توجه التصميم إلى الديمقراطية يفقد المتفرد بريقه

أصبح الأصيل والحرفي يبدو موحدا مع انتشار نسخ منها في المحلات التجارية الكبيرة

TT

أثثت كاسي باربر، (33 عاما)، منزلها الواقع بنيوجيرسي، بأساسيات معقولة السعر من محلات تجزئة كبرى، شملت قطعا ضرورية مثل «منضدة من (إيكيا)». لكن في ما يتعلق بالكماليات، اختارت باربر، وهي كاتبة ومحررة موقع Good.Food.Stories الإلكتروني، البحث عن الفريد والصناعة اليدوية - وهي الأشياء التي تعبر عن شخصيتها وعن إحساس بالأصالة.

أحد مقتنياتها الثمينة، التي تتدلى على جدار الدرج، رسم مطبوع لجي هيل ديزاين، يحمل صورة لجسور بيتسبرغ، حيث نشأت وقضت طفولتها. كما أنها تملك مجموعة من الملصقات الفنية الأخرى اشترتها من موقع «إتسي» (etsy) الإلكتروني لبيع الأعمال الحرفية، بالإضافة إلى عدد من الخرائط الفريدة، ومجموعة من البطاقات البريدية ترجع إلى الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وتمثال نصفي من الكرتون لبيسون أميركي اشترته من متجر في شيكاغو يبيع أنتيكات وإكسسوارات منزلية غريبة الطراز.

لكن مؤخرا، بدأت كل تلك الأشياء الأصلية تفقد بريقها، كما تقول السيدة باربر: «الأشياء التي كانت تقدرها بسبب تفردها بدأت تبدو كأنها (تصميم موحد)، خصوصا مع انتشار الأشياء (الفريدة من نوعها)، وتوافرها في محلات التجزئة الكبرى. على سبيل المثال، تروج محلات ويست إيلم لمعروضات من (إتسي)، وكلفت محلات (ريستورايشن هاردوير) فنانين بتصميم منتجات تبدو قديمة الطراز، وتبيع محلات (بوتري بارن) قطعا كلاسيكية مثل جرة المخللات من المجر، وأغطية الوسائد المصنوعة من أكياس الحبوب القديمة. وحتى CB2، المحلات العصرية أصبحت تروج لمجموعة من المنتجات العتيقة محدودة الكمية تحت مسمى (واحدة من الاكتشافات)».

تقول السيدة باربر: «إذا أمضيت وقتا كافيا في مشاهدة هذه الأشياء، تلك عتيقة الطراز أو المصنوعة يدويا أو الملائمة فقط، فستشعر بالإجهاد سريعا».

متى تكون الأصالة مبالغا فيها؟ سؤال قد يطرأ على ذهن أي شخص يواجه طوفانا من المنتجات الأثرية والحرفية المتاحة الآن على الإنترنت وفي المتاجر الكبرى. بمعنى آخر، هل وصلنا أخيرا إلى مرحلة التشبع، التي تفقد فيها «الأصالة» قيمتها الخالدة وتبدأ في الخفوت؟

تقول فانيسا هولدن، مديرة الإبداع في «ويست إيلم»، التي كانت رئيس تحرير مجلة «مارثا ستيورات ليفينغ»، سابقا: «إنه شيء نفكر فيه كثيرا.. إنها كلمة تتردد في كل مكان بسهولة. عندما نتحدث عن الأصالة، نكون جادين للغاية بشأن الاقتراب من المصادر بقدر الإمكان في ما يتعلق بالحرفية أو التنفيذ».

منذ عام مضى، عقدت محلات «ويست إيلم» للأثاث الحديث، التي كانت تعمل مع فنانين وحرفيين، شراكة مع موقع «إتسي» للبيع عبر الإنترنت، الذي أصبح محركا ومركزا لحركة بيع جميع المنتجات المصنوعة يدويا.

