طقوس تقاوم مظاهر العولمة

كعك العيد والعيدية.. تدخل الفرحة لقلوب الصغار والكبار

TT

مهما تغيرت الأحوال والظروف يظل للأعياد بهجتها في عالمنا العربي، فلا أحد ينسى عشية ليلة عيد الفطر صوت أم كلثوم وهي تصدح: «يا ليلة العيد آنستينا.. وجددتي الأمل فينا». وعلى الرغم من أن مظاهر الأعياد تتكرر كل سنة كطقس اجتماعي له أبعاد ثقافية ودينية معينة، فإن الأمر لا يخلو من «لطشة» تجديد بين عيد وآخر.

فمع اقتراب نهاية شهر رمضان المبارك، تستعد الأسر والعائلات للاحتفال بعيد الفطر المبارك وشراء مستلزماتها. ويعد الكعك من أيقونات الاحتفال به في مصر والعالم العربي، وأول من عرفه الفراعنة حيث كان الخبازون في البلاط الفرعوني يتفننون في صنعه بأشكال مختلفة، مثل: اللولبي والمخروطي والمستطيل والمستدير، وكذلك في التاريخ الإسلامي، بل هناك من يرجع الكعك إلى عهد الدولة الطولونية حيث كان المصريون يصنعونه في قوالب خاصة مكتوب عليها «كل واشكر» أو «كل هنيئا واشكر» و«كل واشكر مولاك»، وعبارات أخرى لها المعنى نفسه، ثم أخذ مكانة متميزة في عصر الإخشيديين، ليصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك.

وتبقى الأحياء الشعبية هي الأكثر حرصا على طقس إعداد الكعك في البيت وعدم شرائه من المخابز الكبرى التي توفر كل الأنواع. في حي الجمالية مثلا، كانت الأسر قديما تسهر في الأسبوع الأخير من رمضان لخبز الكعك وتنسيقه وإعداده في صاجات كبيرة يأخذها شباب العائلة إلى الأفران الخارجية لخبزها، نظرا لكبر الحجم والكمية.

وتتذكر السيدة بثينة محمود (60 سنة): «في الماضي كنا نتجمع - سيدات العائلة - كل ليلة في منزل واحدة منا، نبدأ من بعد الإفطار إلى ميعاد السحور، نخبز ونحضر الأشكال والأنواع المختلفة من الكعك والبسكويت، وكان الأطفال يجلسون حولنا ويشاهدوننا بعيون تملؤها الرغبة في اللعب من باب المساعدة، فأعطي لابنتي قطعة من العجين لتخبز معنا، لكن الآن اندثرت هذه العادات الطيبة، وأصبحنا نشتري الكعك جاهزا».

بدورها تتذكر السيدة كريمة صبحي (58 سنة) أن جدتها كانت تصنع لها بالعجين أشكالا جميلة، مرددة: «ده حصان للصبي ودي عروسة للصبية» لترش عليها بعد ذلك السكر الأبيض الناعم، وأنها كانت تخصص غرفة صغيرة في بيت العائلة للخبز ولإعداد الكعك حتى لا يؤثر على باقي الأعمال المنزلية. وتكمل السيدة كريمة: «حاليا أنا حزينة لعدم تشجيع بناتي لي لإعداد الكعك في البيت، فكل واحدة مشغولة بعملها ووقتها ضيق».

ولكن في المقابل ما زال هناك حرص على هذه التقاليد من قبل البعض، كما أوضحت أميمة منصور (34 سنة)، مدرِّسة، قائلة إنها أصرت هذا السنة أن تشتري المكونات من دقيق وسكر وخميرة ومكسرات وملبن وعجوة لإعداد الكعك والبسكويت في المنزل، حتى تشعر ابنتها بالبهجة التي كانت تشعر بها في هذا الوقت من رمضان في كل عام.

دينا محمود (28 سنة)، وهي محامية أخذت إجازة في الأسبوع الأخير من رمضان خصيصا لإعداد الكعك ومستلزماته مع والدتها في منزل العائلة القديم، تشرح أنها أصبحت تفتقد هذه الأجواء منذ سفرها إلى الخارج برفقة زوجها للعمل: «هذه الأجواء الجميلة التي طالما عشقتها في الطفولة، أحن إليها بمشاعر الطفولة نفسها؛ فإعداد الكعك في البيت له مذاق خاص بالنسبة لجيلنا والجيل الأكبر منا».

