تيجان.. من ذهب وأحجار وريش

من إكسسوار للملوك والعرائس إلى إكسسوار مشاع

TT

منذ فترة وأنظار المصممين مركزة على رأس المرأة، لكن اهتمامهم زاد في المواسم الأخيرة بشكل أصبحنا معه نتصور أن الرأس سيبدو عاريا فيما لم يزينه إكسسوار ما، سواء كان طوق شعر أو منديلا أو قبعة أو دبوسا. المخضرم جيورجيو أرماني أكثر المصممين الذين أعربوا عن عدم رغبتهم في الاستغناء عنه، لا سيما في تشكيلته «بريفيه» التي تعرض ضمن أسبوع الـ«هوت كوتير» بباريس. غير أنه ليس وحيدا في هذا الولع، إذ يشاطره فيه آخرون مما يفسر عدد القبعات التي يتحفوننا بها في كل موسم، بدءا من البيريه، إلى الفيدورا، إلى تلك التي لا تغطي شيئا، أو الإيشاربات وغيرها. كل من مارك جايكوبس، فيفيان ويستوود، برادا إلى «بيربيري»، «جيفنشي» «هيرميس»، «جيل ساندر» وغيرهم قدموا في عروضهم اقتراحات متنوعة منها، وحتى من لم يقدم قبعات، اهتم بالرأس، وزينه إما بتيجان أو بأطواق رأس مثيرة، وفي أضعف الحالات أعطاه تسريحات لافتة أو خصلات بألوان متوهجة كما هو الحال في عرض الآيرلندي بول كوستيلو والياباني يوجي ياماموتو.

وبما أن القبعة تبقى بالنسبة للمرأة العادية حكرا على البحر وأجواء الصيف أو على فصل الشتاء إذا كانت من الصوف أو المخمل أو الفرو، فإنها تبتعد عنها في باقي الأيام على أساس أنها ترتبط بمناسبات الزواج الغربية ومهرجانات مثل «اسكوت» وغيرها. بعبارة أخرى، لا تناسب إيقاع الحياة اليومية السريع، الأمر الذي يجعل طوق الشعر في النهار والتاج في المساء، أكثر شعبية وتقبلا.

فالتاج مثلا لم يعد يقتصر على العروس، بفضل تدخل الموضة ومؤثرين فيها فرضوه في ظل ترحاب كبير من قبل الصاغة وبيوت المجوهرات، الذين يعرفون أنه كلما انتشرت موضة، مسهم شيء من بريقها. ففي الوقت الذي يقبل فيه البعض من الزبونات على إكسسوارات الماركات العالمية مثل «لانفان»، «ديور» وغيرهما، فإن الإقبال يزيد من قبل ذوات الإمكانيات العالية على كل ما هو مميز ما دام لن تنافسها فيه أخرى، وبالتالي عوض أن يقبلن بتاج مرصع بأحجار الكريستال فإنهن لا يقبلن سوى بالماس والأحجار الكريمة. وهذا ما تعرفه كل بيوت الأزياء والمجوهرات على حد سواء بحكم تعاملها معهن. فـ«شانيل» مثلا، تعرف سحر التيجان بالنسبة للمرأة منذ عهد المؤسسة كوكو شانيل، حيث طرحت تاجا نفيسا من الماس على شكل ريشة حمام يمكن أن يستعمل أيضا كبروش، مما يجعله استثمارا للزمن يتمتع بعدة وجوه واستعمالات. أما دار «كارتييه» فحدث بلا حرج، فهي من أكثر بيوت الأزياء معرفة بأهمية هذا الإكسسوار وإتقانا له، إذ ارتبط اسمها بإبداعات كانت من نصيب النخبة من الطبقات الأرستقراطية والعوائل الحاكمة منذ زمن، ولم تتوقف عن الإبداع في هذا المجال، لأن بريقه لم يبهت وأهميته لم تخف كرمز للوجاهة والأناقة في أي وقت من الأوقات. فبعد أن اقتصر على العائلات المالكة وأميرات الأساطير في القرون الماضية، تبنته نساء الطبقات الثرية في بداية القرن الماضي للتأكيد على مكانتهن الاجتماعية والاقتصادية، وعبرهن دخل عالم الموضة. طبعا كان ذلك من باب الأزياء الراقية في عهد مؤسس ما يعرف اليوم بـ«الهوت كوتير»، فريدريك وورث ثم باكان وبول بواريه وهلم جرا، لتتعزز مكانته ويدخل الحفلات التنكرية والحفلات الفخمة. اتساع خريطة زبوناته، طرح أمام بيوت المجوهرات تحديات جديدة، أبرزها البحث عن تصاميم تواكب العصر وتخاطب كل الأذواق من دون تنازل عن قيمته المعنوية والمادية. في العشرينات من القرن الماضي، مثلا، ظهرت موضة الفستان الناعم والقصير والتصاميم البسيطة التي تمنح المرأة حرية الحرية لترافق حريتها المكتسبة جديدا حينها. وهذا بدأ يتطلب أشكالا مختلفة من التيجان تتماشى أيضا مع قصات الشعر القصيرة جدا والـ«وبوب» والتصاميم المتحررة التي ولدت في تلك الفترة. دار «كارتييه» تابعت هذه الموضة، وقدمت تيجانا مبتكرة بأشكال هندسية وخطوط خفيفة تختلف تماما عما كانت تطرحه من قبل من أشكال مستقاة من أغطية النساء الروسيات على سبيل المثال. وفي فترة الثلاثينات، ظهر تأثير الباليه الروسي والمنمنات الشرقية، من خلال تيجان مرصعة بالجواهر والريش أصبحت موضة الحفلات الفارسية، بالإضافة إلى ظهور ألوان قوية وأشكال جديدة تماما مثل أشجار النخيل وألوان الفيروز. ولا تزال الإبداعات في هذا المجال، تتوالى كلما تغيرت الثقافة الاجتماعية والاقتصادية في العالم. فالآن نرى اتجاها واضحا نحو الأشكال الناعمة التي تخاطب شريحة الفتيات الصغيرات، اللواتي يردن أن يستمتعن بكل شيء وفي أي وقت، عوض أن تقتصر مشترياتهن على مناسبات فخمة فحسب. كما نلاحظ اتجاها ذكيا لاستعمال القطعة الواحدة بأكثر من طريقة لتكون الاستفادة أكبر والمتعة أطول. فبروش يمكن أن يستعمل كتاج كما هو الحال بالنسبة لتاج «شانيل» أو كعقد كما هو الحال بالنسبة لـ«شوميه» وغيرهما من بيوت المجوهرات الراقية.

أما إذا كانت الإمكانيات لا تسمح، فإن «لانفان» طرحت تشكيلة يمكن أن تجعل أي أنيقة تتألق في مناسبة مهمة، كذلك المصمم البريطاني ماثيو ويليامسون. لكن كل شيء هنا نسبي، لهذا لا تتوقعي أن تكون برخص التراب.