عرس الموضة والتكنولوجيا في مراكش

«نوكيا» تطرح أجهزة تليفون جديدة مستوحاة من الإكسسوارات والفنون

TT

رجال الأعمال لا يستغنون عنه، والأطفال أصبحوا أيضا يملكونه، تماما مثل آبائهم وأمهاتهم، كما لم يعد يعترف بالطبقية، فحتى في المناطق النائية والفقيرة في الهند أو في الأرجنتين أو كينيا أصبح ضرورة. نعم، فلا أحد الآن يستطيع أن يجادل أن جهاز الهاتف المحمول، تعدى دوره كإكسسوار مترف يقتصر على شريحة معينة، وأصبح من الأساسيات. فمَن منا لا يملك واحدا، سواء أكان مرصعا بالأحجار الكريمة يغذي رغبة أنيقة ومقتدرة في التميز، أو عاديا يلبي حاجة أرملة تعمل في أسواق كينيا لتحصل على قوت يومها وتستعمله للتواصل مع زبائنها أو أطفالها؟. ومع الوقت تعدى أيضا وظيفته كأداة عمل أو لتواصل الناس ببعضهم بعضا، وأصبح بمثابة أعز صديق ورفيق، فهو كاتم أسرارنا وسكرتير خاص لا يكلفنا الكثير، بل وأصبح يقوم بدور كاميرا تصوير ومكتبة موسيقية. شكله أيضا تطور بشكل كبير، فما كان في السابق مجرد قطعة مستطيلة وثقيلة الوزن باللون الأسود أو الرمادي أو الأزرق الغامق، أصبح اليوم بحجم يكاد يضاهي أحمر الشفاه، ليس في شكله المتميز وخفته فحسب، بل أيضا في ألوانه المتنوعة.

سايلاس غرانت، المصمم الفني في شركة «نوكيا»، شرح أن هذا التطور كان لا بد منه لمواكبة متطلبات السوق والبقاء في الواجهة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار انه في كل ثانية ينتج 16 هاتفا جوالا في العالم، يقول: «الهاتف الجوال، هو اليوم أكثر من مجرد جهاز تواصل وأداة تكنولوجيا. فأنت تحمله معك أينما كنت، تبثه مكنونات قلبك، وفي المقابل، فإن تصميمه وما يتوفر عليه من خدمات يمكن ان يعكس مزاجك وشخصيتك.. فهو رفيقك المقرب دائما، سواء احتجت إلى رقم من أرقام معارفك، أو إلى حفظ رسائلك الشخصية وصورك الحميمة وأفلامك وأغانيك المفضلة أيضا». وسايلاس لا يتكلم من فراغ، فهو ينتمي لشركة «نوكيا»، التي كانت ولا تزال الرائدة في المزج بين التكنولوجيا والموضة، وحققت نجاحا في هذا المجال، لا يبدو أنها تريد ان تتنازل عنه، بدليل طرحها الموسمي لهواتف تخاطب رغبتنا في المتميز والأنيق على حد سواء. أخيرا اختارت «نوكيا» مدينة مراكش كمسرح لإزاحة الستار عن آخر نتاجاتها: ستة هواتف مستوحاة من خطوط الموضة تحمل اسم «سوبر نوفا»، تضج بالألوان الطبيعية ومستوحاة من حقائب اليد والنظارات الشمسية، وطبعا من الفن أيضا، كما هو الحال بالنسبة للأزياء تماما.

في المقابل، فإن مراكش الحمراء، بأطلسها وبشمسها الساطعة وأشجارها الوارفة وروائح توابلها وألوانها الدافئة، عدا عن كونها إحدى الوجهات المفضلة للفنانين والنخبة، كانت اختيارا موفقا جعل الفعالية بمثابة ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، لكن بطعم عصري. والأجمل من كل هذا، فإن التقنيات المتطورة لم تكن وحدها على قائمة المشهيات والملذات هنا، فقد شمل الطبق جمال الأزياء أيضا. فالشركة، بعد دخولها عالم الموضة منذ سنوات وتحقيقها نجاحا كبيرا فيه من خلال مجموعتي «لامور» و«بريزم» وغيرهما، عمدت على عكس الأدوار، وبعد أن كانت تقتصر على استلهام الأفكار والألوان والأشكال من الأزياء، أرادت ان تكون الهواتف أيضا ملهمة لهذه الأزياء. وهكذا بدأت تقليدا جديدا تستعين فيه بمصممين شباب تدعمهم لطرح تشكيلات مستوحاة من هذا الجهاز الصغير. ففي أسبوع دبي للموضة الذي أقيم في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2007، مثلا، تعاونت مع المصممة الشابة عائشة رمضان (26 سنة)، على تقديم تشكيلة مستوحاة من «نوكيا 7900 بريزم» Nokia 7900 Prism، الرشيقة والمحددة الشكل، ولأن التجربة كانت ناجحة بكل المقاييس، فإنها، أي الشركة، قررت ان تخوض تجربة مماثلة من حيث الفكرة، مختلفة من حيث التفاصيل بعض الشيء في مدينة مراكش. فقد قدم فيها سبعة شباب في مقتبل العمر، من جنسيات مختلفة، هم هبة عوادي من مصر، فايشالي مرجاليا من كينيا، ديان فرجان من لبنان، إلهام لحمودي من المغرب، تميتايو أويتنجي من نيجيريا، جمشيد إيراني من باكستان، وموسا موكوينا من جنوب أفريقيا، تشكيلات تتنوع بتنوع جنسياتهم وجذورهم وثقافاتهم. فقد أوكلت لهم مهمة تصميم ست قطع مستوحاة من ستة أشكال تليفونية، أربعة منها تنتمي إلى مجموعة «سوبر نوفا» وهي: 7610، 7510، نوكيا 7310، ونوكيا 7210، التي تتميز بألوان جريئة وتصاميم حديثة مستوحاة من آخر صيحات الموضة في عالم الإكسسوارات، حقائب اليد والنظارات الشمسية أساسا، وتخاطب الجنسين، واثنان منها ينتميان إلى نوكيا 6600، الذي يتمتع بغطاء منزلق، وآخر من نفس النوعية يتميز بغطاء قابل للثني، مع اشتراكهما في ميزات تجمع بين النعومة والبساطة بالإضافة إلى التقنيات العالية.

