إيف أشكرافت خبيرة ألوان.. نجاحها من قدرتها على رؤية ما تغفله العين العادية

توافر 14 ألفا من درجات ألوان الطلاء في السوق يسبب الحيرة حتى للخبراء

TT

ربما يبدأ الأمر برمته على نحو بسيط للغاية: رغبة في تغيير لون جدران غرفة المعيشة بعيدا عن الأبيض التقليدي. لكن ما إن تدخل الفكرة إلى البال حتى تبدأ دوامة البحث والاختيار، فهناك المسار المكلف للطلاء الذي يصل سعره إلى نحو 90 دولارا للغالون، وهناك المسار الأكثر شعبية من رالف لوران، وغيره من الماركات. ولا تساعد زيارة متاجر الطلاء في التوصل إلى قرار سريع؛ لأن الخيارات المطروحة لا نهاية لها.

هذا ما تطلق عليه إيف أشكرافت اسم «الدوامة» وحولته إلى مهنة لها. فإيف تعمل كمستشار لوني، وتستطيع، على الرغم من أسلوبها العفوي، أن تذكر أسماء الكثير من عملائها من المشاهير.

فهي التي ساعدت مارثا ستيوارت على تأسيس خط إنتاج للطلاء يعتمد على درجات الأزرق الفاتح. وهي أيضا التي اختارت الدرجة الملائمة من الأبيض لمجموعة ستيف مارتن الفنية في سان ريمو، والرمادي الملائم لقاعة عرض «أرماني كازا».

بالنسبة لأشكرافت، فالمسألة ليست مجرد النصح، فهي تتقاضى نحو 275 دولارا في الساعة لمدة لا تقل عن 10 ساعات. وتضم لائحة عملائها «أناسا عاديين» بالإضافة إلى نجوم السينما وغيرهم من الأفراد الموسرين الذين يمتلكون عدة عقارات.

ويقر ريتشارد بيكر، الذي عمل بشركة خاصة ويعيش في غرينتش بكونكتكت، بأنه تعرض لطارئ طلائي، دفعه للاتصال بأشكرافت لمساعدته في اختيار الدرجة المناسبة من اللون الأسود لفنائه على الرغم من أن كلمة فناء ليست دقيقة تماما إذا علمنا أنه يحتوي على حمام سباحة صممه جيمس توريل.

كما تمكنت في إحدى المرات من جعل سلالم منزل الممثل بي دي وونغ تبدو كثمرة البابايا.

لكن ربما تكون المهمة الأكثر غرابة هي المهمة التي كلفها بها الفنان توماس كنكيد، وهو «فنان الضوء» الذي لجأ إليها لكي تنشئ له خط إنتاج لطلاء مستوحى من لوحاته الضخمة حول الغابات المضيئة والأعلام الأميركية المرفرفة. ومع الوقت تمكنت من استنباط 44 درجة لونية، وعلى الرغم من أن المشروع فشل فإنها تلقت أجرا كبيرا.

ومن المقرر أن تطرح قريبا خط إنتاجها الخاص من الطلاء ويحمل اسم «ألوان إيف أشكرافت»: المجموعة الأساسية. وتشمل 28 لونا، بسعر يصل إلى (110 دولارات إلى 130 دولارا للصفيحة التي تحتوي على لترين ونصف اللتر). كما أنها سوف تقوم بنشر كتابها الأول أيضا «اللون الصحيح: اكتشف المجموعة اللونية الملائمة لكل غرفة بمنزلك».

سر نجاح أشكرافت أنها تستطيع رؤية الأشياء التي تغفلها العين العادية. فبعد سنوات من اختيار الطلاء للمنازل بمانهاتن وغرينتش، أصبحت تدرك أي أنواع الطلاء وأي الألوان تصلح في الأماكن المحددة ووفقا لمستويات مختلفة من الأسعار.

