«كلوي».. مدرسة تخرجت فيها أسماء عالمية

مؤسستها ذات الأصول المصرية أول من أرست أسس موضة الأزياء الجاهزة

TT

قبلها لم تكن هناك أزياء جاهزة، فقط أزياء مفصلة على المقاس للنخبة والثريات، وهو ما يعرف بـ«الهوت كوتير». لمن ليست لديهن الإمكانيات لدخول صالونات المصممين الكبار والحصول على ما يطالعنه على صفحات المجلات الاجتماعية والفنية، كان الحل أمامهن الاستعانة بمعامل الخياطة التي كانت تطرح نسخا تفتقد جودة التفصيل والقماش والدقة في التنفيذ، والنتيجة كانت مظهرا رخيصا يفتقد للأناقة. ثم جاءت غابي أغيان من الإسكندرية إلى باريس لتعطي المرأة أزياء تحاكي «الهوت كوتير» في جودتها وترفها لكن يمكنها الحصول عليها من المحلات بأسعار معقولة بالمقارنة ومن دون انتظار. وهكذا ولد مفهوم الأزياء الجاهزة، مفهوم لم تلتقطه صناعة الموضة إلا بعد أربع سنوات حين طرح هيبار جيفنشي أول تشكيلة جاهزة له في عام 1956. غابي أغيان، بذكاء تسويقي ارتأت أن تسمي دارها «كلوي» على اسم صديقة، عوض اسمها الحقيقي، لصعوبته وعدم شاعريته. وهذه الشاعرية هي التي ارتبطت بالدار إلى اليوم، على شكل تصميمات بوهيمية منسابة ودانتيل وطبقات متعددة توفر الأناقة والراحة. فقد انطلقت غابي من فكرة واضحة تتركز على تخليص الأزياء من الرسمية الصارمة التي طبعت فترة الخمسينات من القرن الماضي، المتأثرة بـ«الهوت كوتير»، وفضلت عليها ملابس ناعمة وخفيفة رحيمة بالجسم، وعلى مر السنوات استعانت بمصممين شباب، أشهرهم كارل لاغرفيلد في أواخر الستينات من القرن الماضي، الذي يمكن القول إنه أول من أثار الانتباه إليها عالميا، عندما التحق بها بالتحديد في عام 1966. كان اسمه وحده كفيلا بأن يحقق لها النجاح، وتوالت تشكيلاته التي جعلتها طوال حقبة السبعينات من أهم بيوت الأزياء، حيث ضمت لائحتها زبونات من عيار جاكلين كينيدي، ماريا كالاس، بريجيت باردو، غريس كيلي وغيرهن من الشهيرات، وهو أمر لا يزال ساريا إلى اليوم من خلال إقبال شابات مثل سيينا ميللر، كايت موس، كيرستن دانست، ناتالي بورتمان وغيرهن على أزيائها.

لاغرفيلد انسحب وعاد بعد سنوات ثم انسحب للمرة الأخيرة في عام 1997 وتوالت على الدار عدة أسماء، لكن أسلوبها ظل هو لا يتغير، يؤثر على ساحة الموضة بهدوء عملي وأنيق. ومع الوقت أصبحت الدار بمثابة مدرسة تتخرج فيها أسماء لها شأن، وليس أدل على ذلك من أن أسبوع باريس للموضة الأخير، حركته وأغنت اتجاهاته ثلاث بريطانيات، أثرن الكثير من الاهتمام، هن ستيلا ماكرتني، بخطها الخاص، فيبي فيلو كمصممة لدار «سيلين» وهنا ماغيبون، مصممة «كلوي» الحالية. القاسم المشترك بينهن ليست بريطانيتهن فحسب، بل انتماؤهن إلى دار «كلوي» في وقت من الأوقات.

