«سي أش مين» عطر رجالي وراءه امرأتان

كارولينا هيريرا جونيور: عملي يفرض عليَّ عدم الوفاء

كارولينا هيريرا جونيور في مكتبها تختبر شكل القارورة التي ستحضن عطرها الجديد ..وتفحص الخامات التي ستدخل فيه ومنها الجلود
TT

ناعمة بماكياجها الخفيف وفستانها الرمادي المقلم بالأبيض، الذي تزينه فيونكة كبيرة عند الصدر، قالت باعتزاز إنه من تصميم والدتها، مضيفة أنه من تشكيلة قديمة تعود إلى خمس أو ست سنوات، لكنها كل مرة تلبسه تشعر بأنه صمم للموسم واليوم الذي تلبسه فيه. بجسمها النحيل وبشرتها البورسلينية التي يكللها شعر أسود فاحم وتضيئها عيون بلون الزيتون، تبدو كارولينا هيريرا جونيور، وكأنها لوحة حية من رسومات مرحلة ما قبل الرسام رافائيل الرومانسية، لكن ما أن تمر لحظات حتى تشعر بأن تحت هذه النعومة والرقة تقبع سيدة أعمال تعرف ما تريد وتعرف كيف تضع الحدود بين ما هو عام وما هو شخصي وبين ما هو فني وما هو تجاري. لأنها تحمل اسم والدتها، كارولينا هيريرا، المصممة العالمية المشهورة، يتوقع البعض أنها الخليفة الطبيعية للمؤسسة التي بنتها الأم في عالم الأزياء، لكن الصغيرة، التي تبلغ من العمر 38 عاما الآن وأم لثلاثة أطفال، اتجهت في المقابل لصناعة العطور. ولا يخفى على أحد أنها صناعة تدر الملايين، وباعتراف الخبراء هي التي تسقي جانب الأزياء ماء وتغذيه أيضا، وبالتالي فهي تتبوأ موقعا حساسا يحتاج إلى قوة أعصاب وانف ذواق وعقل تجاري فذ. ومع ذلك تقول إن دخولها هذا المجال كان بمحض الصدفة ولم تخطط له: «رغم أن والدتي مصممة أزياء معروفة، فإنها لم تشعرنا ولا مرة من المرات بأنه علينا أن نمشي على خطاها. بالنسبة لها كان عملها نتيجة طبيعية ومسلما بها، لأن الموضة كانت عشقها الكبير، ولم تكن تريد أن تقوم بأي عمل غيره. بالنسبة لي كان الأمر مختلفا، فقد عملت في صناعة الأفلام الوثائقية، وكان بإمكاني أن أختار أي شيء، بما فيه جانب الأزياء، لكن ما حصل أنها منذ 12 عاما، وخلال إجازة فصل الصيف، سألتني إن كنت مستعدة أن أساهم ببعض الأفكار فيما يخص عطرا جديدا كانت تنوي إطلاقه. كانت تبحث عن أفكار شابة لأنها كانت تريده عطرا خاصا بفئة الشباب يختلف عن عطر (كارولينا هيريرا) الكلاسيكي. طبعا كنت سعيدة بمساعدتها، وولد العطر وكان نجاحه باهرا، مما شجعني على المساهمة في إنتاج وإطلاق عطر ثان حقق أيضا النجاح. وهكذا وجدت نفسي من دون تخطيط مستمرة في هذا المجال ثم مسؤولة عنه». لا تنكر كارولينا البنت أن الموضة تجري في عروقها، بحكم أنها امرأة وأيضا لأنها تربت في هذا الوسط، وتعلمت على يد امرأة مخضرمة في المجالين، لكنها تسارع بالتأكيد أن الموضة والعطور صناعتان مختلفتان، ومن الصعب المقارنة بينهما: «فالأولى تلمسينها وتعيشينها، والثانية حسية تدغدغك وتحلمين بها، لهذا تقول والدتي دائما إن العطر هو أفضل إكسسوار يمكن للمرء أن يستمتع به، رجلا كان أم امرأة، لأنه غير ملموس. بالنسبة لي، ولأنني أعمل باسم كارولينا هيريرا، المصممة التي حفرت اسمها في المجالين منذ أكثر من 20 عاما، عليَّ أن أفهم أسلوبها وأفكر طويلا عند إنتاج أي عطر يحمل اسمها، لأنه من الضروري أن يجسد أسلوبها الراقي والرفيع، فهي لا تطرح أزياء تجسد جماجم وعظاماً، مثلا. هذا ليس أسلوبها». بعد عدة عطور ناجحة، ها هي كارولينا تتوجه إلى الرجل بعطر أطلقت عليه اسم «سي إيتش مين» CH Men كان وليد إحساسها، كما تقول وأنف الخبيرة إيميلي كوبرمان. عطر يختزل في قارورة مبتكرة ما تريد المرأة أن تشمه في رجل عصري وأنيق، لكن يحب الطبيعة، فهو مغامر يقدر الحياة ويعرف كيف يعيشها، لكنه أيضا غامض مما يضفي عليه السحر والإثارة، لكن ولادة هذه العطر، كما تقول بابتسامة تحمل عدة معانٍ، لم تكن سهلة، فقد احتاجت إلى دراسة كبيرة واختبارات لا حصر لها. تشرح: «متعة كبيرة أن تتعاون امرأتان لإهداء الرجل عطرا قويا. لم يكن الأمر سهلا، فعندما نصمم عطرا للمرأة فإننا عموما ننطلق مما نحب ونفهم فيما يخص نوع الخلاصات التي تدخل فيه، ولأنه كان علينا هنا أن نبدع عطرا رجاليا، فقد سهلنا المأمورية بأن صنعناه أيضا لأنفسنا، بمعنى ما نريد، كامرأتين، شمه عليه. طبعا لا أعرف ما يريده الرجل تماما، لكنني اعرف ما تريده المرأة عندما تكون معه، وبالتالي اخترنا له خلاصات أخشاب ثمينة وجلود ونباتات مع نغمات خفيفة جدا من الفانيلا حتى تمنحه بعض الحلاوة. فأنا اعتقد أن أياً منا عندما يبدع عطراً فهو يفكر في نفسه ومن ثم تأتي النتيجة موافقة لذوقه وما يريد، متمنيا أن يروق للآخرين. وهذه ليست نرجسية، لأن لا أحد يستطيع التفكير في كل الآخرين، لسبب وجيه وهو أن الآخرين كثيرون ويأتون بعدة شخصيات وأساليب، ولهذا عليَّ بالتفكير فيما أحبه، وما يفتيه عليَّ إحساسي وحواسي، فضلا عن دراسة السوق وما هو متوفر فيه حتى يكون العطر جديدا بمعنى الكلمة. ربما لو أنيطت المسؤولية برجل، لاختار خلاصات مختلفة عما اخترناه أنا وإميلي».