فهي تستطيع إخفاء المعمار السيئ، كما فعلت مؤخرا مع فينس كلارك وتريسي مارتن اللذين كان منزلهما أشبه بمزيج غير متجانس، وفقا لما قاله جاك وتلنغ، المعماري الذي استأجراه لترميم المبنى، والذي أضاف: «لقد كانت كل الأشياء السيئة ظاهرة» ولم يفد الطلاء الذي قدمه المهندس في إخفاء العيوب: نوافذ بنية، وورق حائط أبيض براق للجدران. في ذلك الوقت، اختارت أشكرافت الرمادي المعدني الذي يغطي النوافذ المشرفة على جسر مانهاتن لتخفيف حدة الانتقال من الجدران البيضاء إلى النوافذ البنية.

في كتابها، الذي يلخص رؤيتها في صور ورسوم توضيحية، تظهر أشكرافت كيف يمكن تكوين المجموعة اللونية للغرفة من الأثاث والأعمال الفنية بشكل غير تقليدي أو متوقع. فتقول مثلا: إن الكتل اللونية «تستطيع تحويل مطبخ عادي إلى معرض مثير» وإنه في منزل أو شقة لها إطار قوي، يظهر طلاء الإطار بنفس ألوان الجدران المكان يبدو معاصرا. وتقول أيضا إنه يمكن جعل الأرضيات الداكنة تبدو أكبر، وإنه في بعض الأحيان لا يكون الأبيض هو الخيار الملائم للغرف سيئة الإضاءة.

وتشرح: «في شقق نيويورك، يرغب الجميع في أن تبدو الألوان فاتحة وبراقة، لكن ماذا إذا كانت الغرف صغيرة ومظلمة؟ عليك التكيف مع الأمر بأن تجعلها ككرة كبيرة من الصوف، أكثر الغرف راحة على الإطلاق».

وتعاملها مع ألوان الدهان يفتح العيون على الكثير من الأشياء، وعلى رأسها تأثيرها القوي على المكان، الأمر الذي يفسر مدى انتعاش هذه الصناعة.

فقبل عقدين، أعلن بينامين مور، مثلا، عن إنتاجه 2000 لون، والآن، اتسعت مجموعته لتشتمل على ما يقارب 3500 لون. كما تمتلك شركة «فاين بينتس أوف يوروب» على 14 ألف لون، بينما يشمل خط مارثا ستيوارت 280 لونا. ولدى رالف لوران ما يزيد على الألف لون إذا أخذنا في الاعتبار لمساته الخاصة التي تشتمل على درجة لونية تحمل اسم «ريفر روك» التي تصور مظهرا يبدو أقرب لصخور نهرية مهترئة صقلتها مياه النهر العنيفة، وفقا لغلاف ذلك الطلاء. وهو ما يمكن استخلاص 40 درجة لونية منه.

أكبر مثال على هذا الكم من الألوان شقة أشكرافت. ففي غرفة نومها بمبنى عتيق يشرف على مشروع إسكان بالشارع الرابع يمكنك أن ترى الألوان وهي تغير المكان وتغير النسب وتخلق تناغما بين العناصر المعمارية المتنافرة وتعيد توجيه الضوء إلى غرفة أو تربط بين عناصر منفصلة تماما.

كما يمكن للون أن يصبح وقائيا أيضا؛ حيث طلت أشكرافت أحد الجدران بألوان البرقوق الداكن بارتفاع الدراجة؛ حيث تحب أشكرافت أن تسند دراجتها في ذلك المكان والغرض من اللون هو إخفاء آثار اتكاء الدراجة.

ويبدو المكان بأكمله كحقل لألوان الطلاء – كالمزيج الذي قدمه الفنانان بارنت نيومان وجوزيف ألبرس. فقد طلت الإطار الداخلي لباب مطبخها باللون الأصفر الفضي البراق في تناقض مع المستطيل الأسود الباهت الذي يغطي جدار المطبخ والذي يبدو كسبورة. وفي القاعة الأمامية، يمتد صف عريض من الرسوم الكاريكاتيرية على خلفية من اللون الأخضر الفاتح، صانعا أقواسا ومستطيلات مثل خارطة الطرق لإحدى المدن الأوروبية.

