القبعات تعود إلى ساحة الموضة.. مرفوعة الرأس

في الأوقات الاقتصادية العصيبة تترقى الإكسسوارات

TT

ليس هناك شيء في الموضة يختفي للأبد، إلى حد أنه يمكننا القول: إن كل جديد قديم. ولا تخرج قبعة الرأس على هذا المنطق، والدليل أفلام الأبيض والأسود في العشرينات، وعروض الأزياء الرجالية التي شهدتها كل من باريس وميلانو في بداية العام الحالي.. فقد كانت حاضرة في معظم العروض بأشكال وتفاصيل مختلفة.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الإكسسوار كان، في فترة من الفترات، عنوان الجاه والمكانة الاجتماعية المتميزة، ووحدهم الشحاذون والطبقات الدنيا كانت تبقى منحسرة الرأس من دونها. بقي الأمر على ذلك الحال حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية بكثير؛ حيث كان ينظر إلى مظهر الرجل الذي لا يرتدي قبعة رأس على أنه غير لائق ولا يتماشى مع الذوق العام، بل إن أهمية القبعات في تلك الفترة استدعت أن تكون لها أسماء خاصة، تحمل في طياتها دلالات اجتماعية وتاريخية. مثلا، استقت القبعة الـ«باولر»، التي تبدو شبيهة بوعاء الطعام، اسمها من اسم إيرل إنجليزي عاش في القرن التاسع عشر نجح في إكساب هذا النمط من القبعات شعبية، فأخذت اسمه. أما قبعة الـ«فيدورا» فاستلهمت اسمها من مسرحية كتبها المسرحي الفرنسي فيكتوريين ساردو من أجل سارة برناردت، بالعنوان نفسه.

لكن في الستينات من القرن الماضي، تراجعت أهمية القبعات، ولا يزال هناك جدال بين المؤرخين الاجتماعيين حول سبب اختفائها، على الرغم من أن التفسير الشائع ينسب إلى الرئيس جون كيندي، الذي كان أول من ظهر من دونها في تلك الفترة، من دون أن يثير الاستهجان أو الاستنكار، فوسامته وكاريزماه، إلى جانب نعومة شعره، شفعت له، وجعلت أبناء جيله يقلدونه مطيحين بالقبعة من علوها. لكن هناك أيضا من يرد السبب الحقيقي إلى ظهور السيارات. فمن جهة، لم تعد هناك حاجة إليها للوقاية من الشمس والرياح والمطر، ومن جهة ثانية، لم تأخذ السيارات بأشكالها القديمة في عين الاعتبار هذا الإكسسوار، عند تصميمها. فقد أصبحت القبعات عائقا؛ لأنها تسقط بمجرد ركوبها، بسبب عدم تناسب علوها مع ارتفاع سقف السيارة، وغيرها من الأمور التي لم تصب في صالحها وعجلت برحيلها.

بغض النظر عن السبب، يبقى تراجع القبعة حقيقة، والدليل أنه في عام 1940 كانت هناك 180 شركة مستقلة لصنعها تعمل داخل الولايات المتحدة وحدها، تضاءلت إلى 10 فقط حاليا. وعلى الرغم من أن النشاط التجاري المرتبط بها لم يسحق تماما؛ ذلك أن مبيعات التجزئة من القبعات بالولايات المتحدة تقدر بـ1.75 مليار دولار سنويا، و40% من هذا الرقم يتعلق بقبعات تباع للرجال، فإنه لا يمكن القول إن المستقبل كان يبدو مشرقا أو مبشرا بولادة جديدة، قبل عروض الأزياء الرجالية التي أقيمت مؤخرا في باريس وميلانو، وتشير بما لا يترك الشك، إلى أنها ستكون إكسسوارا قويا في الموسمين المقبلين.

ويتساءل البعض عن السبب في هذا الإقبال المحموم من قبل المصممين على استخدامها: هل يعود لقبعات «تريلبي» الشهيرة التي شجعت الرجال على الإقبال مجددا عليها، أم هو تأثير معرض فني أقيم في العام الماضي، في أحد المتاحف ورعته «بورسالينو فاوندايشن» في تريينيل بميلانو، ويظهر عشق السينما الذي امتد لفترة طويلة من الزمن للقبعات، أم هل السبب مثلما قال دون رونغيون، رئيس شركة «بولمان هات كمباني»، وهي شركة منتجة للقبعات مقرها ببنسلفانيا تأسست عام 1868، أن ممثلين، مثل جاستن تيمبرليك وبراد بيت وغيرهما، ساعدوا في تعريف جيل جديد من المستهلكين بفكرة أن القبعات ربما تكون رائعة وحيوية المظهر؟

يقول رونغيون: «إن فكرة أنك ستبدو كبيرا في السن كوالدك، أو حتى جدك، لو ارتديت قبعة، أصبحت قديمة جدا، ولم يعد الشباب ينظر لارتداء قبعة على هذا النحو».

وبالتأكيد يتفق معه مصممو الأزياء بالنظر إلى كم القبعات التي ظهرت في عروضهم مؤخرا.. فخلال عروض أزياء «أرماني» و«إمبوريو أرماني»، جرى استبدال قبعات بالبيريه، وهي تشكل نمطا حديثا من قبعة «تريبلي» مرتفعة الرأس وحافة متوسطة الحجم. وفي عرض «إترو»، اتسمت القبعة بارتفاع شديد.