اعتمادها على إحساسها كأنثى وذوقها الخاص وأيضا على انفتاحها على الجديد، اثبت مع الأيام أنه وصفة قوية وناجحة في الوقت ذاته. فعطر 212، الذي تغلب عليه خلاصات الورود البيضاء، التي أحبتها منذ صغرها، ركز أقدامها في السوق، لكن وبسبب تعرض انفها للعديد من الاختبارات ولمدة طويلة، أصيبت بما يشبه التخمة من أي شيء يتعلق بالورود، لتأتي بعد ذلك مرحلة اعتمدت فيها على الفواكه الحمضية والفواكه الحلوة مثل الشمام، لكن هذه الفترة كانت بمثابة فترة نقاهة فقط عادت بعدها إلى الأزهار والورود. تشرح: «بعد فترة استرجعت عشقي للياسمين وكل الأزهار الكلاسيكية. يمكنك القول إنني واحدة من النساء اللواتي لا يبقين على حال، فأنا مرة أميل إلى العطور التي تدخل فيها الياسمين، ومرة أميل إلى العنبر أو إلى المسك، فالمهم بالنسبة لي أن استمر في الاكتشاف وتجربة الجديد. الآن أنا في حالة عشق مع أي شيء به ياسمين وعنبر، كما اعشق أن أشم شذى الورد في الرجل، ولا أحب بالضرورة أن تغلب على عطوره خلاصات الجلود والأخشاب والمسك. لا أنكر أنني أحب كل هذه الخلاصات على حدة من مسك وأخشاب، لكن عندما أكون مع رجل، فأنا أحب أن تكون رائحة الورد والنباتات هي التي تدغدغ انفي بالإضافة إلى الفانيلا لما تخلفه من نغمات حلوة خفيفة في الأجواء». وحتى فيما يتعلق بالعطور التي تختارها لنفسها، فهي تعترف بأنها ليست وفية لماركة أو نوعية معينة، ليس لأنها متقلبة الأهواء أو لا تتصف بالوفاء، بل لأنها بحكم عملها تحتاج إلى التغيير والتعرف على الجديد «فبعض النساء وفيات لعطر واحد مدى الحياة، تعرفينهن من رائحته المتميزة التي تصبح جزءا من وجودهن، وهذا رائع، بينما هناك من تحب أن تجرب كل جديد، وأنا واحدة منهن، لأنه عليَّ أن أجرب أنواعا مختلفة، وأعترف أنني أجد سعادتي في أي عطر بخلاصات تذكرني بتجربة شخصية أو حالة نفسية أو تحملني إلى مكان بعيد شعرت فيه يوما بالسعادة. أجمل ما في العطر أنك ما أن ترشيه وتشميه حتى يحسن مزاجك».