«سوبر دراي».. أخطبوط تجاري استهدف الشباب فاستقطب كل الأعمار

بدأت بقرض قيمته 2000 جنيه إسترليني ونجحت في بيع أسهمها الأولية في عز الأزمة المالية

استهداف سوبر دراي لفئة الشباب في أواخر مرحلة المراهقة وأوائل العشرينات مكّنها من دخول المنافسة مع شركات كبيرة
TT

من كان يتصور أن تتحول فكرة بسيطة برأس مال جد متواضع إلى نجاح باهر باسم «سوبر دراي» يجتاح كل شباب العالم؟ والرد: قليلون، إلى درجة أن أصحاب الفكرة أنفسهم لم يتصوروا هذا النجاح. جوليان دانكرتون، 45 عاما، واحد من بين ثلاثة أشخاص شاركوا في تأسيس الشركة، لا يزال غير مصدق للطفرة التي تمكنت الشركة من تحقيقها.

وصرح خلال مقابلة أجرتها معها جريدة «نيويورك تايمز» أخيرا في مقر الشركة، الكائن داخل ثلاثة مستودعات متواضعة على أطراف مدينة تشيلتينهام البريطانية: «كانت السنوات القليلة الماضية مذهلة. وأنا مندهش تماما مما حدث». اليوم تعتبر «سوبر دراي» من أكثر ماركات الموضة الشبابية انتشارا، ووصلت إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال افتتاحها 13 محلا في الإمارات العربية وحدها على دفعات.

أما في بريطانيا، فتبحث الشركة حاليا عن مقر جديد لها يبلغ ضعف حجم مقرها الحالي، مع الحفاظ على الفريق الإداري للشركة - الذي يضم ثيو كارباثيوز الذي يدير العمل الخارجي والحفاظ على روح الشراكة، حيث لا يزال هولدر المصمم الأصلي يقوم بالتوقيع على كل منتج.

البداية كانت قبل 25 عاما، عندما شرع دانكرتون برغبة في إنشاء شركة تجارية خاصة به، بعد أن لم يتحقق حلمه في أن يصبح طبيبا، بسبب ضعف نتائجه الدراسية. بدأ بشراء القمصان والملابس القديمة في لندن لبيعها في متجر صغير في سوق تشيلتينهام، على بعد ساعتين بالسيارة شمال غربي العاصمة.

بمساعدة أربعين جنيها أسبوعيا، كان يحصل عليها من برنامج علاوة الشركات الذي طبقته مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، وقرض بقيمة 2,000 جنيه إسترليني من أسرته قام بتوسيع أعماله. وفي عام 1985 افتتح متجره الأول باسم «كالت». وأشار دانكرتون إلى أن كراهيته أن يبقى مستدينا دفعته إلى تسديد القرض لعائلته خلال أربعة شهور. وهو ينوي الحفاظ على شركته مستقلة وحرة من الديون، خصوصا في ظل النجاح الذي تعرفه. وهو نجاح يرجعه كل من دانكرتون وجيمس هولدر، مصمم الأزياء البريطاني، إلى ملئها ثغرة مهمة في سوق الملابس، ألا وهي ملابس الكاجوال للشباب، والتي تمت الاستفادة منها باستعمال الأقمشة الجيدة والتصميمات الكلاسيكية واللوغوهات اللافتة، والعناية الفائقة بالتفاصيل الدقيقة، فحتى ياقات القمصان تحمل شعار «سوبر دراي». ويشير المصمم هولدر إلى أن اسم «سوبر دراي» يرجع إلى فكرة طرأت لهم في مقهى في طوكيو بعد أن جمع الرجلان «عددا كبيرا من الأغراض من أجل الطعام من المتاجر». يقول هولدر «نظرنا إليها وكان كل شيء متميزا وهو ما ألهمنا».

بالعودة إلى بريطانيا أضفى هولدر على تصميماته لمسة يابانية عبر إضافة كلمة سوبر دراي بالأحرف اليابانية فوق الاسم الإنجليزي لتشكيل شعار الشركة.

استهداف سوبر دراي لفئة الشباب، في أواخر مرحلة المراهقة وأوائل العشرينات، مكّنها من دخول المنافسة مع شركات كبيرة في هذه السوق مثل «آبركرومبي أند فيتش»، علما أنها تتفوق على نظيراتها في أسعار منتجاتها - سعر قميص «بولو» الذي تنتجه يبلغ 35 جنيها استرلينيا أو 52 دولار مقارنا بـ60 جنيها إسترلينيا في «آبركرومبي».

تتراوح أسعار ملابس سوبر دراي ما بين 15 جنيها إسترلينيا لقبعات البيسبول و300 جنيه إسترليني للسترات الجلدية، والشركة لديها الآن خط لإنتاج الملابس النسائية. ومن بين الملابس الأكثر مبيعا بالنسبة لها سترة يمكن للشباب من الجنسين ارتداؤها، مستوحاة من أمتعة أثارت انتباه هولدر في المطار، وقد بيع أكثر من مليون سترة منها في غضون عامين مقابل 65 جنيها إسترلينيا للقطعة الواحدة، علما أن منتجاتها باتت تحظى بإقبال كبير بين الفئات العمرية المختلفة. يقول هولدر: «إن العديد من عملاء الشركة في عمر الخمسينات». لكن لا أحد ينكر أن النقلة المهمة كانت بفضل نجم كرة القدم البريطاني وأيقونة الموضة، ديفيد بيكام. فعندما نشرت الصحف والمجلات صورته وهو يغادر مطار لوس أنجليس مرتديا سترة جلدية بنية من تصميم شركة «سوبر دراي». قبل ثلاث سنوات، كانت الشركة البريطانية الصغيرة مجهولة، وتحاول البحث عن كيفية تمويل نفقات التوسع المستقبلي.

