الـ«ميدي».. يخاصم الكاحل ويتعالى على الركبة

طول يحاول أن يجد له مكانة بين الـ«ميني» والـ«ماكسي»

TT

لم تكن الألوان الصارخة ولا النقوشات المتضاربة الخبر الذي هز الأنيقات وأقلق هدوءهن في الموسمين الأخيرين، بل كان ذلك الطول الذي يرفض ملامسة الكاحل من جهة، ويتعالى على الركبة من جهة ثانية. بعبارة أخرى الطول الذي يجلس عند نصف الساق ويطلق عليه الـ«ميدي». موضة عانقتها الجدات في الثلاثينات من القرن الماضي، وابتعدت عنها بناتهن لعدة عقود قبل أن تضطر الحفيدات إلى معانقتها مرة أخرى في السبعينات لتختفي ثانية وتظهر في الموسمين الأخيرين. سبب القلق الذي أصاب الأنيقات معروف وواضح، فهذا الطول معقد وغير سهل، مما يستدعي التعامل معه بالكثير من الحذر أيا كان شكل المرأة وأسلوبها. فهو إن لم يظهر المرأة القصيرة اقصر مما هي عليه، فمن الممكن أن يظهر المرأة الفارهة الطول «دقة قديمة» إذا لم تتقن اختيار الإكسسوارات ولعبة التنسيق وشكل التنورة. أما في حال اختير بدقة فإنه يضفي على المرأة مظهرا يجمع بين الحداثة والرومانسية، كما ظهر في عروض كل من «شانيل» و«كلوي» و«لوي فيتون» مثلا.

بيد أنه وعلى الرغم ما قد يكون للـ«ميدي» من جماليات على رأسها أنه محتشم ويناسب البيئات المحافظة، فإنه يرتبط بالأزمات الاقتصادية الكبيرة أو على الأقل عدم الاستقرار، إن صح القول. كما يؤكد النظرية القائلة إنه عند الأزمات يزيد طول الفساتين والتنورات. فقد ظهر أول مرة في الثلاثينات، الفترة التي عاش فيها العالم واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية. أزمة جاءت بعد الطفرة التي شهدتها العشرينات وتسيد فيها الفستان الأسود الناعم والقصير. وفي رواية «تاندر إيز ذي نايت» Tender Is the Night للكاتب سكوت فيتزجرالد، مثلا، كانت هناك إشارة ترمز لهذا الأمر عندما ارتدت البطلة فستانا طويلا تجاهلته لزمن في دلالة واضحة على انتهاء مرحلة وبداية أخرى ليست بالضرورة أحسن من سابقتها.

تعلق مؤرخة الموضة براندا بولان على الموضوع بقولها: «إننا بين الطول القصير الـ(ميني) والطويل الـ(ماكسي) حاليا لأننا نعيش حالة اقتصادية تتأرجح بين التقشف وبين الرفاهية. فعندما ظهر الـ(ميدي) أول مرة في الثلاثينات والأربعينات كانت الفكرة هي أن تظهر المرأة بشكل أنيق ومحترم، ثم عاد لفترة قصيرة في السبعينات بشكل أكثر أنثوية وإثارة ومع ذلك لم يدم طويلا بسبب بعض إيحاءاته السلبية، مثل كونه الطول الذي تتبناه الملكة، وبالتالي ارتبط بسن معينة وبصورة غير مثيرة». وتشير بولان أيضا إلى أن الحالة غير المستقرة ولدت نوعا من الحنين إلى الماضي بمبادئه وأعرافه «فالمرأة التي أقابلها هذه الأيام تقبلت فكرة أن الوظيفة الخارقة التي كانت تحلم بها لم تعد ممكنة، لهذا فهي تفكر أكثر في تكوين أسرة وبيت سعيد يتوفر على كل ما تتطلبه من راحة ودفء. أي أنها تحن إلى وقت كانت فيه الحياة سهلة وبسيطة، حين لم يكن يتوقع منها سوى الحصول على وظيفة سكرتيرة لكي تتزوج من مديرها».

وسواء اتفقنا مع رأي بولان الأخير عن تغيير المرأة أولوياتها أم لا، فإن الملاحظ أنها فعلا بدأت تحن إلى موضة الماضي بكل ما تتضمنه من كلاسيكية وهدوء بعيدا عن الدرامية والاستعراض. وقد يكون السبب في هذا سلسلة «ماد مين» وما خلفته من صدى طيب في عالم الموضة، وكان له دور مهم في تسويق هذا الطول بنسخة عصرية أنيقة. فتشكيلة «جوسي كوتير» لهذا الموسم، مثلا مستلهمة من هذه السلسلة، كما أن عروض الأزياء في المواسم الأخيرة شهدت الكثير من التصاميم المستلهمة من الخمسينات والستينات التي تجسدها أحداث السلسلة، مثل «لوي فيتون».

