صحراء المغرب مكان مثير وملهم.. كأنها عالم ثلاثي الأبعاد

أنطونيو ماراس مصمم دار «كنزو» لـ «الشرق الأوسط»: أرى الجمال في كل مكان

TT

لا يختلف اثنان في أن المصمم الإيطالي، أنطونيو ماراس، نجح في أن يمنح دار «كنزو» الأربعينية الكثير من الشباب والجمال، بدليل أن النقوشات الضخمة وأسلوب البوهو، الذي قلنا إنه انتهى ومات منذ بضعة مواسم، اكتسب في تشكيلته الأخيرة لخريف وشتاء 2010 - 2011 صورة أنيقة جعلت كل الحضور يرغب فيها. خلال الأسبوع الباريسي الأخير، كانت «كنزو» تحتفل بميلادها الأربعين بمعرض صغير في مقرها الرئيسي بقرب من متحف اللوفر، من خلال 40 قطعة، كل واحدة منها تحكي قصة ورواية، منذ بداية الدار في السبعينات إلى اليوم. زيارة لهذا المعرض ومعاينة هذا التاريخ ولمسه من قربه، يجعلك تفهم الكثير عن أسلوب الدار التي أسسها الياباني، كنزو تاكادا، تحت شعار «الغرب يقابل الشرق»، مازجا فيه النقوشات ذات الإيحاءات الإثنية، التي تغلب عليها الورود وتقنية «الباتشوورك» وغيرها مع لمسات باريسية ملموسة في التصميم. كانت الولادة في أواخر الستينات وبداية السبعينات، وهو زمن بدأت فيه الموضة تتغير وتخرج من الصالونات النخبوية إلى الشارع. كنزو تاكادا بدوره أخرجها من التايورات والفساتين المفصلة والفساتين الفخمة ومنحها انسيابية تتمرد على التفصيل، من خلال الأشكال الواسعة والألوان والنقوشات الصارخة، وإيحاءات ثقافية بعيدة. بل أقام أول عرض له في شوارع باريس، وليس في صالون أنيق كما جرت العادة قبل ذلك، في بادرة لفتت إليه الكثير من الأنظار والاهتمام.

ويمكن القول إن الموضة على يده اكتسبت فجأة شخصية مرحة ومنطلقة تخاطب أشخاصا عاديين.

هذه الرسالة العصرية هي التي تحاول الدار الحفاظ عليها إلى اليوم، انطلاقا من قناعتها بأن الماضي هو أساس المستقبل. فعلى الرغم من بعض المطبات التي مرت بها، وجعلتها تنضوي تحت أجنحة مجموعة «إل.في.إم.آش» في عام 1993، فضلا عن تقاعد مؤسسها كنزو في عام 1999، فإنها كانت محظوظة بمصممها الحالي، أنطونيو ماراس، لأنه استطاع أن يفهم ثقافة الدار وشخصيتها بسرعة. هذه السرعة كانت الدار في أمس الحاجة إليها بعد أربع سنوات من البحث عن خليفة للسيد تاكادا. التحق أنطونيو ماراس بها في عام 1993، وكانت تشكيلته الأولى في عام 2004، ناجحة بكل مقاييس الدار، وأكدت أنه المصمم المطلوب. مما يحسب له أنه ليس من النوع الاستعراضي، فهو يحب أن يكون عمله هو المتحدث الرسمي عنه، وتعبيرا عن شخصيته وانفتاحه على كل الثقافات. وها هو بعد ست سنوات على عرش الدار، لا يزال يبهر ويقدم أزياء تدغدغ الخيال وتأخذنا دائما في رحلات مثيرة إلى أماكن بعيدة وغنية بإيحاءاتها الإثنية، تماما كما أرادها السيد تاكادا، لكن دائما تتكلم اللغة الباريسية مع لكنة إيطالية خفيفة بحكم جذوره السردينية. أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه نجح في أن يفهم شخصية كنزو أكثر من غيره، وفي الوقت نفسه، لم يتقمص شخصيته مائة في المائة، إذ ترك مساحة لا بأس بها لنفسه يعبر فيها عن أسلوبه الخاص. هذا الفهم وهذه المساحة هما ما جعلا نجاحه ملموسا في غضون ستة أعوام، أصبح فيها اسم الدار عالميا. يشير دائما إلى حرصه أن تكون لكل تشكيلة قصة وحكاية، لا يهم أن تكون هذه الحكاية قديمة ومعروفة وسمعها الناس مرارا، فالمهم بالنسبة إليه هو طريقة سردها، وهو أمر يتقنه جيدا. دائما يستلهم من أشياء معروفة، لكن يحاول دائما أن يمزجها بشيء مضاد، لتكتسي بحلة جديدة.

