المصمم ستيفان رولان لـ«الشرق الأوسط»: «الهوت كوتير» بألف خير

المهم أن تجمع الفني والعملي والتجاري لا أن تبقى سجينة برج عاجي

ستيفان رولان يضع اللمسات الأخيرة على فستان سيعرض غدا
TT

بشعره الطويل وغرته المنسدلة على وجهه وابتسامته الدافئة، كان المصمم ستيفان رولان يجلس مرتخيا في الطابق الأول من فندق «كوفنت غاردن» بكامل وسامته وأناقته في انتظاري، الطقس في الخارج كان مثلجا، لكن ما إن وطأت قدماي أعتاب الغرفة، حتى سرت في أوصالي حرارة لذيذة، لم أعرف بالتحديد ما إذا كانت نتيجة استقباله، أو إذا كانت تنبعث من النار الملتهبة في المدفأة الضخمة التي كانت تحتل حيزا كبيرا من الغرفة.

بعد السلام، بدأ الكلام عن العطلة القصيرة التي قضاها في لندن والتي كانت ستنتهي في اليوم نفسه، بسبب اضطراره إلى العودة إلى باريس لإكمال تشكيلته التي ستعرض غدا، الثلاثاء. تكلم عن النشاطات التي قام بها بحماسة طفل، مؤكدا أنه قضاها ما بين الاستجمام وشحذ الطاقة وبين زياراته لمتحف «فيكتوريا أند ألبرت» حيث شاهد معرض عن المهراجا وبلاطات الهند الغنية، والأكاديمية الملكية للفنون، التي تنظم معرضا عن حضارة الأزتيك، ومع كل رشفة شاي أخضر أو حركة يد يقوم بها لرفع غرته من على جبينه، كان يشرح ما رآه ويسهب في وصفه بإعجاب شديد، رغم أنه يبقى من عشاق الفن المعاصر في الأساس، خصوصا فن سيزار، كما يقول. فمن هذا الأخير استلهم الكثير في تشكيلته الأخيرة التي سيعرضها غدا ضمن موسم «الهوت كوتير» الباريسي.

ما إن نطق كلمتي «الهوت كوتير» حتى قاطعته بسؤال يلح على الكثيرين من المتابعين ويتعلق بمصيرهم ومستقبلهم، صحيح أنه سؤال أصبح من الأكليشيهات وقد يكون مستفزا لكثير من المصممين، إلا أنه للأسف ملح هذه المرة أكثر من ذي قبل بسبب عدم مشاركة «كريستيان لاكروا» في هذا الموسم، وهو الذي كان وجها من وجوه هذا الفن المبدعة، وبالفعل ما إن نطقت بالسؤال حتى انتفض جسمه، وغطى وجهه بيديه في حركة مسرحية رشيقة، ثم نظر إلي من بين أصابعه بنظرة مليئة بالعتاب قائلا: «لا.. أنت أيضا؟» شعرت من عتابه أن الوقت قد حان للدفاع عن النفس وعن السؤال الذي له ما يبرره، ففي كل الأوقات العصيبة تكون «الهوت كوتير» هي أول المتضررين، لأنها تبدو حينها وكأنها من الكماليات المرفهة، التي تحتاج إلى ميزانية ضخمة لإنتاجها، بدءا من طرق تنفيذها والساعات الطويلة التي تستغرقها في تسويقها، ثم لا ننس أن كثيرا من اللاتي يعشقنها يتحرجن من الإقبال عليها احتراما لغيرهن ممن تضررن من الأزمة.