في عرض «دسكيرد 2» طرح المصممان التوأمان ديان ودان كاتين قبعات طراز «ستيتسونز» في لون أسود أنيق. في معرض داي فوجيوارا لحساب إيسي مياكي، سادت القبعات المتأنقة ذات الحواف متوسطة الحجم، بينما بدت قبعات «بورسالينوس» ذات الأطراف المترهلة في معرض ماسيميليانو غيورنيتي المقام لحساب دار «فيراغامو» شبيهة بنمط الأناقة المميز للممثل الراحل جورج رافت.

من ناحيتها، قالت إليزا فولكو، من «بورسالينو فاوندايشن»: «بالتأكيد يمكننا القول إن القبعات تمر بفترة فارقة في تاريخ الموضة، لكن المنتجين تفهموا دوما قوة تأثيرها». تجدر الإشارة إلى أن فولكو، بالتعاون مع الناقد السينمائي جياني كانوفا، شاهدت أكثر من ألف فيلم للعثور على الأشكال الـ400 الموجودة بمعرض «السينما ترتدي قبعة» داخل متحف «ميلان تريينيل» الذي أقيم في شهر مارس (آذار) من العام الماضي.

وأضافت فولكو: «تتنوع القبعات ما بين الظريفة والساحرة والغريبة والمثيرة. وتختلف عن قطع الملبس الأخرى لكونها شديدة القرب من الوجه؛ فهي تخلق صلة غريبة بين مظهرك الخارجي وشخصيتك الداخلية. وفي كل مرة ترتدي قبعة، تكتب سطور قصة مغايرة تماما».

وبعدما أتى المصممون على جميع الموضوعات المتعلقة بالتميز ولفت الانتباه، واستنفدوا الكثير من الأفكار في هذا الخصوص، فإن تحولهم إلى القبعات قد يكون مجرد سعي نحو أدوات جديدة ووجدوا فيها ضالتهم المنشودة، وإلا كيف نفسر استخدام مصممين بعيدين كل البعد عن بعضهم مثل أنجيلا ميسوني وتوم براون الإكسسوار نفسه في عروضهما؟

في أحد العروض التي قدمتها، أضافت ميسوني قبعات مصممة على نحو يشبه أواني الزهور مع انخفاض حوافها على نحو شديد للغاية فوق وجه العارضين الذين ارتدوها وبدوا وكأنهم عاجزون عن السير بصورة ملائمة بسببها. في معرض توم براون، تحولت القبعة إلى العنصر المميز بالعرض واعتمدت على الريش في إشارة إلى عشق براون للمهارات الفنية التي أصبحت في طريقها للاندثار.

في عرض روبرتو كافالي، الذي يدين بالكثير لجيم موريسون، أضيفت لمسة جمالية لافتة تمثلت في أطراف القبعات التي كانت عريضة على نحو بالغ جعلها أشبه بفطائر البيتزا. في عرض جيفنشي، صمم ريكاردو يتشي قبعات تتميز بأطراف في صورة حلقات فوق الأذن. في عرض يوجي ياماموتو، خرج العارضون مرتدين قبعات مرتفعة تنتمي للطراز الذي أبدى المصمم تفضيله له لسنوات طوال.

وبالطبع حمل أعلى القبعات عناصر تجميلية لافتة بدا من الواضح تأثير موضة الأزياء على بعضها، كما هو الحال بالنسبة لعرض لغاليانو، الذي تميزت فيه بعناصر تزيين مصنوعة من الفرو وعمامات تعكس طرزا عتيقة.

لكن الاستخدام الأفضل للقبعات في موسم لم ينته، كون رحلة الموضة النسائية في أوجها في هذه الفترة ولن تنتهي إلا في شهر مارس المقبل، كان قد بدأ منذ مدة، وظهر في عروض باريسية، مثل «ديور أو» و«لانفان» مع اختلاف في التفاصيل فقط. فبينما فضل كريس فان آش، مصمم «ديور أوم»، قبعات أنيقة خالية من الزخارف ومسطحة، بدا أن لوكاس أوسندريفير، المصمم الفني للأزياء الرجالية في دار «لانفان»، يفضل «بورسالينو» المتميزة بحواف واسعة نسقها مع سترات بسيطة بزرين فقط لرشاقة أكبر.

وقال رونغيون: «ترى نظرية أنه في الأوقات الاقتصادية العصيبة، عندما يتعذر على كثير من الرجال شراء معطف وبذلة، تتحول القبعة إلى خيار مناسب»؛ فهي تعطيه التميز المطلوب في العادة، لكن هذا الأمر اختلف في الآونة الأخيرة، ولم يعد دور القبعة التمويه على مظهر بسيط، خصوصا أنها أصبحت تخاطب الرجل المتأنق، الذي لا يريد التمويه على شيء، بل يستقصد لفت الأنظار لحيويته ومواكبته روح العصر.

وقال رونغيون أيضا إنه بإمكان أي رجل عادي ارتداء بعض هذه القبعات في الحياة العملية، فهي لم تعد أمرا عجيبا لا يجرؤ شخص عادي على ارتدائه في الأيام العادية كما في حياته اليومية.

همسة: إذا كنت جديدا على هذا الإكسسوار أو كان هو جديدا عليك، فإن قبعة «الفيدورا» أضمن تصميم في الوقت الحالي، علما بأنها تتماشى مع بذلة أو «توكسيدو» كما مع بنطلون جينز و«تي شيرت» وصديري. المهم ألا تكون الخامة مختلفة عن خامة أزيائك. مثلا تجنب قبعة من الجلد إذا كنت ترتدي جاكيت من الجلد، وهكذا.

من المهم اختيارها بحجم يتناسب مع عرض الكتفين، وإن كان الرجل المبتدئ، بمعنى الذي لم يتعامل مع القبعة من قبل، يميل إلى الصغيرة وغير العالية؛ لأنها مضمونة أكثر.