«ليدي ديور» تنهي رحلتها المشوقة في شنغهاي.. بالأزرق

عيون الموضة تتجه إلى الصين المتعطشة لكل ما هو مترف

TT

في الـ15 من شهر مايو (أيار) الحالي، حولت دار «ديور» ليل شنغهاي إلى عرس حافل بالأناقة. المناسبة كانت كشفها الستار عن تشكيلتها الخاصة بخط «الكروز». اختيار شنغهاي المتعطشة لكل ما هو مترف، ليس مفاجئا، كما أن فكرة السفر ليست جديدة على الدار الفرنسية، التي تعودنا من مصممها الفني، جون غاليانو، أن يأخذنا في كل مرة، ولو افتراضيا، إلى أماكن بعيدة، لينسج لنا قصصا وأساطير من أقمشة مترفة وتصميمات أنثوية. هذه المرة، كانت الفكرة من انتقال «ديور» الفعلي إلى شنغهاي، ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد. فقد تزامن تقديم العرض مع إعادتها افتتاح محلها الواقع في بلازا 66 الراقي إلى جانب افتتاح معرض خاص، يتتبع 64 عاما من تاريخها، أي منذ أن انطلقت وأطلقت ما أصبح يعرف عالميا بـ«ذي نيو لوك» على يد مؤسسها كريستيان ديور، إلى أن تسلم غاليانو مشعلها منذ أكثر من عشر سنوات ليتحفنا بتصميماته الفانتازية المسكونة بالجنون.

التجديدات التي أجريت على المحل، كانت لافتة وتعكس أهمية هذه المدينة بالنسبة لـ«ديور» وغيرها من بيوت الأزياء، فقد صممه المعماري الباريسي، بيتر مارينو، وتميز بسلالم متعرجة وجدار كامل مخصص لشاشات ضخمة تعرض فيها كل منتجات وعروض الدار. وفي الطابق الثاني نقش الفنان ديفيد وايزمان، زنابق الوادي على مجموع السقف، علما أن هذه الورود كانت المفضلة لدى السيد ديور، إلى حد أنه كان يتفاءل بها، ويتشاءم عندما لا تدخل في أي عرض من عروضه. شكل يجعل المحل بمثابة التحفة التي تحتضن تحفا أصغر، مما جعله، ومنذ افتتاحه، نقطة جذب للصينيين، المطبوعين بالفضول لكل ما هو جديد ومتميز. ويبدو أن غاليانو يدرك هذا الأمر جيدا، وهو ما شجعه على تغذية هذا الفضول الذي يمكن القول إنه أيضا حالة من الجوع للترف، بتعمده إدخال مجموعة من الفساتين «الهوت كوتير» من الأورغنزا والتول ذات التصميمات الفنية والتفاصيل المعقدة. وهذا ما يمكن اعتباره حيلة تسويقية ذكية تقوم على فكرة: «إذا لم يتمكن الصينيون من حضور عروض «الهوت كوتير» في باريس فلم لا تنتقل هذه الأخيرة إليهم؟ لا سيما أنهم لا يفتقرون إلى الإمكانيات لاقتنائها».

مما لا شك فيه أن الدافع الأول كان إبداعيا، أراد منه المصمم استعراض إمكانياته الهائلة أمام جمهور جديد، لكن الهدف التسويقي لا يخفى على أي متتبع للموضة وأحوالها في السنوات الأخيرة. فمبيعات الدار في آسيا، وتحديدا الصين، في ارتفاع متزايد، ينعش قلبها ويجدد بداخلها الأمل بأن «الهوت كوتير» خصوصا، ومنتجاتها المترفة عموما، لن تتأثر ما دام هناك سوق آسيوي متعطش لخيال مصممها المبدع غاليانو. وهذا الأخير استجاب ولبى، فمن كان يصدق أنه بعد أن اشتهر بشطحاته وخياله الخصب الذي كان ينافس فنيته، ينزل من برجه العاجي إلى أرض الواقع، ويتعلم أن الإبداع والتسويق يمكن أن يجتمعا من دون أي تعارض أو تضارب؟ في تصريح له لمجلة «دبليو دبليو دي» اعترف أنه، كمصمم، يعرف بحسه ما يحتاجه السوق، مشيرا إلى أن «الصين من الأسواق النامية ويمكن أن تلعب دورا كبيرا في مجال الموضة، لأنها متعطشة لفهم الحرفية التي تقوم عليها الـ«كوتير» فضلا عن أبجدياتها وتفاصيلها».