التقط بحسه أن توثبي للدفاع عن النفس كان ناتجا عن بعض الحرج، وبابتسامة واثقة وصوت حازم، توجه بكل جسمه منحنيا على المسجل أمامه ليقول: «الهوت كوتير» بألف خير، صدقيني. ثم جلس مستقيما وأضاف بجدية: «أنا أكبر مثال على أنها بخير، المهم أن يعيش المصمم عصره، وأن يتأقلم مع متطلباته.. ليس هناك امرأة ثرية، لا تحب أن تحصل على شيء فريد وخاص، وبالتالي سيوجد هناك دائما مصممون يلبون هذه الرغبة بإبداع قطع تخاطبهن وعلى مقاسهن، ثم إن الحياة عبارة عن دورات فلا شيء يموت بشكل كامل، لأنه مع الوقت يولد ثانية، لكن بشكل آخر، وهذا هو الحاصل بالنسبة لـ«الهوت كوتير». كل ما تحتاجه أن تعيش عصرها وأن تتأقلم معه. ولا أنكر أنه علينا الحفاظ على الأنامل الناعمة والمحترفة التي تنفذها، لكن علينا أيضا أن نختار كيف نتعامل مع مفهومها، فهناك الطريقة القديمة التي نحتاج فيها إلى عدة بروفات وأسعار خيالية، وهذه قد انتهت، وهناك الطريقة الثانية، وهي العصرية، وتحتاج إلى أن تكون بأسعار أفضل وتقنيات حديثة وتنجز في وقت أقل، ففي الماضي كان تنفيذ فستان أو تايور، مثلا، يحتاج إلى ثلاثة أشهر، أما الآن فقد لا يحتاج سوى إلى أربعة أسابيع». وتابع شارحا: «الكثير من النساء حاليا يعملن، ولهن مسؤوليات كثيرة تجعل إيقاع الحياة بالنسبة لهن سريعا ومثيرا للأعصاب، ودور المصمم أن يقدم أزياء تعكس هذا الواقع من خلال أزياء عملية حتى أن كانت تحمل توقيع «الهوت كوتير»، لهذا أنا واثق من مستقبل «الهوت كوتير» بشرط أن تتكلم لغة العصر». في خضم حماسته، قال شارحا كيف أن الناس نسيت معنى «الهوت كوتير» الحقيقي مع مرور الوقت: «فهي ليست فانتازيا أو تحفا فنية للترفيه والمناسبات الخاصة والسهرات فحسب، بل يمكن أن تكون قطعا بسيطة للغاية ولكل الأيام، لأن مفهومها الأصلي هو التفصيل المتقن لقطع تلبسها المرأة بثقة لا أن تلبس هي المرأة». وأضاف: «عندما بدأت كمصمم، قابلت بعض الأميركيات اللواتي اشتكين لي أنهن لا يعرفن من أين يحصلن على قطع بسيطة للأيام العادية رغم أنهن محظوظات ولهن الإمكانيات المادية لشرائها. هؤلاء يردن أزياء مفصلة لكل المناسبات وليس فقط للمساء والسهرة ومثلهن كثيرات». وربما هذا ما سنراه في أسبوع باريس هذا الأسبوع، حيث سيتبارى ما تبقى من بيوت الأزياء المتخصصة في هذا المجال على تقديم الفني والعملي في الوقت ذاته، في محاولة للنزول من برج عاجي إلى أرض الواقع. تشكيلة ستيفان رولان ستلعب على هذه النغمة، بلا شك، فرغم أنها لن تكون بتيمة معينة، إلا أنها كما كشف لـ«الشرق الأوسط»: «تلعب على التوازن وعلى فن النحت والأحجام والهندسة، وهو الأسلوب نفسه الذي استعملته من قبل، لكن الجديد هنا هي الأبعاد المبالغ فيها، فهي بالنسبة لي، تشكيلة طليعية ورائدة لكنها أيضا اثنية، لأنها تنظر إلى الماضي والمستقبل في الوقت ذاته، دون أن تنسى الحاضر، ألوانها ستكون هادئة لأني أردت أن يكون التركيز على التطريز والحياكة والحجم، وأيضا على التقنية، وهذا مهم جدا لأني دائما أستلهم من فنانين معاصرين، وهذه المرة استلهمت الكثير من الفنان سيزار، من خلال استعمالي التأثير المعدني على الأقمشة، أو بمعنى آخر الورنيش المستوحى من قطع الأثاث الصيني، وهي تقنية جديدة وخطرة في الوقت ذاته، بسبب المواد الكيميائية التي كانت تتطلب استعمال قفازات واقية وكمامات وغيرها، فالعملية طويلة ومضنية، وفي كثير من المرات كان علينا أن نعيدها مرتين أو ثلاث في الفستان الواحد للحصول على النتيجة المطلوبة، الأمر الذي كان يؤثر على الميزانية ويزيد من التكاليف، لكن بعد أن أعدنا الكرة عدة مرات على جسم عارضة، توصلنا إلى الحل الذي يجعلها مرنة تتحرك بانسيابية مع تحرك الجسم. والأهم من هذا فإن التقنية عملية، بحيث لا تتعرض القطعة للتلف بسرعة، بل يمكن تنظيفها دون أن تتأثر بأي شكل من الأشكال، ولحسن الحظ فإن النماذج التي حصلنا عليها إلى الآن رائعة ومدهشة، ولا سيما أن فكرتي كانت اللعب على الأضداد، فمثلا ستجدين في القطعة الواحدة لونا لامعا وآخر مطفأ، وجزءا مصقولا محددا بالورنيش فقط وليس كل الفستان، بحيث يظهر وكأنه لوحة فنية مرسومة على جزء من الجسم، وهذه بالطبع هي «الهوت كوتير» فهي عبارة عن تجارب وتقنيات جديدة وإبداع مطلق، بغض النظر عن التكاليف والوقت».

