الجراحة التجميلية تتراجع لصالح خيارات طبية متطورة

المبالغة في حقن البوتوكس تؤدي إلى مناعة وإبطال مفعولها

TT

هل بدأت عمليات التجميل تفقد وهجها؟ هذا ما تتداوله بعض الأوساط في الآونة الأخيرة. فرغم كل ما تشهده من تطوّرات طبية وتقنية تعطي نتائج واضحة، فإنها بدأت تتراجع لصالح وسائل تجميلية أخرى غير جراحية لأسباب عدة منها محاولة البعض الابتعاد عن المظهر المتشابه الذي لم يعد مرغوبا فيه. ومن الطرائف التي باتت تتداولها الصحف مؤخرا أن البوتوكس أيضا بدأ يعرف تراجعا في ظل معانقة العمر بكل تجاربه وتهدلاته، لكن إلى حد ما. فالبوتوكس، رغم انتعاشه كمضاد لعمليات التجميل الجذرية، فإن المبالغة فيه تتسبب في الكثير من سوء التفاهم الذي يودي بصداقات حميمة. والمقصود هنا هو عدم القدرة على التعبير على ما يشعر به الإنسان، كون الوجه يبقى متجمدا في تعبير واحد لا يشي بالمفاجأة أو الصدمة أو الفرحة، كأن تقول صديقة لصديقتها إنها فقدت عزيزا عليها، فلا ترى مظاهر الحزن مرتسمة على وجه صديقتها، أو تخبرها بقرب زواجها، لتفاجأ بنفس التعبير البارد. ووصل الأمر إلى حد أن بعض النجمات والممثلات بدأن يفقدن وهجهن وعدم حصولهن على أدوار سينمائية أو تلفزيونية بسبب عدم قدرتهن على التعبير بوجههن. فالبوتوكس قد يمنح الشباب ويمحي التجاعيد والخطوط التعبيرية لكنه أيضا يفقد الوجه الخصوصية والدفء الإنساني.

في هذا الإطار، يقول دكتور الجراحة التجميلية أمين نصر: «شهد عالم التجميل والترميم تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة مما جعلها محور اهتمام الأطباء والناس على حد سواء. وهذا التطور يخضع يوميا إلى تعديلات واكتشافات طبية أسهمت إلى حد كبير في تراجع دور العمليات الجراحية الكبيرة، التي أصبحت في الكثير من الأحيان، الخيار الأخير، باستثناء حالات الترميم والتأهيل». ويتابع د. نصر: «يوما بعد يوم صار الناس مدركين أن عمليات التجميل غير الجراحية حل سهل يغني عن العمليات الجراحية التي قد تبقى فعاليتها مدى العمر لكنها معرضة لاحتمال الفشل كما النجاح». لكنه أيضا يشير إلى أنه في حالات الترهل الكثيف أو تجميل الأنف أو الأذنين تبقى هذه العمليات ضرورية بدل تضييع الوقت وصرف الأموال من دون جدوى.

ويحصر د. نصر أهم الإجراءات التجميلية التي يمكن القيام بها بعيدا عن الجراحات، في تلك التي ترتكز على مستحضرات التجميل ذات الفعالية الجيدة والتي أصبحت موجودة في الأسواق، وهي مستحضرات ترطب البشرة وتحميها من أشعة الشمس والتغييرات المناخية وتخفف من الكلف والبقع الداكنة في الوجه أو تمنع ظهورها وتمنحه نضارة. وهناك نوع آخر من مستحضرات التجميل الخارجية التي لا يمكن استعمالها من دون استشارة طبيب الجلد التجميلي كتلك التي تقوم بعملية التقشير الكيميائي، فتزيل طبقة البشرة الخارجية لتعود وتتكون طبقة الجلد الثانية. كذلك يعمل التقشير على القضاء على ما يعرف بتكسّر في الجلد أو ندبات معينة. كما يدخل على خط التجميل غير الجراحي ما يعرف بالليزر على أنواعه.

أما في إطار العمليات التجميلية، فهناك شدّ الوجه غير الجراحي للتخفيف من التجاعيد التي تظهر بشكل خاص في سن مبكرة، أي قبل أن تصل إلى درجة الترهل الذي يستدعي عملية جراحية. وهناك نوعان منه، الأول يسمى «ثيرماج» Thermage ويعمل على الموجات الارتجاجية. والثاني «فراكسيل» Fraxel وهو نوع من أنواع الليزر. وفي حين تدخل الأشعة في النوع الأول في مناطق وجود الكولاجين في الوجه لتخفف من كمية الدهون وتشد العضلات، يعمل الثاني على الهدف نفسه إنما لا يصل إلى عضلات الوجه، وقد يحتاج البعض إلى الخضوع للاثنين معا، فيما تدوم فعاليتهما بين سنة وثلاث سنوات. كذلك هناك ما يعرف بالـ«LPG Endermology» وهي موجات من الأشعة فوق الصوتية تساعد على تخفيف كمية الدهون مع شد بسيط للجلد، وهي بدورها عملية تجميلية غير جراحية إنما تبقى فعاليتها أخف من النوعين الأولين، كما أنها أرخص ثمنا، لكن يجب الخضوع لها مرة في الأسبوع أو مرة كل أسبوعين لأشهر عدة.