وبالفعل فإن هذه السوق من الأسواق التي تعول عليها الكثير من بيوت الأزياء، وتعتبرها منفذا جديدا لتسويق منتجاتها، بعد تضرر السوق الأميركية إثر الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة. أزمة أدت إلى تغيير ثقافة الشراء والمنتجات المترفة ككل، كما أدت إلى انخفاض عدد مشتريات «الهوت كوتير». الصين في المقابل، لا تزال جديدة على هذا المجال، وبالتالي منفتحة ومتقبلة لكل ما هو متميز. في الأسابيع الماضية، مثلا، شهد محل «ديور» وحتى قبل افتتاحه تهافت الزبائن عليه، لتقديم طلباتهم وشراء قطع معينة، غير عابئين بالأسعار. كما اعتبر الكثير منهم حلول «ديور» الباريسية في أراضيهم، حدثا لا يضاهيه سوى أهمية معرض إكسبو شنغهاي الضخم.

ما عرضه غاليانو لم يخيب الآمال الصينية، بل بالعكس، أتحفهم بتشكيلة تعبق بسحر باريس وحيويتها. فرغم أنه زار الصين ثلاث مرات فعليا، وعدة مرات بخياله من خلال تشكيلات سابقة، ارتأى أن يقدم هنا تشكيلة بنكهة باريسية محضة، تتأرجح بين ألوان مكرون «لاديري» وبين إرث الدار، التي تعشق الخصر وتتقن فن إبراز نحوله. السبب قد يكون أيضا أن المصمم يدرك أن الصينيين يريدون التعرف على إرث الدار وشخصيتها الباريسية، أكثر مما يريدون «أكليشيهات» عن ثقافتهم وما تعودت عليه أعينهم، ولو كان بترجمته الفذة.

وبالفعل قدم أزياء وإكسسوارات تنبض بروح فتاة باريسية أنيقة، وملقيا تحية خاصة على بعض بطلات السينما الفرنسية من رائدات «الموجة الجديدة» من مثيلات، جين سيبيرغ، رومي شنايدر، جين مورو وفرانسواز هاردي. تفسير المصمم لهذا التوجه أنه يعتبر نفسه سفيرا لدار «ديور»: «لهذا أردت أن آتي إلى هنا وأقدم لأصدقائي الصينيين مجموعة تتنفس روح فرنسا، للتعريف بحرفية صناعة الأزياء فيها وخبرتها الطويلة في هذا المجال».

افتتحت العرض كارلي كلوس، في زي من الجلد بلون وردي مفصل على الجسم إلى حد ما وببليسيهات، لتليه سلسلة من القطع المنسابة على أقمشة من الأورغنزا والتول وأخرى من الصوف الخفيف تتطاير مع كل خطوة، أنهاها بثمان فساتين طويلة من الـ«هوت كوتير». الألوان ظلت تلعب على النغمة نفسها، ألوان مستوحاة من المجوهرات النفسية أو من حلوى الماكرون الفرنسية أو الفواكه اللذيذة مثل النعناع والفستق والورد والبنفسج والمشمش. لكنه أيضا لم ينس لماركة الدار المسجلة، ألا وهي الجاكت المفصل على الجسم والمحدد على الخصر، وألوانه المفضلة مثل الرمادي والتصميمات البالغة الأنوثة التي ظهرت في بعض الأحيان وكأنها مستلهمة من خزانة «باربي». بيد أنه ما يحسب التشكيلة، رغم روحها الفرنسية ومغازلتها السوق الصينية، تميزها بنكهة عالمية ستروق للمرأة أيا كانت جنسيتها، خصوصا أنه ابتعد عن الأكليشيهات واقتصر على قطع يمكن لأي واحدة أن تعانقها سواء كانت تعمل في مدينة كبيرة، أو متوجهة إلى رحلة صيفية في منتجع على الشاطئ.

