العروس اللبنانية لم تعد تنام على «خميرة ذهبية»

الأحوال الاقتصادية فرضت واقعا جديدا استبدلت فيه الفضة بالذهب

TT

تضافر ارتفاع أسعار الذهب مع تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ليعيقا اكتمال طقوس الزواج اللبناني بالطريقة التي اعتمدها المجتمع منذ زمن. ومن أهم الطقوس التي تضررت من جراء هذه الأوضاع «الشبكة الذهبية» أو «العلامة» كما تسمى في لبنان، التي استبدلت في الآونة الأخيرة بـ«الشبكة الفضية»، خصوصا بالنسبة لمن سيرتبطن بشباب يفتقرون إلى إمكانات مادية عالية. وبعدما كانت الشبكة أمراً لا بد منه يحسب له العريس «ألف حساب» قبل إقدامه على خطوة الخطوبة والزواج، أصبحت اليوم في ذيل الأولويات بعد تصدر أمور أخرى رأس القائمة بدءا من تأمين البيت وتأثيثه، وصولا الى حفلة الزفاف ومتطلباتها. وجاء هذا التراجع على مراحل عدة، فبعدما كانت الشبكة تتألف من مجموعة الخواتم والأساور والعقد والأقراط، أصبحت مقتصرة على خاتم الخطوبة، وفي المدة الأخيرة وصل الأمر إلى أقصى درجات التقشّف، وأصبح العريس يكتفي بتقديم «العلامة الفضية» التي وإن لا تختلف كثيرا من ناحية الشكل عن الذهبية، إلا أن الاختلاف يكون في القيمة المادية أولا، والمعنوية ثانية، لأن العروس تدرك قيمة ما اشتراه لها عريسها، وهو الأمر الذي قد يؤثر في البعض منهن، لا سيما اللواتي حلمن طويلا بفارس الأحلام الذي سيحملهن على حصان أبيض ويغطيهن بالذهب والماس.

وفرضت الأحوال الاقتصادية واقعا مختلفا لما كان شائعا، فأفقدت الذهب دوره، فلم تعد العروس تنام على «خميرة ذهبية»، رغم معارضة أفراد العائلة وعلى رأسهم الأم، التي تعتبر الشبكة بمثابة الأمان، عدا انه يمثل عنصرا تتباهى به أمام الأقرباء والمجتمع، إذا كانت قيمته مرتفعة.

جولة خاطفة على محلات المجوهرات في بيروت، التي تعرف بأسواق الذهب، توضح ما يدور في كواليس حياة الشباب اللبناني، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن زبائن هذه الأسواق من فئات اجتماعية متوسطة وما دون. فأبناء الطبقات الغنية يتسوقون من متاجر متخصصة في تصميمات عالمية، او تصميمات يدخل فيها الماس أو اللؤلؤ وغيرهما من الأحجار الكريمة أو شبه كريمة. لسان حال الباعة يعكس ظاهرة التقشف التي طالت العديد من أبناء المجتمع اللبناني. يقول أحدهم: «ارتفع الطلب على «العلامة الفضية» بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بعد ارتفاع أسعار الذهب، وبات الحل الوحيد لمن لا يمتلك القدرات المادية اللازمة، الفضة، التي أصبحت تأتي بتصميمات أنيقة لا تقل جمالا عن الذهبية مع فارق في السعر فقط. ساعد على انتعاشها أيضا أن موضة الذهب الأبيض ساعدت على «عملية الغش» في الأوساط المتمسكة بتقاليد «الشبكة» وأصبح من السهل خداعهم بالشبكة الفضية». ويعلّق أحمد صاحب محل للمجوهرات بأنه من الممكن حصر هذه الظاهرة في فئات عمرية محددة في المجتمع اللبناني، أغلبها من الفتيات والشباب الذين يقدمون على خطوة الارتباط في سن مبكرة الى حد ما، وبالتالي لا تزال قدراتهم المادية محدودة. تربط عبير (30 عاما)، التي عقدت خطوبتها منذ أشهر قليلة، مبدأ القبول بـ«العلامة الفضية» أو عدمها، بطبيعة العلاقة بين العروسين، تقول: «إذا اتخذت الفتاة قرار الارتباط بناء على علاقة حب قد تكتفي بخاتم الخطوبة وبـ«علامة فضية»، أما إذا كان الزواج تقليديا، فإن المظاهر التقليدية هي الأخرى تتصدّر الأولويات ولا يمكن الاستغناء عنها، لأنه لا يمكن أن يقدم شخص على هذه الخطوة الا بعد ان يكون قد حصّن نفسه ماديا وأصبح مستعدا لها تماما». من جهتها، ترفض سمر (26 عاما)، «العلامة الفضية» بشكل قاطع، وتقول: «لو كنت في سن أصغر لا أدري ربما كان من الممكن أن أقبل بهذا الأمر، أما الآن فـ«العلامة الذهبية» أقل ما يمكن أن يقدمه لي عريسي. وإذا لم يكن يملك أدنى متطلبات الخطوبة، فمن الأفضل ألا يقدم على الزواج من الأساس. إضافة إلى ذلك، لماذا يفترض أن أتنازل عن أدنى حقوقي البديهية المتمثلة بـ«العلامة الذهبية»، في حين لا تقل شبكة غيري عن الماس؟!». ندى المتزوجة منذ ثلاث سنوات، كانت هدية زواجها ثلاثة أطقم من الذهب، وهي لا تزال تحافظ عليها وتصونها. وبناء على ذلك تقول: «لم أكن لأقبل أن يقدّم لي زوجي أقل من هذه الأطقم، بسبب إصرار أهلي على المساواة بيني وبين أخواتي وما تمثله هذه الخطوة على المستويين الاجتماعي والنفسي، فهي تمنحني وزوجي الأمان. فرغم أنني لا أميل كثيرا إلى التزين بالذهب وأستعيض عنه بإكسسوارات الموضة، إلا انه لم يكن بإمكاني أن أتنازل عن حقي في الشبكة، مع العلم أن منفعتها في النهاية ستصب في مصلحة زوجي وعائلتي، إذ ليس ببعيد ان أبيعها قريبا عندما نقرر شراء بيت في الجبل لأغطي نسبة من التكاليف إذا استدعى الأمر».