تقول المصممة عائشة رمضان، التي شاركت في الفعالية كضيفة شرف وبحكم نجاح تجربتها سابقا مع «نوكيا»، إن الفكرة هي إفساح المجال لهؤلاء الشباب لترجمة رؤيتهم على القماش متسلحين بثقافاتهم المتنوعة «فالمصمم غير مطالب بترجمة حرفية للجهاز، بل كل ما عليه أن يستلهم منه، كأن ينتبه إلى تفصيل بعينه أو جزئية محددة يركز عليها ويبنى عليها تشكيلته، على شرط ان تتوافق مع كل العناصر الأساسية للهاتف. في المجموعة التي قدمتها في العام الماضي، مثلا، واستلهمتها من «نوكيا 7900 بريزم» كان الأسود هو الأساس، رغم وجود ألوان أخرى، لكني ركزت على الأسود بالذات فيما اقتصر الأزرق النيلي، والفضي والأبيض على بعض التفاصيل. فأنا لم أكن أحتاج إلى أن أحول الفكرة إلى سيرك أو مهرجان من الألوان». وهذا ما كان مطلوبا من المصممين السبعة، الذين عاد كل منهم إلى ثقافته، يستقي منها ويغرف منها كيفما يشاء، وهو ما كان واضحا، من خلال السروال العربي الواسع إلى حد الركبة الذي يضيق عند الساق الذي قدمته المصممة الشابة اللبنانية ديان فرجان، أو الفساتين التي قدمتها المصرية هبة عوادي، أو الساري الذي قدمه جمشيد إيراني، من باكستان، أو ألوان قوس قزح التي قدمتها المصممة إلهام لحمودي، من المغرب. وربما تكون هذه الأخيرة أكثر ما غرفت من ألوان الهاتف، حيث قدمت قطعا ملتهبة لعبت فيها أيضا على الازدواجية، حيث يمكن أن يتحول الفستان الطويل بحركة خفيفة تتخلص فيها لابسته من التنورة حتى يظهر من تحتها تصميم مختلف تماما. لكن اللافت في المصممين السبعة أن كلا منهم كانت له رؤية خاصة تشي بجذوره، وفي الوقت ذاته إلى نظرته الشبابية إلى التكنولوجيا. لكن من الخطأ الاعتقاد ان أي فكرة، في مجال التكنولوجيا، يمكن ان تنجح فقط لأن شكلها أنيق وألوانها جذابة، حسب رأي مارك ديلاني، رئيس قسم التصميم لفئة «كونيكت» في نوكيا، ذلك أن الهاتف أكثر من مجرد تصميم يعكس الأناقة، لأنه يجب ان يتوفر على خدمات تجمع بين الجمال ومتطلبات كل شخص منا».

بعبارة أخرى، هناك عناصر لا تقل أهمية عن الشكل وتلعب دورا كبيرا في نجاح المنتج أو العكس، ولا نعرف عنها إلا القليل بحكم أنها تجري خلف الأضواء. على رأس هذه العناصر، دراسة انتروبولوجية لبيئات الناس وثقافاتهم واحتياجاتهم. وهي دراسة يقوم بها فريق متكامل مهمته ان يعيش في أماكن مختلفة من العالم، قد تكون جد نائية لا تخطر على بال، لقراءة توجهات المجتمع وتغيراته، وبالتالي التعرف على ما يمكن ان يتم تسويقه للإنسان العادي بسهولة. فبحسب يونغي جانغ، المصممة المسؤولة عن هذا الجانب: «فإن المهم في الأمر، هو دراسة كيف يمكن ان يحسن هذا الجهاز الصغير حياة الناس اليومية.. حياة أرملة في الأرجنتين أو طفل يعمل في شوارع الهند». تجدر الإشارة إلى أن دراسة يونغي جانغ تركزت هذه المرة في أسواق معينة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا. فهي تؤكد ان الهاتف الجوال أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا العصرية، وكما غير حياتنا اليومية، فقد غير أيضا الكثير من الجوانب في مجتمعاتنا وتعاملنا معها، فمن كان يصدق أن التقاط صور بهذا الجهاز، مثلا، يمكن ان يفضح الكثير من الخروقات التي كانت تقع من دون ان يصدقها أحد؟، وطبعا لا داعي للقول انه أصبح أيضا امتدادا لنا، الأمر الذي كان لا بد ان ينعكس على شكله وتصميمه وألوانه في ظل هذا الهوس المتزايد بكل ما له علاقة بالموضة والأناقة، وإذا كان هذا مرفوقا بالتكنولوجيا المتطورة والخدمات المتعددة فهذا هو عز الطلب، وهذا بالذات ما أزيح الستار عنه في مراكش الحمراء.