«متحف فن العيش» يبدأ أنشطته بمعرض «زمن القفطان»

بعده سيأتي زمن «فن الحدائق» و«العطور»

TT

المعجبون بجمال وفرادة الأزياء المغربية يرون في «القفطان» عنوانا لشهرة وتميز الزي المغربي، كونه يقدم لوحة تجمع بين الثقافة الأصيلة في تعلقها بالماضي، من دون أن تهمل مسايرة العصر. ولا تقف روعة وفرادة القفطان عند حدود الجمال الذي يفتن العين ويضفي على المرأة أناقة، بل يتعداها إلى أنه يطل بنا على تاريخ مغربي وحضارة حافلة بغناها وتألقها. هذه الأهمية وهذا الإشعاع الذي يمثله القفطان في التراث المغربي، هو ما ركز عليه «متحف فن العيش» بمراكش، الذي اختار أن يكرم نساء ورجالا لطالما تناقلوا، عبر قرون فنون توشيح الإنسان، سواء كان امرأة أو رجلا أو طفلا، بأجمل وأبهى الأزياء. فالمعرض الأول، الذي يحتضنه «متحف فن العيش» تحت عنوان «زمن القفطان»، سيستمر إلى نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل وسيستضيف، فضلا عن معروضاته، أعمالا وإبداعات لبعض مصممي الأزياء، هم فضيلة برادة وكنزة المليحي وفريدريك بيركميير.

وقال عبد الرزاق بن شعبان، المدير المؤسس للمتحف، لـ«الشرق الأوسط»: إن الغاية من اختيار «القفطان»، كموضوع لأول معرض يقترحه «متحف فن العيش»، هو المساهمة في التعريف بتاريخ هذا اللباس وتنوعه، وكذا الاحتفاء بالصناع الذين تناقلوا وحافظوا على أشكاله ومضامينه، متمنيا أن تساهم هذه التظاهرة في تقريب تاريخ هذا اللباس وتنوعه إلى زوار المدينة الحمراء. وأضاف بن شعبان أن المتحف سيقترح معارض متخصصة أخرى على رأس كل ستة أشهر. فبعد «زمن القفطان»، سنكون، مثلا، على موعد مع معرض لـ«فن الحدائق» أو «العطور»، إلى غيرها من المواضيع ذات الصلة بفن العيش المغربي.

وأكد بن شعبان على أن أهمية المتحف ومعارضه تكتمل وتتكامل مع الفضاء الذي يحتضنها، حيث سيكون بإمكان الزائر أن يدخل البناية التاريخية التي تحتضنه (الرياض)، فيتعرف على خصائصها وهندسة بنائها في نفس لحظة استمتاعه بما يعرض على مستوى فن العيش. وتتوزع في غرف المتحف معروضات تشمل قفاطين، معظمها مغربي، وبعضها تونسي أو جزائري الأصل، فضلا عن أحذية تقليدية، مع التأثيث لذلك ببعض الأزياء الرجالية. إلى ذلك شدد بن شعبان على أن فن العيش حي، ولا يمكن أن يعلب، أو أن يكون جزءا من متحف، حيث التحف تحيل، عند البعض، إلى الماضي. فاللقاء بين الزائر وفن العيش الخاص بأي بلد هو أمر ضروري، حتى يتمكن من اكتشاف مختلف الأبعاد والقيم التي تميز حضارة البلد، وبالتالي، فالمتحف، كبناية، هو مجرد وسيط يقرب الزائر إلى فن يعاش بشكل يومي من طرف ناسه والمولعين به.

العارفون بتفاصيل الموضة يلاحظون تميز القفطان المغربي بنوعية الأقمشة الفاخرة التي تُستخدم في صناعته، وألوانه المتناغمة، إضافة إلى التطريز، بشكل كثيف، أحيانا، والتصميم الذي يراعي عنصر الاحتشام، من دون أن يؤثر في الجمال العام للزي، بل ويضفي عليه، في كثير من الأحيان، نوعا من الغموض والتألق. أما المهتمون بأرقام التاريخ، فيُرجعون أصول القفطان التقليدي المغربي إلى زرياب، رجل الموسيقى، الذي يذكرون له شهرته وعنايته بأناقته: كان ذلك قبل أن يتحول القفطان، عبر التاريخ، إلى زي نسائي، زادته قدود الحسان روعة وجمالا. فهل هناك أبهى من رجل موسيقى، يذكر بمجد العرب وأيام الأندلس، نعيد إليه أول خيوط قفطان صارت تتألق فيه كثير من سيدات الكون وجميلاته.

وما بين أناقة زرياب، في حديث المؤرخين، وجرأة المصممات المغربيات، وعلى الرغم من كل اللمسات التي حاولت أن تطور في أشكاله، ظل القفطان المغربي محتفظا ببريقه ومحافظا على نفسه بحراس ناره المقدسة، حتى ظل الاقتراب من إغراءات التطوير البارد يحمل بذور حذر شديد من إيقاظ الحراس المنتبهين بدورهم لكل احتمالات فقدان القفطان لأصالته وعراقته وما يمثله على الصعيد الحضاري والتاريخي للبلد وناسه.

ويبقى الجميل فيه أنه لم يدخل، فقط، خزائن جميلات العالم، لباسا للسهرات والمهرجانات، بل دخل المتاحف كتحف فنية تسـر الناظرين، بألوانها ومضمونها الحضاري.

ويعتبر القفطان من أكثر أنواع اللباس التقليدي شهرة، حيث يعتمد أفخر الأثواب وأجودها حياكة، مثل «تافتة» و«الحرير» و«المخمل».

ولتصميم القفطان مراحل أساسية، فبعد اختيار الثوب يسلم لصانعة تقليدية تسمى «الطرازة». هذه الأخيرة تشتغل عليه بخيوط من ذهب وفضة وحرير، تحاكي الطبيعة أو الزخرفة العربية. بعدها، يأتي دور المعلم، الذي يتولى تزيينه بضفائر ومجادل قبل أن يعمل على تقويته بتبطين من الحرير أو القطن. وغالبا ما يعتمد في اختيار لون التبطين على اختيار لون يتكامل مع لون القفطان أو لون من ألوان الطرز المستخدمة في عناصره.

ومنذ دخوله إلى المغرب، لم يقتصر القفطان، كلباس، على شكل معين، بل، على العكس من ذلك، لم يفتأ يغتني بالمؤثرات الشرقية، والتركية، والأندلسية، والعالمية، مما جعله في كل مرة يمثل انعكاسا لعصره وتطوراته.