وتعرض محلات «ويست إيلم» حاليا منتجات لـ«إتسي» في كتالوغاتها وعلى موقعها الإلكتروني، وتستضيف فعاليات تحت عنوان «نحن نقدر الفن المصنوع يدويا»، التي توفر للبائعين مساحة مادية يمكنهم فيها أن يبيعوا منتجاتهم. وفي الأول من ديسمبر (كانون الأول)، ستستضيف المحلات ليلة «إتسي» في جميع فروعها حول البلاد. في حين ربما تكون هناك فوائد غير معلنة، إلا أن «ويست إيلم» لا تتربح من مبيعات «إتسي». يشتري المستهلك مباشرة من البائعين، ولا توجد نسبة مستقطعة من أجل المحلات. وتضيف هولدن: «المهم هو إضافة تلك الفنون المتنوعة إلى المزيج الذي نقدمه».

في الوقت ذاته، تعمل محلات «ريستوريشن هاردوير» مع عدد من الفنانين من أجل إنتاج نسخ قديمة الطراز، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القطع التي تبدو أثرية، في كتالوغ الشركة لمنتجات الخريف والمكون من 616 صفحة، ويحتوي على تعريف بالفنانين على طريقة المجلات. من جانب آخر، تبيع محلات «بوتري بارن»، التي يملكها ويليامز سونوما، مالك «ويست إيلم»، منتجات أثرية من جميع أنحاء العالم في مجموعة تسمى «اكتشاف». وكذلك تقدم محلات «CB2» مجموعتها المختارة من القطع الأثرية، مثل الدمى المصنوعة يدويا من الهند، وخط منتجات يحمل اسم «لمسة يد»، وسجاد مصبوغ وملفوف بأغطية محبوكة تشبه السترة - ذات عناصر صناعة يدوية. من خلال تلك الدمى الأثرية وقطع الأثاث المصنوعة يدويا، تحاول مارتا كالي مديرة «CB2» إضفاء لمسة جمالية رفيعة على هوية الشركة. وتجيب السيدة كالي التي التحقت بالعمل في الشركة في عام 2004، عن سؤال حول كيفية إضفاء النعومة على المتجر قائلة: «عندما وصلت إلى الشركة في البداية، كانت فاترة وعقيمة بعض الشيء، ولا داعي للقول إن وجود كثير من الفنانين ساعد الشركة».

كان جايسون لويس، (36 عاما)، أحد الحرفيين الذين استعانت بهم محلات «CB2»، فهو يصنع الأثاث حسب الطلب في متجره في شيكاغو قبل أن يبدأ العمل مع الشركة منذ عامين. منذ ذلك الحين، صنع بيديه مجموعة من 200 منضدة جانبية من خشب الجوز الأميركي، والتي تبيع الشركة الواحدة منها بسعر 400 دولار، ويقول لويس إن ذلك يشكل نصف المبلغ الذي كان يطلبه عندما كان يصنعها في متجره. وصمم لويس أيضا العديد من المقاعد التي تنتجها الشركة بكميات كبيرة في الصين. ويقول إنه علاقته مع «CB2» «غيرت من نشاطه بالتدريج، ففي الماضي، كانت سوق منتجاتي محلية. والآن تأتيني طلبات من جميع أنحاء البلاد». يقول ستيفن دراكر، رئيس تحرير «هاوس بيوتيفول» السابق، إن التزيين «دائما ما يحقق هدفين: الراحة وحسن المظهر. فجرة التخليل المجرية التي ترجع إلى الثلاثينات من القرن الماضي أو أي شيء يباع عبر موقع (إتسي) يقوم بنفس الغرض، مثل منفضة رماد السجائر السويدية التي يبلغ ثمنها 20 جنيها بالنسبة لوالدي. فهي تعبر عن ذاتها قائلة: أنا مختلفة وجريئة وغير مثيرة للضجر».

من جهتها، تعلق سارة فيرشين، محررة مدونة «كيربد ناشونال» للعقارات والتصميم الداخلي، على فكرة التسويق الجماعي لتلك المنتجات قائلة: «تجعل محلات التجزئة هذه النوعيات من السلع متاحة للأشخاص الذين لا يستطيعون العثور عليها أو تحمل أسعارها».

وتتفق معها مولي إردمان، (37 عاما)، الممثلة والكاتبة في لوس أنجليس، مشيرة إلى تلك المحلات قائلة: «إنها خطوة ذكية، لأنها تحاول السماح للجمهور بالحصول على مظهر فني، ولكن من متجر في مركز تجاري محلي يسهل شراؤها منه».

