راي كاواكوبو تطرح تشكيلة خاصة لمتاجر «إتش آند إم»

أوساط الموضة البريطانية تحضر نفسها لحالة طوارئ الخميس

مجموعة من التصميمات التي ستطرح للبيع يوم الخميس في محلات «إتش اند إم» بتوقيع راي كاواكوبو
TT

عندما تسرب الخبر بأن اليابانية المخضرمة، راي كاواكوبو، مؤسسة ماركة «كوم دي غارسون» ستصمم تشكيلة خاصة بالمتاجر السويدية «إتش اند إم» على خطى كل من كارل لاغرفيلد مصمم دار «شانيل» وستيلا ماكارتني وروبرتو كافالي والثنائي فكتور اند رولف، اعتقد البعض ان الخبر مجرد مزحة أو دعابة. لكن وبعد ان أكد الطرفان بأنه حقيقة تجلت في اليابان أول من أمس السبت، وستتجلى في العديد من المدن البريطانية يوم الخميس القادم، سادت اوساط الموضة مشاعر متضاربة بين الذهول والدهشة وبين الاستغراب والترقب، لأسباب مفهومة، وهي ان راي كاواكوبو معروفة بأسلوبها البعيد كل البعد عن كل ما هو تجاري ومعانقتها للفنية التي تصل أحيانا إلى درجة السريالية بأسلوبها التفكيكي، الأمر الذي لا يمكن ان يقال عن المحلات السويدية. وهذا الاسلوب هو ما ساعد هذه اليابانية الرائدة على النجاح في ان تحفر لها مكانة عالمية يشهد لها الكل بالاحترام، خصوصا أنها لم تتنازل عن مبادئها الفنية، سواء في الازمات الاقتصادية، إذا اخذنا بعين الاعتبار انها اسست ماركتها في عام 1969، او في الأوقات التي كانت أغلبية الشرائح تقبل على الكلاسيكي والمضمون، وتم فيها ترويض أساليب العديد من أمثالها ليتناسب مع ارض الواقع ومتطلباته من أجل البقاء والاستمرار. راي كاواكوبو، ألهمت أيضا العديد من المصممين من بينهم ستيفانو بيلاتي، مصمم دار «إيف سان لوران» الحالي ومارك جايكوبس، مصمم دار «لوي فيتون» الذي طلب منها مؤخرا تصميم ستة حقائب طرحتها الدار الفرنسية المعروفة، وغيرهم، من الذين أعربوا، في عدة مناسبات، عن مدى إعجابهم بها وبفنها، مع العلم انها تتلقى نفس الإعجاب والتقدير من محرري الموضة، وإن كانوا لا يستعملون تصميماتها كثيرا في مجلاتهم، للسبب نفسه وهو أنها نخبوية الذوق، ولا تخاطب كل الشرائح. ويمكن ان تكون كاثي هورين، محررة الأزياء في صحيفة «نيويورك تايمز» أكثر من توفقت في وصفها عندما قالت «تعمل كفنانة وليس كمصممة ازياء».

