بريطانيا تنفش ريشها أخيرا

أسبوع لندن لربيع وصيف 2012.. حافل بالنجوم والبريق

TT

ستكون أعمى إذا لم تلاحظ أن أسبوع لندن بالفعل اشتد عظمه وفتلت عضلاته. فتأثيره موجود في كل مكان وسط لندن، من نهر التايمز حيت يوجد «سومرست هاوس» المركز الرئيسي للأسبوع وضواحيه، التي تمتد إلى منطقة «هولبورن» و«كوفنت غاردن» و«بلومزبيري» حيث تقام العديد من العروض. الجميل أنه ليس بالضرورة أن تتلقى دعوة لحضور هذه العروض لكي تعرف مدى هذا التأثير، إذ ما عليك إلا أن تفتح عينيك لكي ترى أن الشوارع تكتظ بعارضات أزياء بكل المقاييس، لكن على الطريقة البريطانية التي تجنح إلى الجنون والغرابة. من هذا المنطلق لا تستغرب إن رأيت بعضهن تمشي الهوينى على أحذية عالية وهن يستندن على أذرع صديقات، أو بعضهن الآخر وهن يضعن ماكياجا لا يراد منه تجميل الوجه بقدر ما يراد منه خلق صدمة ولفت الانتباه، أو في أحسن الحالات يزين رؤوسهن بإكسسوارات مستلهمة من شخصيات كارتونية وغيرها. لا تستغرب لأنك هنا في لندن عاصمة الابتكار والعجائب. ومع ذلك لا يغرنك هذا المظهر العجيب، وهذا الماكياج السطحي، فوراءه تنتعش صناعة جادة تدر المليارات على البلد.

أنت أيضا ستكون بلا قلب إن كنت من سكان هذه العاصمة، ولم تشعر ببعض الفخر بما حققته في سنوات معدودة من نجاحات جعلتها تتفوق على نيويورك وحتى على باريس، حسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة الأميركية ومدينة أكسفورد البريطانية. فعروضها اكتسبت مصداقية تجارية أكبر، حيث ولى العهد الذي كان فيه مصمموها يقدمون أزياء مصنوعة من أكياس النيلون السوداء أو أوراق الجرائد بسبب شح الإمكانات والدعم من جهة، وبسبب تشجيع معاهد التصميم التي تخرجوا فيها وكانت ترى أن الابتكار يجب أن يأتي قبل أي اعتبارات مادية أو منفعية. لهذا شتان بين الأمس حين كانت الموضة تعتبر مجالا يقتصر على غريبي الأطوار، وبين اليوم بعد أن تحولت إلى صناعة تدر على بريطانيا ما لا يقل عن 21 مليار جنيه إسترليني في العام، أو 37 مليار جنيه إسترليني إذا أخذنا بعين الاعتبار الجانب السياحي أيضا، فضلا عن أنها تشغل 800.000 شخص، على الرغم من أن العديد من مصمميها يتعاملون مع معامل في الصين، أو في إيطاليا أو فرنسا مثلا. وهذا ما استدعى أخذها بمحمل الجد والتعامل معها باحترام من قبل العديد من الحكومات، التي توالت على الحكم.

من العروض التي تميزت يوم السبت الماضي، عرض جوناثان ويليام أندرسون، الذي انتقل من تصميم أزياء رجالية إلى تصميم أزياء نسائية بعد أن اكتشف أنهن يعشقن تصاميمه العصرية التي استعمل فيها تقنيات كانت تستعمل منذ القرن الماضي في الرسم على الأقمشة. كانت هنا تايورات واسعة ومريحة وكأنها بيجامات، وفساتين من القطن تلف على الجسم بطيات وثنيات محسوبة، بعضها مقلم بخطوط رفيعة لتعطي الانطباع وكأنها مستوحاة من قميص رجالي رسمي. لم يكن هذا هو التأثير الرجالي الوحيد على التشكيلة، فالبنطلونات أيضا تميزت ببلسيهات أمامية على غرار البنطلونات الرجالية إلى جانب بلسيهات جلدية على تنورات بطبقات متعددة وأقمشة مختلفة.

في المقابل كان عرض أشيش غوبتا، حديقة متفتحة بكل أنواع الأزهار والورود وكأنه يحاول التفوق على رسامين مثل فان كوخ أو مونيه بطريقته الشقية. فقد تراقصت الفساتين الناعمة المطرزة بالترتر والخرز على أشكال ورود ضخمة وأخرى ناعمة أو نقوشات حيوانات، لتكون النتيجة عرضا شبابيا بمعنى الكلمة. صحيح أن المظهر ككل بدا مبالغا فيه، إلا أننا لو فككناه إلى قطع منفصلة لاكتشفنا أن هناك الكثير من القطع التي يمكن تنسيقها مع لون سادة لتعطي لوحة تسر العين. وكان تنسيقه للأزياء التي تبرق بالترتر مع أحذية رجالية عسكرية بكعوب منخفضة وعالية الساق زارعا فيها باقات ورد، فكرة طريفة خففت من حدة المظهر وأضفت عليه مرحا في الوقت ذاته. إلى جانب الفساتين الناعمة والتنورات القصيرة والقميصولات، أرسل أشيش مجموعة من بنطلونات الجينز مستوحاة من الثمانينات، تتميز بالاتساع وقصيرة، فوق الكاحل، بخصور عالية مشدودة بأحزمة مثل الحبال. هذه أيضا زرع فوقها ورودا متفرقة، ولا شك ستستقطب شريحة معينة من الزبونات الجريئات أو اللواتي يعشقن موضة الفينتاج.

دار «يايغر» البالغة من العمر حاليا 127 عاما، أكبر دليل على نجاح محلات الموضة الشعبية البريطانية وكيف صمدت رغم أنف الأزمات. ليس هذا فقط، فقد ارتقت إلى مصاف الكبار خلال سنوات معدودات. ما قدمه مصممها، ستيوارت ستوكدايل، كان مجموعة مستوحاة من أزياء الرحلات عملية وأنيقة في الوقت ذاته وبلمسة ريترو تحن إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي. المجموعة شملت «شورتات» بأطوال متنوعة بعضها قصير جدا وبعضها يصل إلى الركبة وتنورات مستقيمة وأخرى واسعة إلى جانب جاكيتات يمكن أن تنقل أي امرأة من مناسبة صباحية إلى مسائية بسهولة وأناقة. أهم ما يميزها أنها قصيرة على شكل «بوليرو». أما الفساتين فتميزت بأنها ناعمة بأقمشة عملية مثل القطن.

المخضرمة فيفيان ويستوود، كعادتها قدمت درسا في الأناقة البريطانية أو ما يجب أن تكون عليه: فن وابتكار لكن بأسلوب يمكن تسويقه بسهولة. فقد غرفت من أرشيفها لتعيد صياغة كلاسيكيات أضفى عليها الماكياج الصارخ والتسريحات عصرية.