في تشكيلته الأخيرة للخريف والشتاء المقبلين، عاد بنا إلى حقبة السبعينات، التي شهدت تأسيس الدار، من خلال تشكيلة بوهيمية بورجوازية، غلبت عليها فساتين واسعة وطويلة مع الكثير من الباتشوورك وتطريزات الفينتاج السخية بالأحجار والفرو والريش. إلى جانب الفساتين المنسابة والطويلة، كان هناك أيضا الكثير من التفصيل، على شكل تايورات وجاكيتات مفصلة نسقها مع شورتات أو تنورات أو بنطلونات مستقيمة أحيانا، وأخرى مريحة تستقي خطوطها من سراويل الحريم. على الرغم من جمال وقوة هذه التشكيلة، سواء من حيث النقوشات أو التصميمات الجريئة أو مزج الأقمشة المختلفة مع بعض، فإن تشكيلته للربيع والصيف الحاليين، كانت أكثر سخونة وإثارة بالنسبة إلى البعض، لأن نكهتها كانت عربية، أو بالأحرى مغربية. فنقوشاتها مستوحاة من «الزليج» أو الفسيفساء المغربي.

التشكيلة موجهة لامرأة شابة وأنيقة، وفي الوقت ذاته تحب السفر والمغامرة، بقطعها المنفصلة السهلة، التي شملت فساتين قصيرة و«شورتات» وقمصانا وبنطلونات، بعضها واسعة على شكل سروال «الحريم»، وبعضها له إيحاءات عسكرية بالنظر إلى نقوشاتها وقصاتها المريحة. كما كانت هناك جاكيتات سافاري بأحزمة مجدولة على شكل حبال وحقائب ضخمة تليق بالسفر، أيضا منقوشة بالفسيفساء بشكل لذيذ، جعلنا نتوق إلى رحلة إلى جنوب المغرب وصحرائه. وكأن هذا الحلم لم يكن كافيا، فأنهى العرض بنثر قطع ذهبية بشكل قوي وكأنها عاصفة رملية، ظهرت من خلالها مجموعة من العارضات السمراوات لففن رؤوسهن بإيشاربات على شكل عمامات وأزياء متنوعة بألوان تتباين بين الأزرق والأخضر الفيروزي إلى البرتقالي والوردي، تجعل بشرتهن تبدو مشرقة. خلاصة الأمر كانت تشكيلة تضج بالألوان والنقوشات والتصميمات المبتكرة، لكنها كانت أيضا عرسا مغربيا صحراويا يحتفل بالجمال الأسود كما بالثقافة المغربية شمالها وصحرائها، بل وحتى موسيقاها. ومن جهة أخرى، قال المصمم ل-«الشرق الأوسط» إنه سيعود إليها في مناسبات أخرى، لأنها غنية ولا يزال لديها الكثير الذي يمكن الغرف منه.

* ما النقطة التي تنطلق منها في تصميماتك؟

- المزج بين الأضداد والمتناقضات، فمهم بالنسبة إلي أن أخلق شيئا جديدا من شيء قديم، وأن أجمع الثقافات والتأثيرات المختلفة بشكل معقول.

* ما أول ذكرى راسخة في ذهنك عن الموضة؟ - ولدت في محل والدي للأقمشة، لهذا كبرت مع الأقمشة والأنسجة المختلفة، وهي التي تقفز إلى ذهني دائما، وهي أيضا ما يفسر انبهاري بكل ما يتعلق بالنقوشات والألوان والخامات.

* ما ماركتك المسجلة؟

- الموضة الشاعرية، أنا أصمم قصة.

