«مالبوري».. البريطانية الأنيقة

حقائب وأحذية وإكسسوارات.. من قلب الريف إلى العالمية

TT

برز اسم «مالبوري» في ساحة الإكسسوارات وبالذات حقائب اليد منذ عدة سنوات، لتصبح واحدة من أهم الماركات التي تتسابق عليها الأنيقات من جميع أنحاء العالم، وليس أدل على هذا الإقبال من الحمى التي تلت طرحها لحقائب تحمل أسماء خاصة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر «روكسان»، «إيمي»، «ماغي»، «بايزووتر»، «فيبي» وغيرها. بل يمكن القول إن حقيبتها «بايزووتر» أصبحت من التصميمات الكلاسيكية تماما مثل حقيبة شانيل المبطنة 22.5 أو حقيبة دار «هرميس» أو «بيركين»، وكانت من بين الأسباب التي جعلت من دار جلود بريطانية عريقة كان من الممكن أن تبقى غارقة في المحلية، دار موضة عالمية تهفو لها نفس كل أنيقة أينما كانت، وإن كان هذا النجاح قد جعل العديد من تصميماتها مادة خصبة للاستنساخ، من أجل عيون من لا تستطيع للأصلية سبيلا. ورغم أن العديد من الشركات تعتقد أن الغموض جزء من السحر، وتتستر على تفاصيل صناعتها، إلا أن الأمر لا ينطبق على «مالبوري» التي ترحب وتشجع على زيارة معاملها الواقعة في قلب الريف البريطاني، سومرست، لكشف السر وراء إقبال الأنيقات عليها من أميركا إلى اليابان مرورا بأوروبا والشرق الأوسط، حيث توجد لها محلات. وسبب هذا الترحيب أنها تعرف مسبقا أن نتيجة كشف آليات عملها والتعرف على الأنامل التي تصنعها عن قرب، تزيد من سحرها وتبرر كل دولار يُصرف من أجلها، بالنظر إلى مدى التفاني والحب الذي تستنزفه كل حقيبة قبل أن تحط على ذراع أو كتف واحدة منا. أقرب محطة من المعمل، هي محطة قطار «باث سبا» ومنها تستغرق الرحلة إلى «روكري»، وهو الاسم الذي تعرف به معامل مالبوري في المنطقة، حوالي نصف ساعة، بسيارة أخذتنا عبر طرقات ريفية تتراءى منها مساحات خضراء مترامية على بعد البصر وبنايات لا تزال تحافظ على معمار جيورجي، تماما كما تصوره روايات جاين أوستن. بعد نصف ساعة تصل إلى مبنى بمعمار عصري حديث، لكن أول ما يطالعك قبل ولوج بابه الزجاجي، شجرة توت وارفة لا تزاحمها أي نباتات أخرى، تبدو وكأنها تحرس المبنى أو كأنها تستقبلك في بيتها، وإذا عرف تاريخها أو بالأحرى علاقتها بالمبنى وبالدار البريطانية، بطل الاستغراب، فهذه الشجرة هي التي أوحت للمؤسس روجيه سول في عام 1971 باسم ماركته، ذلك أن شجرة التوت باللغة الإنجليزية تعني مالبوري. كانت هذه الشجرة بالنسبة له أبلغ من أي اسم آخر لتسويق منتجاته، لما تتمتع به من سخاء وتنوع، فمنها ينتج الخشب والحرير والفواكه. ولم يكن يعرف حينها أن داره ستنتج مستقبلا إكسسوارات أخرى غير الجلود مثل أزياء من حرير إلى جانب أدوات منزلية من البورسلين وغيرها.