وعلى الرغم من أنها تسخر من هذا الطراز على مدونتها «كتالوغ ليفينغ»، فإنها لم تسلم من سحر «القطع الحميمة» كما تصفها. وتفخر السيدة إردمان بأنها تملك قفص طيور أثريا مقلدا، يحتوي على بومة مصنوعة من البورسلين، اشترته من متجر بسعر مخفض. وتعلق: «هذه هي المأساة. لو شاهدته في كتالوغ، لكنت سخرت منه، وفي الوقت ذاته سأشعر بالرغبة في الحصول عليه». وتضيف: «لدي خطة كبيرة أسوأ، وهي أنني أنوي تعليقه ليتدلى من السقف وأضع أضواء احتفالية بداخله. قضيت وقتا طويلا في الاطلاع على تلك المواقع الإلكترونية وقد أثرت علي كثيرا».

لن يفاجئ ذلك ماكسويل غلينغهام ريان، مصمم الأثاث الذي أسس موقع Apartment Therapy، وهو موقع يحظى بنسبة قراءة عالية. فهو يؤكد أن شعبية الطراز القديم بدأت منذ عشرة أعوام، وأنها لن تخفت في أي وقت قريب، قائلا: «يسعى الناس الآن إلى الأشياء التي تتسم بالأصالة، وأعتقد أن هذا الاتجاه بدأ بعد عام 2001. في البداية، كانت هناك أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ثم حالة الركود الاقتصادي. وكانت هناك حالة من الضجر بما هو براق ومتكامل، على العكس من الأثري والحرفي، الذي يجد صدى لدى الناس في هذه الفترة».

ولكن، ربما لا يكون ذلك مع الجميع، كما يقول ديمتري سيغيل: «عندما تضع أحد منتجات (إتسي) فوق منتج آخر من (إتسي)، يصبح المظهر متنافرا ويبدأ كل شيء بمحو ذاته». وكان السيد سيغيل، البالغ من العمر 38 عاما، قد فقد كل شيء تقريبا بما فيه مجموعة كبيرة من الأثاث قديم الطراز، عندما اشتعلت النيران في شاحنة نقل الأثاث التي كانت تحمل مقتنياته وأسرته من فيلادلفيا إلى بيته الجديد في كاليفورنيا في الخريف الحالي، ولم يتم إنقاذ سوى القليل، مثل منضدة طعام قديمة الطراز، ورسم يرجع إلى القرن التاسع عشر «لحيوانات مكسوة بالفراء في مشهد ريفي»، تقول زوجته، السيدة كونز، إنهما اشترياه من سوق السلع المستعملة في بيركشاير. وعلى الرغم من أن مقتنياتهم القديمة كانت ملائمة في منزلهم القديم، فإنها لم تتماش مع حياتهم الجديدة.

تقول كونز: «كنت أملك مجموعة كاملة من أكواب الشاي العتيقة التي أصبحت بالنسبة لي الآن بشعة تماما، وأشعر كأنني أريد أن أشعل فيها النار لأتخلص منها تماما».

ولاحظ الزوجان عندما بدآ في تأثيث منزلهما الجديد من الصفر، أنهما يختاران قطعا ذات طراز حديث، يصفها السيد سيغيل بأنها «يمكن أن تكون خلفية لأي شيء يهتمان به في الوقت الحالي»، بمعنى أنهما لم يحاولا «التعبير عن شخصيتهما وفرديتهما الكاملة في كل قطعة في المنزل».

تطلق السيدة كونز، التي أكملت مؤخرا رسالة الدكتوراه في علم النفس السريري، على ذلك بأنه «الحس الجمالي غير المزخرف، فليست هناك وسائد مطبوعة بأشكال طيور وما شابهها». وتستطرد: «في الواقع، كانت لدينا كثير من الوسائد المطبوعة بصور الطيور، بالإضافة إلى مفرشين للسرير وصور على الحائط، لكننا تحولنا الآن إلى الجهة المقابلة».

* خدمة «نيويورك تايمز»