المصممة بريت لينتر، التي تصمم للمرأة العاملة أولا وأخيرا، بحكم عملها في المؤسسات المالية لسنوات قبل أن تتحول إلى تصميم الأزياء، تقول إن الطلب على هذا الطول في قمته الآن «فمنذ مدة قصيرة قدمنا عرضنا استوحيناه من السلسلة التلفزيونية (ماد مين) التي عانقت كل ما تتوق إليه المرأة من أنوثة وكلاسيكية، والـ(ميدي) يحترم كل عناصر الجمال وفي الوقت يحتفظ بلمسة أنوثة مثيرة».

لكنها تعود وتضيف أنه «عندما يتعلق الأمر بأجواء العمل فإن المرأة لا تقبل على الطول الذي يعيق حركتها كما لا تريد أن تظهر بإطلالة مضت موضتها، لهذا لا أعتقد أنه سيدوم طويلا».

المشكلة أنك سواء كنت ممن سيركبن هذه الموجة ويعتبرنها عصرية، أو يعزفن عنها باعتبارها لا تضفي على المظهر الكثير من الأناقة، فإن هذا الطول سيبقى لبضعة مواسم على الأقل، مما يعني أنه سيفرض نفسه عليك شئت أم أبيت، خصوصا أن من يسوقه لك بشدة مصممون من أمثال كارل لاغرفيلد وميوتشا برادا ومارك جايكوبس وغيرهم ممن لا تستطيعين مقاومة تصاميمهم وإلحاحهم. فأول مرة أثار فيها الـ«ميدي» الانتباه، مثلا، كان حين قدمه كارل لاغرفيلد، من خلال تشكيلة راقية «هوت كوتير» لدار «شانيل» تبدو وكأنها تخاطب الشرق باحتشامها الصادم تارة، وتارة أخرى وكأنها تحيي المؤسسة «كوكو شانيل». فهذه الأخيرة كانت دائما تحرص على تغطية الركبة، وتردد في كل المناسبات أنها لا تفهم لماذا تريد المرأة الكشف عن هذا الجزء القبيح من الجسم. لكن مما لا شك فيه أن لاغرفيلد، عاد إلى هذا الطول بعد أن قرأ السوق جيدا وعرف أن المرأة الشرقية لا يستهان بقوتها الشرائية، وما تريده أو تحتاجه يجب أن يلبى ويستجاب. فعرضه جاء سخيا بتنورات مصنوعة من التويد زادت شبرا عن طولها القديم. بعده، جاء الدور على مارك جايكوبس الذي قدمه في تشكيلة استوحاها من فترة الخمسينات لدار «لوي فيتون»، كما لم تتأخر «برادا» عن الركب ولا «كلوي». كل هؤلاء قدموه بأساليب مختلفة، منها ما هو رومانسي ومنسدل مثلما قدمته دار «كلوي» Chloe ومنها ما هو أنثوي كما قدمته كل من «لوي فيتون» Louis Vuitton و«ديور» Dior أو مفصل ومشدود على الجسم مثلما ما قدمته «شانيل» Chanel و«دريز فان نوتن» Dries Van Noten. ونظرا لأهمية التوقيت، فإن مصمم دار «لوي فيتون» مارك جايكوبس، ودار «كلوي» استفادا من كونهما ليسا أول من طرحه. فعندما أرسلا عارضاتهن في فساتين بتنورات تتسع وتنسدل إلى نصف الساق، كانت العين قد بدأت تتعود عليه بل وتستحيله، مما منحهما فرصة نجاح أكبر، شهدت تهليل محررو الموضة والخبراء على أساس أن تشكيلاتهما أنيقة وأنثوية بالكامل، خصوصا أنهما أرفقاها بإكسسوارات مغرية، تشمل حقائب اليد وقفازات وما إلى ذلك.

لكن هذا التهليل والاحتفال بالـ«ميدي» كموضة أنيقة على منصات عروض الأزياء، لا يعني أنه من السهل ترجمته في أرض الواقع بنفس الجمال، لا سيما أن الطول الفارع ليس سمة كل النساء، وما يبدو على العارضات أناقة رفيعة، قد يبدو على المرأة العادية خيمة من دون ملامح وخطوط.

وهذا ما يفسر أن وصوله إلى ارض الواقع كان بطيئا لم يترجم بارتفاع في المبيعات أو بتقليد شوارع الموضة له بشكل كبير. لكن المصممين مصرون على التعامل معه كتحد يحفزهم على المزيد من الإبداع لتفنيد سلبياته وجعله أكثر رومانسية، وهو ما نجح فيه الكثير منهم إلى حد الآن وعلى رأسهم «كلوي» و«شانيل». والنتيجة أنه إذا كان فصل الصيف جعل الماكسي يغزو خزانات الأنيقات مزيحا القصير من المنافسة، على أساس أنه فقد مصداقيته ولم يعد مناسبا أو جذابا، فإن الطول الـ «ميدي» لا شك سيزيح الماكسي خلال فصلي الخريف والشتاء المقبلين، إذ إن هناك إشارات قوية بذلك بعد ظهور الكثير من النجمات به في مناسبات كثيرة.