تؤكد على وجهة نظر دينا، إيناس مصطفي (32 سنة)، وهي ربة منزل، لافتة إلى أن الجيل الجديد «لا يعرف قيمة تجمّع العائلة في منزل الجدة أو الخالة الكبرى، لم يذق طعم اللمة الأصلية، ولم تعرف رئته رائحة الخَبز التي تدق على القلب ببهجة وفرحة العيد».

اللافت أيضا أن صنع كعك العيد في البيت، يعد أحد مظاهر الفخر المهمة لكل مصرية، حيث تتبادل السيدات أطباقا من الكعك والحلوى لتتذوقها الأخريات. وكأنها نتيجة اختبار تنتظرها لتفرح بنجاحها. تتذكر السيدة ماجدة جمال (63 سنة) هذا الطقس قائلة: «كانت فرحتي لا توصف إذا ما نجح الكعك والبسكويت. كنت أشعر بالفخر وأزداد سعادة حين يسألني الأقارب من أي محل اشتريت هذه السنة، لجودته ومذاقه الطيب، وتبقى الإجابة التي أرد بها (ماركة صنع في البيت المصري) مصدر دهشة وإعجاب».

العيدية أيضا تعتبر من أبرز مظاهر العيد في العالم العربي، حيث يفرح بها الصغار وينتظرونها، ويفكر فيها الكبار ويخططون لكيفية توزيعها بشكل جديد ولطيف ومختلف عن العام الماضي. فالآباء والأجداد يحرصون على تبديل العملات الورقية بعملات جديدة لامعة حتى يفرح بها الصغار، وطبعا كلما كان عدد أوراق العيدية كثيرا زادت فرحتهم بها. لكن بسبب الأوضاع الاقتصادية وعدم طرح البنك المركزي جنيهات ورقية جديدة سيصبح الحصول على فئات نقدية ورقية صغيرة وجديدة في الوقت ذاته، شبه مستحيل لـدافعي العيديات، لذلك بدأت الجدة «بهية» في صناعة أكياس صغيرة من أقمشة الساتان مطرزة بحبات من اللؤلؤ، وأخرى تطرزها بأول حرف من اسم كل حفيد، لتضع فيها العملات المعدنية، فتصدر صوتا رنانا يسعدهم ويدخل البهجة إلى قلوبهم.

على العكس من ذلك قررت الجدة «زينب»، ومنذ 5 سنوات، أن تعيِّد على صغار العائلة بسلسلة بسيطة، أو لعبة لطيفة تعلق في السلسلة حتى يتذكروها بها. فهي صاحبة فلسفة أن الفلوس تذهب، لكن الذهب يبقى.

هذا وقد وصل الدور الآن لدفع العيديات على فئة جديدة من العائلة كانت حتى عهد قريب تتلقاها. هبه سعيد (30 سنة) تندهش من سرعة الزمن الذي يفوت دون أن تشعر به: «أولاد إخوتي الآن يطالبونني بعيدية، وأنا كنت منذ فترة قريبة أقف في الطابور صباح العيد لأخذ العيدية من جدي رحمه الله. الآن فقط شعرت أني كبيرة وأنه علي أن أدفع عيدية لأطفال العائلة، لكن لا أحد أصبح يعطيني عيدية».

شيماء بكر (32 سنة) وتعمل مرشدة سياحية، تتفق مع هبة وتقول إنها ترفض التسامح في عيديتها مهما كان سنها: «فهي بند أساسي في حساباتي، ومازلت أصر أن آخذ عيدية من زوجي، على الأقل، صباح كل عيد».

ويضحك عمر إبراهيم قائلا: «على الرغم من أنني على وشك التخرج هذا العام في كلية الهندسة، فإن عشقي للعيدية لن ينتهي، ولن أقبلها إلا نقدا «فلوس جديدة بتجرح». ويضيف هامسا: «عيدية من هنا وعيدية من هناك يمكن الواحد يشتري عربية.. وربنا يسهل».