تأثير هذا الثلاثي البريطاني كان واضحا على منصات باريس، وسيتضح أكثر في شوارع الموضة العالمية في الموسمين القادمين، ببساطته وتفكيكه من التفاصيل والتعقيدات، وأيضا بميله إلى الـ«سبور». ستيلا ماكارتني، البالغة من العمر 38 حاليا حصلت على وظيفة مصممة فنية في دار «كلوي» بعد تخرجها بعامين من «سنترال سانت مارتن»، أي في عام 1997 مما أثار الكثير من الجدل واللغط حينها. البعض عزا الأمر إلى كونها ابنة المغني المخضرم الشهير سير بول ماكارتني، والبعض الآخر إلى الحظ، لأنه قلما يحصل متخرج حديث بدون أي خبرة ولا تجارب على وظيفة بهذا الحجم. ليس هذا فحسب، بل خلفت واحدا مثل كارل لاغرفيلد، مصمم داري «شانيل» و«فندي» الذي كان له دور كبير في شهرة اسم «كلوي». بالنسبة لرجل الأعمال، منير مفرج، الرجل الذي منحها الفرصة، كانت الضجة عز الطلب والمنى، فقد شدت الانتباه إلى الدار الفرنسية وجعلت الكل يراقبها ويتتبعها. ولا شك أن نجاحه في تحقيق هذه الخبطة الإعلامية، هو ما شجعه على الاستعانة بالنجمة ليندسي لوهان كمصممة في دار «إيمانويل أونغارو» في العام الماضي، الأمر الذي لم يحقق نفس النتائج، بل العكس تماما مما أدى إلى الاستغناء عن المصممة بعد تشكيلة واحدة، وإلى فقدانه وظيفته كرئيس تنفيذي لدار «أونغاور». ستيلا في المقابل، كانت تنقصها الخبرة الطويلة، لكنها كانت ذكية ومبدعة، سرعان ما وجدت طريقها وحققت النجاح بمساعدة فريق عمل كانت فيبي فيلو واحدة منه. فيبي كانت صديقة الدراسة والبداية بالنسبة لستيلا، ويقال إنهما معا شكلتا ثنائيا مكملا لبعض. الأسلوب الذي عانقته ستيلا كان مزيجا من الأنوثة والتفصيل الذي تدربت عليه في سافيل رو الشهير مع مخاصمة شديدة لاستعمال الفرو والجلود الطبيعية. في عام 2001، وعندما تركت الدار لتركز على دارها الخاصة بمساندة مجموعة «غوتشي»، منحت فيبي فيلو التي كانت آنذاك لا تتعدى الـ 27 من العمر، الفرصة لتأخذ مكانها. ويقال إن العلاقة بينهما بعد ذلك تعرضت لشرخ سببته المنافسة ونجاح فيبي في نقل «كلوي» إلى مرحلة أخرى من النجاح. ففي عهد هذه الأخيرة وصلت الدار إلى أوجها باستقطاب شرائح متنوعة من الأنيقات بأسلوبها الرومانسي والمنساب وحقائب يدها التي أشعلت حمى التسابق عليها، بدليل حقيبة «بادينتون» التي طرحتها في عام 2004، وتم استنساخها وتقليدها في كل أنحاء العالم. في عام 2006 تركت فيبي الدار وهي في قمة نجاحها لتتفرغ لأسرتها الصغيرة، خصوصا أنها كانت قد رزقت حينها بأول مولود لها، وقالت إنها تعبت من السفر بين باريس ولندن. كانت مغادرتها الدار خسارة كبيرة بحسب كل المتابعين والمراقبين والمعجبين، لكن فترة الفراغ وعدم الاستقرار لم تدم طويلا، حيث سلمت مقاليدها إلى بريطانية ثالثة هي حنا ماغيبون، التي سبق لها العمل مع فيبي فيلو لمدة خمس سنوات، وبالتالي كانت علاقتها بإرث الدار وأسلوبها حميمة. بعد موسمين أكدت أنها خير خلف لخير سلف. فتشكيلتها الأخيرة للخريف والشتاء، يمكن القول إنها من أفضل ما قدمته حتى اليوم. توجهت فيها إلى امرأة منطلقة وبوهيمية لكن أيضا عملية، أي نفس المبادئ والعناصر التي تأسست عليها الدار. فإلى جانب القطع المبتكرة مثل «الكاب» الذي سيأخذ محل المعطف بلا شك في الموسمين القادمين، والبنطلون ذي الخصر العالي، كان تركيزها على لون واحد بدرجات مختلفة ضربة معلم، إذ تحول البني والبيج ومشتقاتهما فجأة إلى قطع كاراميل لذيذة، مما لا يدعو لأي شك بأن حنا ماغيبون، مثل ستيلا ماكارتني وفيبي فيلو، من الشابات اللواتي سيؤثرن على أسلوبنا وما نلبسه حتى بدون أن نشعر. أسلوب يتميز بالواقعية ويخاطب امرأة عاملة وأما أنيقة وفتاة مخملية تريد البساطة. بعبارة أخرى، إذا كان نيكولا غيسكيير مصمم «بالنسياجا» يريد أن يأخذنا إلى المستقبل بأسعار خيالية، وجون غاليانو يجول بنا في كتب التاريخ والأساطير بفانتازيا، فإن هؤلاء الشابات الثلاث يعانقن المدرسة الواقعية التي تفهم المرأة وما تريده في حياتها اليومية بكل تفاصيلها. فهي ليست بالضرورة مخملية تقضي وقتها في المنتجعات وعلى اليخوت فحسب، بل تعمل وتكد بنفس الحماس الذي تستمتع به بالحياة، وبالنظر إلى هذه الصورة، يكتشف المرء أنها لا تختلف عن شخصيات المصممات الثلاث كثيرا، الأمر الذي يشير إلى أنهن ينطلقن مما يحتجنه كنساء يعشن عصرهن، وهذا ما يعطيهن السبق على باقي المصممين من الذكور الذين يصممون انطلاقا من تصورهم للمرأة وكيف يريدونها أن تبدو، بغض النظر عن الواقعية أو العملية.

ولدت غابي أغيان في عام 1921 في مدينة الإسكندرية بمصر، وفي عام 1945 انتقلت للعيش في باريس، ومنها أطلقت دار «كلوي» في عام 1952. دافعها كان إعطاء المرأة أسلوبا أنثويا يعتمد على الانسيابية والطبقات والدانتيل، وهو ما نجحت فيه طوال ترؤسها للدار، وحتى عام 1985 حين اشترتها شركة «دانهيل هولدينغز» التي أصبحت اليوم مجموعة «ريشمون».