أتقني عملك لكن لا تنسي التهليل له وإعلان أصغر إنجازاتك على الملأ

كثير من التواضع يفسد حياة المرأة ويؤخر مسيرتها المهنية

TT

هناك أشخاص كلما قاموا بعمل بسيط جدا، طبلوا وهللوا وحولوه إلى إنجاز كبير، وهناك أشخاص يقومون فعلا بإنجازات تستحق الذكر، إلا أن تواضعهم الشديد يفوت عليهم فرصة الاحتفال بهذا الإنجاز ومن ثم الحصول على مكافأة بحجمه. الفرق بين الشريحة الأولى والثانية، أن الأولى تعتبر أن ما قامت به فضل على الآخرين ولا بد من أن يعرف كل الناس به، بينما تعتبره الثانية واجبا يدخل في صلب عملها ومسؤولياتها. ورغم أن خير الأمور أوسطها، فإن دراسة جديدة تفيد بأن الشريحة الثانية مخطئة، وأن التواضع المبالغ فيه والعمل بصمت، قد يفوت عليها فرص النجاح في أماكن العمل، وعدم التقدير في الحياة الشخصية. بعبارة أخرى، فإن التقدير يبدأ من الشخص نفسه، وبالتالي فإن كل واحد منا مسؤول عن إعطاء نفسه المكانة والمكافأة التي يستحقها أولا، ومن دون تسليط الضوء على إنجازاته فإنها قد تمر مرور الكرام دون أن يلتفت إليها أحد، مهما كانت أهميتها. من هذا المنطلق تقول الدراسة إن على هؤلاء تعلم فن التهليل لكل صغيرة وكبيرة إذا ما أرادوا أن يعترف بهم الآخرون، بل ابتكر بعض المقتنعين بهذه النظرية تدريبات على يد شخص مدرب في شؤون الحياة أو شريك متفهم، من شأنها أن تساعد على تعلم كيف يمكن القيام بهذا التهليل بشكل فعال ومن دون مبالغة.

يقول كريستوفر راون رئيس الرابطة الألمانية لمدربي شؤون الحياة لوكالة الأنباء الألمانية إنه عندما يتخذ الموظف موقف المتواضع الشديد عندما يقوم بأي إنجاز، فإن تواضعه لا يكون بالضرورة إيجابيا، بل يمكن أن يؤدي إلى تهميشه. وأضاف أن هذا النوع من التواضع منتشر بوجه خاص بين الموظفات. فغالبا ما يكون رد فعل النساء على مديح من رئيس العمل، مثلا، متسم بالتواضع، وربما يقلن: «إن المهمة لم تكن صعبة للغاية بحيث تستحق المديح» أو إنه بوسع أي شخص أن يقوم بهذا العمل». وتابع كريستوفر: «عندما تشترك النساء في عمل ناجح، فمن المرجح أنهن يعتقدن أنهن قمن بدور مساعد فقط أو أن الحظ حالفهن، بينما يكون الرجال على قناعة بأن عملهم الجيد هو الذي قاد إلى النجاح».

واللافت حسب رأيه أن التواضع المبالغ فيه ليس عائقا أمام التقدم المهني فحسب بل أيضا في الحياة الخاصة. فعندما يشعر زوج ما بالسعادة عند رؤية بيته نظيفا ومرتبا، ويتبرع بإطرائها، لا بأس بأن تقول له بأن الأمر تطلب منها جهدا ووقتا، بدلا من أن تقول له إنها أنجزت هذا العمل بسرعة.

وتشرح بربارة فراين وهي اختصاصية نفسية ومدربة في شؤون الحياة بمدينة دورتموند الألمانية أن السبب في كون التواضع سمة تغلب على النساء أكثر من الرجال، يعود إلى عدم الاعتراف بإنجازاتهن أثناء فترة الطفولة، كما أنه مرتبط بأسلوب التربية. فالفتيات يربين بشكل مختلف عن الذكور، وبالتالي عندما يقمن بإنجاز ما، قد يتم التعامل معه كواجب، أو يتم عرقلة طريقهن بتخويفهن والتنبيه عليهن أكثر مما يحدث مع الصبية. ومع الوقت يترسخ في ذهنهن أن الثناء على الذات أمر غير جذاب، فتختلط الأمور عليهن في الكبر مما يكون له تأثير سلبي. غير أنها تقول إنه من الممكن التغلب على هذه العراقيل باستخدام استراتيجيات معينة، منها أن تكون المرأة على وعي بهذا الأمر، مع تحليل المواقف التي تنسحب فيها اعتقادا منها أنها لا يجب أن تتسم بالجرأة والمواجهة، ثم تسأل نفسها متى يحدث ذلك ولماذا؟. فعندما تعرف الإجابة يمكنها العمل على حل المشكلة. المهم بالنسبة لكريستوفر راون أن يتعلم هؤلاء الأشخاص كيفية نقل كفاءتهم للآخرين بطريقة فيها مصداقية وتنم عن الثقة في النفس، موضحا أنه يمكن للمدربين في شؤون الحياة أن يقدموا يد المساعدة كما يمكن للأصدقاء والشركاء أن يقوموا بدور مماثل في هذا الشأن. لكنه يضيف أن الدور الأكبر يقع على عاتق الشخص نفسه: «فمن المهم أن يبني مشاعر الشجاعة لديه وأن يقول «إنني أؤمن بنفسي وقدراتي»، وهي عملية قد تستغرق عاما أو عامين، حسب رأيه.

من جهتها، تقول هايكه هاين وهي مدربة في شؤون الحياة من مدينة هامبورغ إنه يمكن للمرأة أن تسقط في الشرك بسهولة وتضيع على نفسها فرصة التألق. تشرح: «المرأة تكون أكثر تحضيرا واستعدادا لحضور الاجتماعات، ولكنها قد لا تجيد قواعد اللعبة جيدا. فهي تتحرك وتظهر كل أوراقها بسرعة وقبل الوقت. والمقصود هنا أنها غالبا ما تكون سباقة في طرح أفكارها في الوقت الذي يكون فيه الرجل لا يزال يلملم أوراقه أو يتجادل مع غيره حول أشياء ليست مهمة، ثم تأتي نفس الفكرة التي طرحتها هي في البداية إلى ذهنه، فيسارع بتقديمها مغلفة بشكل آخر وكأنها فكرته ليحصد الإشادة».

من جهة أخرى، تميل المرأة إلى التعامل مع الإحباط أو الغبن الذي تشعر به بهدوء، بدلا من جعله قضية مثارة تحتاج إلى حل. وتوضح هاين أن «النساء يعانين من مشكلة صنع علامة تجارية شهيرة من أنفسهن»، في الوقت الذي لا ينبغي عليهن البقاء صامتات، لأنهن عندما يفعلن ذلك أو يبالغن في التواضع أو يبقين في خلفية المشهد فإنهن يعطين الانطباع بأنهن لسن واثقات من قدراتهن الخاصة، وهذا بدوره يعيق مسيرتهن المهنية وتكون النتيجة تجاوزهن من قبل شخص آخر مع أن الفرصة من المفترض أن تكون من حقها».