلكل شخصيته المستقلة، ومساعدته على ربط علاقات جيدة مع الآخرين بعيدا عن التفاضل الجسدي، وأن تبحث بداخله عن أجمل ما فيه وتعرضه عليه من وقت لآخر «كخفة الدم والمرح». ولفت أبو هندي إلى أن الطفل يعاني من صراع مع نفسه كلما قارن نفسه بالآخرين، ومن هنا يجب مساعدته لتكون المقارنة في صالحه، كما يجب عدم الشكوى منه على مسمع من أفراد العائلة، فقد يؤدي ذلك إلى شعوره بأنه ذائع الشهرة حتى ولو بالأفعال السلبية.

و أضاف:«يجب أن تعلم الأمهات أن اغلب الأطفال يلجأون إلى العنف كنوع من الدفاع عن النفس ضد عدوان أحد الأقران الأقوى بنية، ومن هنا يجب أن تحاول حل المشكلة مع هذا الآخر، مع إبعاد الطفل عن مشاهدة أفلام العنف والكارتون الذي يحتوى على صراعات، مع ضرورة تسجيله في أحد النوادي الرياضية لإكسابه اللياقة البدنية والثقة في النفس».

من ناحيته يفسر اختصاصي طب الأطفال بمستشفى القصر العيني، الدكتور أحمد... علاقة سوء التغذية بالعدوانية بقوله:«70 %من خلايا الدماغ تتكون قبل ولادة الإنسان أي وهو في رحم أمه وتنمو هذه الخلايا وتكتمل خلال العامين الأولين من عمره وبالتالي يؤثر سوء التغذية في سلوكه».

وتابع:«سوء التغذية يعود إلى عدة أسباب كلها تؤدي إلى طفل ضعيف البنية بطيء النمو بالمقارنة مع من هم في مثل عمره، من بينها عوامل خارجة عن إرادة الوالدين، كالوراثة ووجود خلل في إفراز هورمون النمو لدى الطفل، وأخيرا إصابته في مرحلة مبكرة بأحد الأمراض المزمنة كأمراض القلب أو الكبد أو أمراض الجهاز الهضمي، ويكون العلاج سهلا بالكشف عن هذه الأسباب وعلاجها في وقت مبكر».

ويرى عمرو، أن سوء التغذية ونقص المعادن الضرورية والفيتامينات الأساسية منها لنمو الطفل كفيتامين (د) لها تأثيرات سلبية أخرى في الطفل من بينها النحافة وقصر القامة وتتفاقم الأمور أكثر بعد عمر السنتين.

كما ان أغلب حالات نقص الوزن عند الولادة تؤثر سلبا في نموه العقلي، «لأن قدرة الإنسان على التحكم في مزاجه وانفعالاته تأتي من عناصر غذائه في مرحلة مبكرة».

وأوصى عمرو بمراقبة وزن الطفل المعافى كل شهر، فإذا تبين عدم زيادته فتلك إشارة إلى أنه لا يأخذ نصيبه من الغذاء الكامل، وقد يعاني من سوء التغذية رغم تناوله الكثير من الطعام. كذلك لفت إلى ضرورة الانتباه إلى محيط الرأس، لأن المخ في هذه المرحلة ينمو كماً، بزيادة الحجم وعدد الخلايا، وكيفاً بترقي عمل هذه الخلايا والأجزاء، لذلك فإن الاهتمام «بتغذيته يحميه من الميول العدوانية، خاصة وقت البلوغ وفي مرحلة المراهقة».