عندما تدخل الباب الزجاجي تشعر بهدوء عجيب وبأنك في مكان عادي مثله مثل أي بناية إدارية توجد في أي مكان من العالم، لا سيما أنه خضع للتجديد والتوسيع منذ حوالي عامين تقريبا حتى يستوعب كمية الطلبات المتزايدة، لكن بعد نزول السلالم إلى الطابق تحت الأرضي، تتغير الملامح، وتجد نفسك في مكان مفتوح وشاسع، أشبه بخلية نحل بالنظر إلى حركة العمال، وأقرب إلى غابة بالنظر إلى كميات الجلود المتراصة بكميات هائلة وألوان ونقوشات مختلفة، هذا عدا عن رائحته التي تزكم الأنف، لكنها بالنسبة لأي امرأة مهووسة بالحقائب أو الأحذية الجلدية الطبيعية، فهي تعتبر أطيب من أي عطر. وكأن العين والأنف لا يكفيان، تأخذ حاسة السمع أيضا نصيبها. فبعد متعة السكينة والهدوء خارج المبنى، وبمجرد أن تطأ قدماك ساحة العمل، تصدمك سيمفونية صاخبة تنبعث من أصوات المراوح الهوائية، التي تدور من دون توقف لترطيب الجو، وكأنها لا تعرف أو تعترف بأن الجو في الخارج كان ممطرا. لم يضاه هديرها سوى أصوات الماكينات، التي كان بعضها يدور مقطعا الجلد إلى قطع رسمت مسبقا بالقلم، وبعضها الآخر يدور لحياكتها. لكن أكثر ما يدهشك هو حركة يد العاملين السريعة وكأنهم ولدوا للقيام بهذه المهمات. تركيزهم اللامتناهي كان يدل على أنهم تعودوا على صخب الماكينات ولم يعد لها تأثير بالنسبة لهم. كان كل واحد منهم متسلطنا في ركن خاص به، منكبا على المهمة المناطة به، سواء كانت حياكة الجيوب أو شذب الخيوط أو تركيب السحابات والأزرار ومسكات اليد. وطوال الوقت كانت عيونهم، بل وجوارحهم، معلقة على القطعة التي بين أيديهم. كان هناك تسلسل مثير بآليته المدروسة، قبل أن يصل في الأخير إلى مسؤولة عن تركيب علامة الدار: قطعة نحاسية تجسد شجرة مالبوري، تسلمها بدورها لمن تتولى التأكد من جودة الحقيبة من كل الجوانب، وكأنها تسلمها مولودا عزيزا يجب الاحتفال به قبل أن يخرج للعالم في أحسن حلة. فالجودة هنا هي رأسمال المصنع، ويجب أن تتوفر على كل العناصر التي تجعل من أي منتج يخرج منها قابلا للتسويق ومبررا سعره المرتفع، بدءا من نوعية الجلد الذي تمت غربلته في إيطاليا قبل أن يُرسل هنا، إلى الخيوط المخاطة من الداخل أو الخارج، التي لا يجب السماح لها أن تخرج عن السطر مهما كان، مرورا بالسحابات والبطانة وقطع الحديد النحاسية التي تجلس عليها الحقيبة من أسفل. أي إمكانية للخطأ غير واردة أو مسموح بها، فهناك أكثر من 206 عمال من أعمار مختلفة يتولون إنتاج أكثر من 1000 حقيبة أسبوعيا هنا، ويتوقع أن تزيد الكمية مستقبلا. ويبدو أن أعمار العمالة هنا لها أهمية كبيرة بالنسبة للدار، وكما يتبين من تطورها نقطة حساسة، فمنذ بضع سنوات، تم اكتشاف أن يدها العاملة كبرت في السن وبأن ما لا يقل عن 50% منهم يتعدون الخمسين من العمر. صدمتها حقيقة أنها تفتقد إلى شباب يمكن أن يتعلموا المهنة من المخضرمين، ويحملوا الدار إلى الألفية، الأمر الذي نتج عنه برنامج تدريب لشباب المنطقة بعد إنهاء تعليمهم الثانوي، يمكن أن يتمخض عن توظيف من يرى نفسه في هذا المجال، ويمكن أن يتخصص فيه. يشمل البرنامج دروسا في تاريخ الجلود وطرق تقطيعها فضلا عن كيفية تشغيل الماكينات، وهي دروس قد تستغرق 18 شهرا في «بريدج ووتر كوليدج» بالمنطقة، يتخرج فيه هؤلاء وهم على دراية عالية بأصول المهنة وتاريخ الدار وإرثها. ولا شك أن «مالبوري» استفادت من هذا البرنامج، فنسبة كبيرة من العاملين والعاملات فيها من هذه الشريحة، التي تتمتع بدم فائر وأيضا مواكبة للموضة العالمية، وهو ما يمكن لمسه في طريقة أزيائهم وتسريحات شعورهم. ورغم أن قوة الدار تكمن في حقائب الدار الجلدية التي بنت عليها سمعتها العالمية، إلا أنها كأي شركة تجارية لا يمكن أن تتواكل على هذا الجانب وحده للاستمرار. فلكي تكون دار موضة متكاملة، عليها أن تدخل مجال الأزياء والإكسسوارات الأخرى، وهو ما كان بتعاونها مع «كاتلر أند غروس» لطرح مجموعة نظارات شمسية لربيع وصيف 2008 ومع جوناثان كيلسي لطرح مجموعة من الأحذية نالت الكثير من الإعجاب في العام الماضي مما شجعها على تجديد التعاون معه هذا العام أيضا. لكن مجموعتها للأزياء هي التي تثير الاهتمام في المواسم الأخيرة، خصوصا أن مثيلات ميشا بارتون وكيرا نايتلي، إلى جانب بنات المغني بوب غيلدوف، يقبلن عليها، لما تتمتع به من حيوية وروح شبابية تجمع بين الأناقة والعمل. الفضل هنا يعود إلى مصممتها الجديدة، إيما هيل، التي عملت سابقا مع مارك جايكوبس، كالفن كلاين، كلوي ومحلات «غاب» قبل أن تحمل كل خبراتها وتجاربها للدار البريطانية فتنفث فيها روحا عصرية بلمسات بريطانية محضة، هي سر جاذبيتها.

معلومات عن الحقيبة

* يستغرق صنع حقيبة «بايزووتر» ثلاث ساعات و40 دقيقة من البداية إلى النهاية.

* تمر هذه الحقيبة بـ41 عملية قبل أن تأخذ شكلها النهائي.

* الخياطة هي العملية التي تستغرق وقتا طويلا، حوالي ساعتين.

* يتم إنتاج نحو 20.000 حقيبة «بايزووتر» في العام.