وعلى الرغم من أن ستيفان يفهم جيدا أن الـ«هوت كوتير» فن قائم بذاته، فإنه أيضا يدرك أنه فن يجب تسويقه، وبالتالي يجب أن يخاطب المرأة بشكل عصري كي تفهمه وتسعى لاقتنائه واستعماله، لا أن يكون فانتازيا أو مسرحيا بشكل يجعل مكانه الأنسب في المتاحف وللفرجة فقط، وهذا قد يكون الخطأ الذي وقع فيه كريستيان لاكروا، فلا أحد ينكر أن هذا الأخير فنان بمعنى الكلمة، فلا أحد مثله في الساحة يستطيع أن يرسم لوحة من الألوان المتضاربة والصارخة بأسلوبه الفني والراقي، لكنه مثالي عنيد لا يقبل التنازل، ولم يدرك أن السوق تغيرت حتى يتأقلم معها، رغم أنه لم يحقق أي ربح يذكر طوال سنواته الـ22، حيث كان يتعامل مع «الهوت كوتير» كفن وليس كمشروع تجاري، حتى أنه كان يدفع مبالغ عالية للأنامل المحترفة التي كانت تنفذ هذه التحف المتحركة، احتراما لها، وهو أمر مثالي فيما لو كانت عطوره أو خطه للأزياء الجاهزة يحقق أرباحا يمكن أن تسنده وتقوي حلمه. هذا الأمر لا يمكن أن ينطبق على ستيفان رولان، فهو على الرغم من أنه لا يطرح أي عطور أو أزياء جاهزة إلى الآن، فإنه يفهم السوق ولا يسبح ضد التيار، منطلقا من مفهومه أن المصمم هذه الأيام، لا يمكنه أن يستمر إذا لم يفهم الجانب التجاري أيضا، ثم يشرح: «التجاري بالنسبة لي هو أن أكون واقعيا ومتواضعا في الوقت ذاته، فأنا أريد أن أرى إبداعاتي في الشارع على امرأة سعيدة بما أقدمه لها ومعتزة به، لهذا فأنا أسعى أن أفهم ما يحلم به الإنسان وما يسعده، لأنه ليس المهم أن أقدم قطعا رائعة ومبتكرة إذا لم أجد لها طريقا إلى خزانة أحد، والنجاح التجاري يأتي من السعر المعقول، والتسويق الجيد وطبعا الإبداع، أي كل العناصر التي تجعل من الطبخة ناجحة ولذيذة»، ومما يدل على نجاح ستيفان وكونه حقق المعادلة الصعبة بين الجانبين الإبداعي والتجاري، هو حجم الإقبال على إبداعاته من قبل شرائح متنوعة، بدءا من ملكة الأردن، رانيا العبد الله، إلى المغنيتين ريهانا وشيريل كول وغيرهن. كما أن داره قوية، على الرغم من أنها بالنظر إلى عمرها الذي لا يتعدى ثلاث سنوات تبدو حديثة، فإنها تشغل ما لا يقل عن 33 شخصا، وهي تقع في «أفوني جورج سانك» الراقية. والفضل في هذا يعود إلى شخصيته أولا، وأيضا إلى واقعيته وخبرته الطويلة، حيث عمل سابقا في دار «بالنسياجا» في مجال الأزياء الرجالية ثم في دار «شيرير» كمصمم فني قبل أن يفتتح داره الخاصة، وحتى عندما طرح مجموعة من حقائب اليد، فإن رؤيته كانت واضحة، مثل أزيائه، في توجهها لامرأة تعشق الترف والرفاهية، حيث استعمل فيها أفخم الخامات والمعادن والأحجار، فالمفهوم التجاري بالنسبة له هو تقديم أساليب متنوعة ترضي جميع الأذواق، دون أن يفرض أسلوبا محددا عليها: «أنا لست ديكتاتورا، ولا أريد أن أكون كذلك، فأنا أقدم عدة تصميمات وكثيرا من الأفكار حتى تجد كل واحدة ما يناسبها ويناسب مقاييس جسمها، فهذه هي الكوتير الحقيقية». لحسن حظ باريس، فإن الحياة كما قال ستيفان، عبارة عن دورات وما يموت اليوم يولد من جديد، وعلى ما يبدو فإن مستقبل «الهوت كوتير» يسري في دمائها الشابة من أمثال ستيفان، من الذين تعلموا أصول اللعبة وأتقنوها، وبالتالي لا يزالون يلهبون سماء باريس وخيالنا، سواء كانت هناك أزمة مالية أم لم تكن.