ولا تقتصر الخيارات التجميلية على الإجراءات البسيطة وذات الفعالية المحدودة إنما تتعداها إلى أخرى لا تقل أهميتها بل وفعاليتها عن العمليات الجراحية. ومنها الـ«Fillers» وأهم أنواعه ذلك الذي يتكون في الأساس من أسيد الهيلورونيك، وهي مادة آمنة، عبارة عن حقن تعمل على تعبئة المساحات الصغيرة الفارغة التي لا يمكن تجميلها بالجراحة أو المستحضرات مثل منطقة حول الفم. وقد أدخل إليها مؤخرا مواد حافظة جديدة تمنع امتصاص الجسم لها بسرعة وأصبحت فعاليتها تبقى بين أشهر عدة وسنة. وهناك دراسات في طور الإعداد على هذه المادة تهدف إلى إمكان تكبير حجم الصدر بها. وتعتبر هذه الوسيلة من الإجراءات التجميلية المؤقتة أي التي يمتصها الجسم وبالتالي هي أفضل بكثير من الدائمة مثل مادة «سيليكون» التي لها مضاعفات سلبية أحيانا كثيرة وتبقى في الجسم مدى العمر ولا يمكن التخلص منها إلا بجراحة أخرى، لا سيما إذا وقع خطأ ما.

أما عملية «Fat Injection» أو حقن الدهون فلها دور فعال وتقوم على استخراج الدهون من منطقة ما في الجسم ليحقن في منطقة أخرى بهدف تكبيرها ونفخها، كأن تشفط الدهون من البطن مثلا وتستعمل لنفخ الخدين. والفرق بين حقن الدهون وأسيد الهيلورونيك، أن الثاني يستعمل في المساحات الصغيرة إنما الأول يصلح للمساحات الكبيرة. أما امتصاص الجسم لهذه الدهون فهو غير محدد بوقت معين لأن ذلك يعود إلى قدرة الجسم على الاستجابة له، فقد يبقى أشهرا قليلة أو لسنوات عدة.

من جهة آخرى، يلفت د. نصر إلى أن البوتوكس أصبح من الوسائل التي يكثر استعمالها لأهداف تجميلية غير جراحية، تهدف للتخفيف من التجاعيد من خلال حقنة تساعد على إزالة تقلص العضلات شرط استعمالها بالطريقة الصحيحة من دون «تشويه» ملامح الوجه التي يجب أن تبقى محافظة على طبيعتها. ولا يزال إطار استخدامها يتوسع يوما بعد يوم لحل مشكلات تجميلية أخرى وحتى صحية، مثل كثرة التعرق وغيرها. وتدوم فاعليته بين 6 أو 7 أشهر وقد تمتد إلى سنة، بل وتبقى واضحة لسنوات ما دام استعماله ضمن الحدود المطلوبة التي يجب أن لا تقل عن 7 أشهر بين الحقنة والأخرى، وإلا قد يصل الجسم إلى مرحلة المناعة الدائمة، فلا يعد يفي عندها بالغرض المطلوب.

وحول ما صار شائعا في الفترة الأخيرة عن التشابه في الملامح بين النساء بعد خضوعهن للعمليات الجراحية التجميلية وما إذا كان الأمر نفسه ينطبق على هذه العمليات غير الجراحية، يلفت د. نصر إلى أنه على العكس من ذلك، ما قد يؤدي إلى هذا التشابه هو العمليات غير الجراحية وليس الجراحية، ولا سيما البوتوكس والنفخ، التي تجعل الملامح متشابهة وفاقدة للخصوصية، لكن بالتأكيد أن هذا الأمر مرتبط بمدى حرفية طبيب التجميل الذي عليه أن يختار ما يناسب ملامح كل وجه ليبقى مظهره طبيعيا.

وأهم ما يشدد عليه د. نصر عدم الخضوع إلى هذا النوع من العمليات التجميلية، وإن كانت غير جراحية، إلا إذا كانت على أيدي أطباء متخصصين، لأن الخطأ عندما يقع يصعب تصحيحه إذا كان من ارتكبه ليس متخصصا.