* كيف تحب أن يحدد الناس أسلوبك؟

- أتمنى أن يفكروا في كمصمم يقدم شيئا مختلفا. فأسلوبي هو انعكاس لشخصيتي، وأستقيها من تجاربي وقصصي الخاصة، أي إنها ليست مجرد أفكار أو نظريات، بل هي إحساس بـ«كنزو» ومشاطرتي لها الأخلاقيات والمبادئ نفسها، التي ترتكز عليها بدءا من الحرية إلى حب الحياة والموضة المتنوعة والهجين.

* هل يؤثر أسلوبك في التصميم في أسلوبك الخاص؟

- أعتقد أن هناك نوعا من الترجمة بين عملي وما أرتديه. لقد تعلمت الكثير عن نفسي وعن ما أحبه من خلال عملي في «كنزو».

* في كل تشكيلة تقدمها ترحل بنا إلى وجهة جديدة، ما أهمية هذه الرحلات بالنسبة إليك كمصمم؟

- في غاية الأهمية بالنسبة إلي، خصوصا كمصمم لدار «كنزو». فهذه الدار كانت دائما تتنفس من هذه الرحلات، كما من التأثيرات البعيدة التي تتزاوج في ما بينها، لهذا فأنا أحاول، من جهتي، أن أجلب عناصر غريبة من أماكن بعيدة وأزاوجها بعناصر كلاسيكية تحمل لمسات باريسية راقية.

* في تشكيلتك الأخيرة للربيع والصيف، استعملت الكثير من العارضات السمراوات، هل كانت هناك رسالة معينة لعالم الموضة؟

- هي رسالة لكن ليست جديدة ولا تختلف عن تلك التي أرسلها المؤسس كنزو تاكادا منذ البداية بعنوان: «كنزو: العالم جميل». أنا أرى أن الجمال موجود في كل مكان، وبالتالي لا أحب تسلط الموضة التي تميل إلى الاستعانة بعارضات شقراوات فقط. الجمال يمكن أن تكون له وجوه عدة، ويمكن أن يتجلى في أشكال مختلفة، وكل ما علينا هو أن نكون منفتحين لكي نراه.

* المغرب كان حاضرا بقوة في تشكيلتك هاته، هل هناك نية بالعودة إليه في مرات قادمة؟

- طبعا، ولم لا؟ فقد توجهنا إليه بعد العرض مباشرة لتصوير الحملة الدعائية، وبالذات في الصحراء المغربية مع المصور ماريو سورونتي. إنها مكان مثير وتجربة غنية، حيث تشعر بأنك يمكن أن تتعلم الكثير من الصحراء، لأنها مكان من دون حدود.. لا علاقة لها بالمكان أو الزمان.. إنها بمثابة عالم ثلاثي الأبعاد، يمكن أن يلهم أي مصمم ويوحي له بالكثير.

* ما متعتك الخاصة في الحياة؟

- الأسواق الشعبية، والبحث عن الأشياء البالية والقديمة.

* هل أنت مدمن عمل، أم تعرف كيف توفق بين الشخصي والعملي؟

- أعشق عملي وأستمتع بكل دقيقة فيه، لكني أيضا إنسان ورب أسرة، فأنا أعيش مع زوجتي وولدي فوق استوديو عملي بسردينيا. في بعض الأحيان، أفرض على نفسي مغادرة مكان العمل لقضاء الوقت معهم، لأني أؤمن بضرورة تخصيص وقت لعائلتي، فهم أهم شيء في حياتي.

* هل هناك في عالم الموضة قدوة تحتذي بها أو شخصية تعجب بها إلى أبعد حدود؟

- هناك مصممون أعجب بهم وبأعمالهم، كما هناك أيقونات، مثل بيير باولو باسوليني بالنسبة إلى الأزياء الرجالية، أو فريغا ستارك، المرأة المستكشفة، التي استلهمتُ منها تشكيلتي الأخيرة.

* في حال ساورتك الرغبة في سرقة أسلوب أحد، من يكون؟

- أسلوب بيير باولو باسوليني أو بيير دي برازا.

* لماذا؟

- بسبب ذلك الإحساس الذي يوحيان لي به: لا مبالاة مع أن كل ما فيه راق وفي غاية الأناقة. أعشق رؤية الموضة في أرقى أشكالها، لكن من دون تكلف أو مبالغة.