تجدر الإشارة إلى أن أشكرافت لا تجيد الاختيار فقط، بل هي أيضا بائعة صعبة المراس، حسب ما يقوله جون لاهي، الذي يمتلك شركة «فاين بينتس أوف يوروب» التي تقوم بتصنيع طلاءاتها. هو الآخر يدين بنجاحه جزئيا لمارثا ستيوارت، التي راسلها في بداية التسعينات بناء على نصيحة ابنته المراهقة، وعرضت ستيوارت منتجه في مجلتها، ثم دخلت معه في شراكة لإنتاج خط جديد من الطلاء.

لكن جون لاهي يحاول أن يبيع المنطق والعلم وليس فقط الطلاء، قائلا في حوار عبر الهاتف من مكتبه بفرمونت: «السؤال الذي يجب طرحه هو: لماذا يمكن دفع 25 دولارا للغالون لمنتج يدوم من 3 إلى 5 أعوام»؟

وعندما تم سؤال أشكرافت حول طلاءاتها، كانت إجابتها بسيطة: «يمكن تشبيه الأمر بالحصول على مفاتيح سيارة مازراتي. فأنا أؤمن بالمنتج، وفي كل مرة أستخدمه في عملي أشعر بالحماس. بالطبع لا أستطيع إنفاق ذلك المبلغ على طلاء منزلي إلا إذا منحوني خصما». نشأت أشكرافت في برمنغهام بميتشيغان في منزل جدرانه باللون الأصفر الفاتح ويحتوي على مقاعد بوسائد وردية اللون. وكانت والدتها، جولي غوردن فنانة ومصممة ديكور متحمسة وكانت تصنع نسخا من أعمال غينسبورو لأصدقائها. وعلى غرار الكثير من الأمهات في السبعينات، كان لغوردن عادة إعادة رسم الأثاث وتلوينه وهو ما أثر على الابنة وأثر على مسارها.

ففي أحد الأيام، كانت إيف أشكرافت وجاك وتلنغ، وهو مهندس معماري من مانهاتن، يتأملان قصاصة تحمل مجموعة لونية، محاولين اختيار لون لغرفة أراد العميل أن تبدو كالخدود المحمرة، ولكن ما الحمرة؟ أي خدود تلك التي نتحدث حولها؟ هل هي البنية أم الوردية؟

كانت تتجول بمنطقة مألوفة، الفوضى التي تجعل من اللون البني بالنسبة لأحدهم ورديا في عيني الآخر. بعد التطلع إلى حزمة من النماذج الجديدة «تمكنا من الاتفاق في النهاية». وتضيف: «إذا كنت تعتقد أن اختيار لون لغرفة المعيشة أمر صعب، فما البال بالخبراء؟». فلكي تختار ألوان خط إنتاجها الجديد، كان عليها أن تفحص نحو 14 ألف لون صنعتها الشركة قبل أن تتمكن من اختيار 28 فقط.

لكن حتى الألوان التي يختارها المختصون تخفق في بعض الأحيان. يتذكر جامي درايكن، المصمم الذي كان عملاؤه يعشقون تصميماته الوردية، كيف اتهمه عميل مؤخرا بأنه استخدم «طلاء خادعا» في شقته. فقد كان بلون المشمش الداكن، ذلك ما كتبه درايكن في رسالته الإلكترونية، و«كل غرفة كانت ملونة بذلك الطلاء. وعندما انتهى من العمل، كان العميل مقتنعا بأننا استخدمنا درجات لونية مختلفة على كل جدار من الجدران».

وأصبح أكثر غضبا لأنه لم يقبل التفسير بأنه لا وجود للون إلا في حضور الضوء وأن المظهر يمكن أن يختلف وفقا للوقت من النهار، والظلال، والمصابيح، والإضاءة... إلخ، بل إنه استخدم مصطلح «الطلاء الخادع» وكأننا استخدمنا نوعا من الاحتيال الغامض.

ويضيف درايكن: لست متأكدا حتى الآن ما إذا تمكنت من تهدئته على الرغم من أنني أعدت طلاء الشقة، و«أعتقد أن شكوكه مستمرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»