تجدر الإشارة إلى أن «ديور» نقلت ما لا يقل عن 150 شخصا إلى شنغهاي، بما في ذلك فريق التصميم، وفنانة الماكياج العالمية، بات ماغراث، ومصفف الشعر، أورلاندو بيتا والعارضات كلوس، ماغدلينا فراكووياك، تانيا دغيهليفا، وانيا روبيك، فضلا عن باقة من النجمات على رأسهن سفيراتها وعلى رأسهن النجمة تشارليز ثيرون وماريون كوتيار. فالمناسبة كانت كبيرة وتتطلب احتفالا يعكس أهمية الدار، وفي الوقت ذاته مكانة شنغهاي في أجندتها. عدا أن المناسبة لم تكن مجرد عرض أزياء، بل أيضا إعادة افتتاح محل يمكن أن يتحول إلى منجم ذهب.

المناسبة الأخرى التي جعلت الدار تنظم هذا العرس الحافل الذي حشدت له كل قوتها وطاقتها منذ عدة أشهر، هو عرضها آخر محطة في رحلة حقيبتها «ليدي ديور» من خلال فيلم سينمائي قصير بعنوان «ليدي بلو شنغهاي». الفيلم دعاية ترويجية للحقيبة لكن بطريقة مشوقة مليئة بالأحداث والحركة والغموض، يحمل كل بصمات المخرج ديفيد لينش، وطبعا يعبق بالجمال، كونه من بطولة ماريون كوتيار.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه النوعية من الدعايات المصورة على شكل فيلم قصير يتم بثه على مواقع الإنترنت، أكدت فعاليتها، وأنها أفضل من أي دعاية مصورة. فالفيلم يتضمن جانبا فنيا وثقافيا لا يوحي أنه يستهدف الترويج لمنتج أو أن الغاية منه أولا وأخيرا الوصول إلى جيب المشاهد، مما يجعل الصورة تعلق في ذهن الناس بسهولة وتروق لهم أكثر. العنصر الثاني الذي يشجع على هذه الوسيلة أن معظم الناس يريدون أن يعيشوا الحلم، وهذا ما يعمل ديفيد لينش وماريون كوتيار على إيقاظه طوال الـ12 دقيقة، بتأجيج الرغبة في الحصول على «ليدي بلو شنغهاي». فهذه الحقيبة تخطف الأضواء من النجمة الحسناء بلونها الأزرق، الذي لا يعترف بالزمن. فهو بديل للأسود، بل وأكثر تألقا منه، الأمر الذي انتبه له السيد كريستيان ديور منذ البداية، إذ كان الأزرق النيلي لونه المفضل، وكرره بعدة درجات في تشكيلات عدة.

* لا يعتبر ديفيد لينش جديدا على الدعايات المصورة، حيث سبق له أن أنجز دعاية عطر «أوبسيشن» لكالفن كلاين، وغيرها، ولهذا كان اختياره مفهوما. ومع ذلك، عندما توصل بالعرض أصيب بالدهشة: «اتصلوا بي وطرحوا علي السؤال: هل تريد أن تصور فيلما قصيرا يعرض على الإنترنت؟ لك مطلق الحرية في طريقة تصويره على شرط أن تظهر الحقيبة وبرج بيرل وبعض المناظر من شنغهاي القديمة». عرض كان من الصعب عليه عدم قبوله.

* قصة «ليدي ديور» بدأت في باريس بـ«الليدي نوار» (الأسود)، التي صورها أوليفييه دهان، ثم أصبحت «ليدي روج» (الأحمر) عندما انتقلت إلى نيويورك وصورها جوناس أكرلاند، لتنتهي في شنغهاي باللون الأزرق.

* جون غاليانو: «أول ما قمت به عند مجيئي إلى شنغهاي الخضوع للوخز بالإبر. شعرت أنه لزاما علي أن أحافظ على طاقتي حتى أمد بها العارضات في يوم العرض».