كان من الممكن ان تتعرض إلى الإفلاس، كما هو الحال بالنسبة للعديد من المصممين الذي يركبون موجة الفني على حساب التجاري، أو في أحسن الحالات ان تنضوي تحت راية مجموعة كبيرة تحتوي جنونها وفنونها، إلا أن العكس حصل، فقد حققت نجاحات كبيرة من دون أي مساعدة، وانتشرت شعبيتها في كل انحاء العالم، إن لم يكن لأزيائها الغريبة، فلعطورها والمكملات الاخرى التي تساعد نوعا ما على دوران ماكينة الانتاج ودر الارباح. في عام 2007، مثلا، حققت 97.8 مليون جنيه استرليني من الأرباح، وهو رقم مهم بالنسبة لعصامية متمردة على المألوف، وإن كان هذا الرقم مجرد نقطة في بحر، مقارنة بما حققته محلات «اتش اند إم» في نفس العام من أرباح وصلت إلى 7.6 مليار جنيه استرليني. ولا شك ان هذا التناقض هو سبب الدهشة والاستغراب الذي انتاب اوساط الموضة عندما تناهى خبر تعاونها مع هذه المتاجر. فهذه الأخيرة، كما نعرف جميعا، تجارية محضة وتخاطب شرائح العامة التي تريد ازياء استهلاكية بأسعار بخسة، يمكن ان تستعمل في الأيام العادية، لموسم أو لموسمين على أحسن تقدير ثم ترمى جانبا، فيما لا يخضع اسلوب كاواكوبو لهذه المعايير، أو على الاقل لم يخضع لها لحد الآن. ومهما كانت ردود الفعل، فإن المؤكد هو ان طرح المتاجر السويدية لهذه التشكيلة في هذا الشهر يعتبر حدثا بحد ذاته، ومن شأنه ان ينعش حركة التسوق التي يشتكي العديد من انها تمر بفترة عصيبة بسبب بخل المتسوقين الناتج عن مخاوفهم مما يخبئه المستقبل من مصاعب اكبر. ومما لا شك فيه ايضا ان الإقبال سيكون محموما عليها، خصوصا من قبل شريحة الصغار الذين يريدون التميز، وربما التمرد على الأسلوب المتعارف عليه، عدا عن شريحة العارفين والعارفات من المعجبين بها، والذين لم تتح لهم الفرصة سابقا في اقتناء قطعة من إبداعاتها، بسبب الاسعار النارية. وبناء على الاتفاقية، فقد قدمت كاواكوبو 50 قطعة للمرأة والرجل على حد سواء، بالإضافة إلى اكسسوارات وعطر موجه للجنسين. الألوان الغالبة على التشكيلة هي الابيض والاسود والأزرق النيلي فضلا عن الأحمر والوردي. لكن لا يغرنك أنها الوان حيادية أو هادئة، لان التصميمات لن تكون كذلك على الإطلاق، بحيث ستكون هناك بدلات وتايورات مفصلة بأسلوب «تفكيكي» إلى جانب جاكيتات قصيرة من الصوف، وطبعا ماركتها المسجل النقوشات المنقطة التي استعملت بسخاء في قمصان موجهة للجنسين. كما سيجد الرجل والمرأة على حد سواء بنطلونات واسعة تتدلى، على طريقة أبو شهاب في مسلسل «باب الحارة»، إلى الركبة لتضيق عند الساق (تقدر بـ34.99 جنيه استرليني) وللمرأة فساتين بأكمام منفوخة وكشاكش (تقدر بـ199.99 جنيه استرليني) إلى جانب قطع اخرى تشبه كثيرا ما قدمته المصممة على منصات باريس لربيع وصيف 2008. وللزبائن الاقل جرأة هناك بعض الكلاسيكيات خصوصا فيما يتعلق بالمعاطف المفصلة على الجسم والتي تشي بأسلوب «كوم دي غارسون» العالي. والحقيقة انه رغم اسم المصممة الكبير، وهو اسم يجعل أي واحدة منا تحلم باقتناء قطعة منها، ولو من باب التباهي والتيمن، فإنها لا يمكن ان تناسب أرض الواقع أو المرأة العادية والعاقلة، وليس ادل على هذا من فستان بكشاكش ضخمة أو البنطلونات المبالغ في اتساعها والتي تناسب الشخصيات الجريئة.. جدا. المؤكد ان الجودة ستكون عالية، لأن المصممة اكدت قبل ان تدخل المغامرة انها قد تتنازل عن بعض الأمور، لكن الجودة وثقافتها الخاصة إلى جانب احترام الزبون، ليس من ضمنها. تجدر الإشارة إلى أن تعاون كبار المصممين مع المتاجر الشعبية يعود إلى بداية التسعينات، ومع الوقت تحول إلى امر عادي وفي بعض الأحيان محبط لأن الترقب يكون اكبر بكثير مما يطرح في الواقع. الظاهرة بدأت في بريطانيا بسبب الركود الاقتصادي في تلك الحقبة، والذي دفع بعض المصممين للتعاون مع المتاجر الكبيرة للحصول على دخل إضافي ومضمون يساعدهم على البقاء والاستمرار في إبداع خطهم الخاص للنخبة. فقد رأينا جاسبر كونران، مثلا يصمم لمحلات «ديبنهامز» ومؤخرا رأينا شراكات اخرى مثل شراكة ماثيو ويليامسون وبيتي جاكسون مع نفس المحلات، والمصمم جايلز ديكون مع «نيو لوك» ورولان موريه مع «غاب» وهلم جرا. لكن في الوقت الذي كانت فيه هذه الشراكات مثيرة وفي صالح المستهلك، من حيث كونها تناسب الأسلوب السائد على منصات عروض الازياء، إلا ان أول تعاون مع التصميم الفني كان في عام 2006 بين «اتش اند إم» والثنائي فكتور أند رولف، المتخصصين في مجال «الهوت كوتير» والمعروفين بالفنية والفانتازية التي تجعل تصميماتهما اهلا بأي متحف عالمي اكثر مما يجعلها تناسب المرأة العادية. ومع ذلك فإن بعدها عن المتناول سابقا جعل حتى المرأة التي لم تسمع عنهما من قبل، تتسابق وتقف في طوابير طويلة للحصول على قطعة تحمل توقيعهما. ونجحت التجربة حيث نفذت التشكيلة في غضون ثلاثة ايام فقط من طرحها. طبعا «إتش اند إم» تأمل ان تحقق نفس النتيجة مع كاواكوبو، حتى تضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة تحقق الربح التجاري، ومن جهة ثانية يكون لها الفضل في جعل ماركة بعيدة كل البعد عن التجاري والعادي في متناول العامة، وسواء كان هؤلاء مستعدين لتصميمات راي كاواكوبو أم لا، فإن المؤكد هو ان يوم الخميس القادم سيكون يوما مهما لأي متسوق يريد الحصول على قطعة تحمل توقيع مصممة من العيار الثقيل.