دور المجوهرات تحول الابتكار إلى استثمار

ادخلي عالم الغرائب واقطفي ورودا وعانقي ثعابين وفراشات

TT

موضة المجوهرات تلعب على ثلاثة عناصر في الوقت الحالي: الاستعمال المتعدد للقطعة الواحدة، حتى تكون استثمارا بعدة وجوه، استعمال كل الألوان والأحجار الكريمة وشبه الكريمة لخلق لوحات مبتكرة ومعبرة، وأخيرا وليس آخرا الاستقاء من الطبيعة، ورودها المتفتحة وكائناتها الحية. أمر ليس بالجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هوس الناس بعالم الطبيعة يعود إلى بداية البشرية تقريبا، حين كانت الحاجة بالنسبة للإنسان الأول أم الاختراع. كانت الملابس حينها تصنع من عناصر طبيعية مثل جلود الحيوانات وأوراق الشجر والنباتات والأصداف، كما تم العثور على إبر حياكة مصنوعة من عظام. ومر الوقت وتطورت الأساليب والمجتمعات، لكن ظل الهوس بالطبيعة وكائناتها حيا. ففي أواخر القرن الخامس عشر مرورا بالقرن السادس عشر، مثلا، بدأت حيوانات مثل الببغاء، والسحالي، والطيور، والثعابين تلهب خيال المصممين، الذين ركزوا في البداية على ألوانها البراقة باستعمالهم أحجار كريمة متوهجة مثل الزمرد والياقوت والزفير أولا وأخيرا، كون الماس لم يكتسب مكانته إلا في القرن التاسع عشر لأنه كان بالنسبة لهم من دون لون. الجديد في الألفية أن الأساليب تغيرت والتقنيات تطورت بشكل كبير لتتحول الحاجة إلى ترف مما ساعد على إبداع كم من المجوهرات تحاكي التحف الفنية جمالا واستثمارا. والملاحظ أن كل من «ديور» و«بوشرون»، «شوميه»، «بولغاري»، «شانيل»، «فان كليف آند أربلز» وغيرهم، أدخلونا عنوة عالم الطبيعة والأدغال، أو بالأحرى حيواناتها، من خلال ملاعبتهم لمخيلتنا بصورها ودلالاتها الشعبية. فهي مرة تصد الحسد ومرات تجلب السعد أو تقي من مكروه وغير ذلك من الدلالات، التي كانت تقوم بها أيضا الأحجار الكريمة مثل الفيروز والياقوت والزمرد وباقي الأحجار من قبل ولا تزال. دار «فان كليف آند أربلز» مثلا تعود دائما إلى الفراشات على أساس أنها تجلب الحظ والسعادة، الأمر الذي التقطته دار «ديفيد موريس» في مجموعتها الأخيرة أيضا من خلال قطع عصرية ومترفة. بينما تتفاءل دار «شوميه» بالنحلة منذ أن طلب منها الإمبراطور نابليون تصميم دبوس يمثل هذا الكائن الحي، على أساس أنه يمنح الطاقة والحيوية. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف عن التفنن فيه حتى تحول إلى ماركتها المسجلة، تماما مثل دار «شانيل» التي لا تهمل زهرة الكاميليا. فرغم أنها تطرح في كل موسم جديدا، إلا أنها لا تستغني عن قديمها المتمثل في هذه الزهرة، التي كانت تتفاءل بها كوكو شانيل. أما «ديور» فيمكن القول إنها وعالم الطبيعة واحد منذ البداية، لكن زاد التحامهما بعد انضمام الفنانة فكتوار دي كاستيلان للدار كمصممة فنية لقسم المجوهرات. فهذه المصممة ذات الجذور الأرستقراطية، مثل الطفلة، مسكونة بعالم الحيوانات والطبيعة، ونجحت أن تصوغ لنا منها قطعا تنفذ من السوق قبل عرضها وأحيانا قبل أن تكتمل صورتها، بفضل زبائنها من الشرق الأوسط والشرق الأقصى الذين يثقون بقدراتها ويقدرون خيالها الخصب. وإذا كان ولعها بالحيوانات جديد على الدار، فإن علاقة هذه الأخيرة بالورود تعود إلى المؤسس كريستيان ديور، الذي كان يتفاءل بزنبقة الماء، ولا تزال حديقة بيته الواقع بدوفيل ملهما للكثير من أزياء الدار وعطورها، وطبعا مجوهراتها الراقية والرفيعة. لكن ما يحسب لفكتوار أيضا أنها هي التي قدمت المرأة إلى كل ما هو كبير ولافت وجعلتها تحبه من دون أن تشعر بأنها متكلفة أو مبالغة، لأن المجوهرات، حسب رأيها، لا تكتسب جمالها إلا إذا نجحت في لفت الانتباه وأكدت وجودها.