وكان لظهور بيكام بها مفعول السحر، حيث انهالت الطلبات على القمصان، والـ«تي - شيرتات» وبنطلونات الجينز والسترات الجلدية، مما مكّن الشركة من افتتاح عشرات المتاجر الجديدة في أماكن متعددة من العالم. وفي مارس (آذار) تمكنت الشركة، على الرغم من تقلبات أسواق الأسهم، من بيع مبدئي ناجح لأسهمها. وهي تخطط في الوقت الحالي، إلى إضافة ما لا يقل عن 20 متجرا سنويا إلى سلسلة متاجرها والتوسع في الولايات المتحدة وآسيا والشرق الأوسط وغيرها. وكانت مبيعات الشركة قد تضاعفت خلال العام الماضي على الرغم من الركود العالمي، في الوقت الذي واصلت فيه مجلات المشاهير طبع لقطات البارابراتزي لمشاهير من أمثال زاك إيفرون وهيلينا كريستنسين وبرادلي كوبر في أزياء تحمل اسمها.

تعد «سوبر دراي» العلامة التجارية الرئيسية لشركة «سوبر غروب»، التي أصبحت في مارس (آذار) أول شركة تجزئة تدرج أسهما في سوق الأوراق المالية في بريطانيا منذ الأزمة المالية التي بدأت في عام 2007.

قامت العديد من شركات الملابس البريطانية - بما في ذلك «نيو لوك»، التي تملكها اثنان من كبريات شركات الأسهم الخاصة - بالتخلي عن خططها لبيع أسهمها بسبب هبوط أسواق الأسهم. وكانت مبيعات أسهم «سوبر غروب» قد جمعت 120 مليون جنيه إسترليني بعد تجاوز الطلب الأسهم المطروحة للبيع. وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسهم بنسبة 4.6%، في الوقت الذي هبط فيه مؤشر فاينانشيال تايمز 100 بنسبة 4.3% في هذه الفترة ذاتها.

وارتفعت مبيعات «سوبر غروب» بنسبة 83% لتحقق أرباحا تصل إلى 139 مليون جنيه إسترليني في السنة المالية التي انتهت في الثاني من مايو (أيار). وكانت الشركة قد حققت أرباحا خلال الأشهر الستة الأولى وصلت إلى 7.8 مليون جنيه إسترليني وهو ما يفوق أرباح الشركة عن السنة المالية السابقة بأكملها.

وأدت سرعة النمو التي عرفتها «سوبر دراي» ببعض المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت الشركة قادرة على الحفاظ على الزخم الذي تحظى به العلامة التجارية في سوق الأزياء التنافسية.

يقول نيك باب، المحلل المالي في «آردن بارتنرز» في لندن: «رأينا الكثير من العلامات التجارية مثل «سوبر دراي» تظهر في السابق ثم تختفي»، لكنه أشار إلى أن الشركة أدت أداء حسنا في إدارة زيادة المبيعات على الرغم من الركود.

فيما يرى جوناثان بريتشارد المحلل المالي في شركة «أوريل سكيورتيز»، أن العديد من أصحاب الفنادق وفروا أماكن لمنتجاتها بصورة شبه مجانية لأن العلامة التجارية تساعدهم في اجتذاب العملاء. وهو ما يعني أن غالبية متاجر «سوبر دراي» كانت تحقق أرباحا بمجرد افتتاحها.

ويعترف هولدر بأن الموضة عالم مضن، «فالرضا عن الذات أكبر لعنة يمكن أن تصيب علامة تجارية أو شركة. فما إن تظن أن مرحلة الخطر قد ولت وأنك صرت علامة تجارية كبرى، تحل الكارثة».

كانت ملابس «بنش» من بين العلامات التجارية التي تحملها الملابس التي يبيعها دانكرتون، كما أن الملابس الكاجوال التي صممها هولدر حازت شهرة في أوساط الشباب بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين في بريطانيا. في عام 2002 قرر الشريكان دمج حب هولدر لليابان وإعجاب دانكرتون بالتصميمات الكلاسيكية لاستحداث موضة جديدة لملء ما اعتقدوه فراغا في سوق الملابس الرجالية.

وشرح دانكرتون: «جميعنا يحب الملابس الكلاسيكية، لكنك قد ترتدي شيئا لا يصلح معها لأن هناك شيئا ما يشدك إليها، ولذا يحاول جيمس أن يجد ذلك الشيء ويقوم بجعله مناسبا».

ويضع فريق هولدر اللمسات الأخيرة حاليا على تصميمات الجوارب. ويتوقع طرح العطور الخاصة بالشركة في مناسبة رأس السنة القادمة، كما أن هناك خططا لإنتاج ملابس السباحة والبدلات الرجالية.

ويشرف كارباثيوس، متعهد الملابس الذي زود متجر «كالت» الذي امتلكه دانكرتون بملابس من اليونان، على خطة التوسعات الخارجية التي تضم افتتاح 13 متجرا في الإمارات ومتجرا في كل من سان فرانسيسكو ولاس فيغاس وميامي والمزيد في كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وتايوان.

ويأمل دانكرتون أن تمكنه حصيلة مبيعات الأسهم الأولية في تحويل الشركة إلى ظاهرة عالمية.