الهند تعود إلى أصلها الأسمر

الجيل الجديد من الشباب يهتم بالعقل والذكاء والثقة قبل لون البشرة

TT

«مطلوب فتاة حسنة المظهر ذكية»، هذا هو الإعلان الجديد لطلب عروس في الصحف الهندية، بعد أن كان في الماضي «مطلوب فتاة بيضاء جميلة»، مما يسجل تغيرا ملحوظا في ذوق الجيل الجديد من الشباب الهنود.

فقد أوضح الموقع الإلكتروني للزواج في الهند «Shaadi.com» في استطلاع رأي أخير بين أعضائه أن المواصفات التي يبحث عنها الرجال في شريكة حياتهم مختلفة عما كان يطلبه آباؤهم وأجدادهم. فهم الآن يبحثون عن التكافؤ الثقافي والعقلي والاقتصادي مع شريكة حياتهم أكثر مما يبحثون عن لون بشرتها. هل يمكن القول إن التفكير لا لون البشرة هو الذي يتجه نحو الإشراق؟ ليس كثيرا. ما زالت مبيعات كريمات تفتيح البشرة في شركات مستحضرات التجميل في الهند هي الأكبر وتزداد سنويا بنسبة تتراوح ما بين 10 و15 في المائة، مما يوضح أن إعادة الهند إلى جذورها ستستغرق عقودا، وإن كان الوضع الجديد يشير إلى أن الذكاء والثقة ينافسان البشرة البيضاء وعيون الغزلان والشعر الطويل على قلب الرجل ووجدانه. وبما أن للسينما الهندية تأثيرا كبيرا على العقلية الهندية، فإن فضلا كبيرا في هذا التغير يعود إليها. فالملاحظ في السنوات الأخيرة أنها باتت تروج لنموذج المرأة الذكية الجذابة ذات البشرة الداكنة.

تقول مورين واديا من «غلادراجس ميغا موديل هانت» التي تأسست في عام 1991 واكتشفت أهم عارضات الهند أن «هناك بالفعل تغيرا لا يمكن إنكاره». يبدو أن مجال الإعلانات والترفيه في الهند قد تخلى عن معيار الجمال الهندي الذي يؤكد أن «البيضاء هي الأفضل». فالمرأة ذات البشرة الداكنة تروج اليوم رسائل مقنعة عن علامات تجارية عن مستحضرات التجميل، وهو ما يعد تحولا في صناعة ظلت متمسكة لفترة طويلة بدرجات البشرة الفاتحة. تقول مورين: «بات المستوى الفكري ومستوى الذكاء أهم من المظهر حاليا. نحن نبحث عن ملكات جمال ذكيات وحسناوات في الوقت ذاته». جدير بالذكر أن لون البشرة في الهند أمر يضرب بجذوره في عمق الثقافة الهندية وهو إرث يعود إلى الكثير من العوامل منها الاستعمار والتنميط وثقافة السينما الأميركية التي تصدر نموذج المرأة الشقراء. لماذا إذن نشهد تغييرا الآن؟ والجواب حسب قول شوشما بوري، الرئيسة التنفيذية لإليت موديل مانجمنت، والتي تعمل على تعيين وتدريب آلاف العارضات يعود إلى تحسن إدراك عالم الإعلانات: «إنهم يبحثون عن فتيات جذابات يستطعن بيع علامات تجارية طموحة، لكن في الوقت ذاته يمكن للمرأة العادية التماهي معهن، لذا ليس من الضرورة أن يكن من ذوات البشرة البيضاء».

لغة الإعلانات أيضا تغيرت، فبدلا من استخدام عبارة «لبشرة بيضاء» تم استخدام عبارات مثل «لإشراق واضح» و«بريق». تقول مالفيكا ميهرا، المديرة الإبداعية لـ«أو أند إم» في بانغالور: «الفكرة هي التحدث عن البشرة السليمة بغض النظر عن لونها».

ورغم حقيقة أن النجمات ذوات البشرة الفاتحة مثل أشواريا راي ومارينا كابور وكاترينا كايف هن من يتصدرن المكان الأبرز في السينما الهندية، ما زالت هناك مساحة للسمراوات وذوات البشرة الداكنة. ويساعد وجود بيباشا باسو ودبيكا بادكون وبريانكا شوبرا وكاجول وسميرة ريضي ولارا دوتا وديانا هايدن وفريدا بينتو وغيرهن في استمرار هذا النهج. ولا يجب أن ننسى أن الكثير من هؤلاء الممثلات فزن بمسابقات جمال الفلاحات. وتعد النجمة الجذابة شيترانغادا سينغ من الممثلات اللاتي رفضن الاشتراك في إعلانات عن كريمات تفتيح البشرة لأنها كما قالت سترسل إشارات خاطئة للجمهور. ورفضت كل من بيباشا باسو وبريانكا شوبرا عروض مماثلة. وتم تتويج بيباشا باسو لتكون أكثر النساء إثارة في آسيا عامي 2005 و2007، بينما حصلت بريانكا شوبرا على اللقب عام 2006، وحصلت دبيكا بادكون عليه عام 2009. ويوضح هذا مدى شعورهن بالارتياح تجاه لون بشرتهن.

تقول شيترانغادا: «لن أغير أي شيء في شكلي. عندما أوشكت على الترويج لكريم تفتيح البشرة، شعرت بالذعر، فأنا أحب لون بشرتي. أنا سمراء اللون وهندية حقيقية وسعيدة بهذا».

ويأمل العاملون في الصناعة أن يصل قبول النساء ذوات البشرة الداكنة إلى الجماهير. وتقول المصممة ريتو كومار، التي تصمم أزياء لعروض ملكة جمال الهند منذ عقود وشاركت في لجان تحكيم عدة مسابقات ملكات الجمال: «نحن نرى بالفعل تغيرا واضحا في التوجهات في المدن، ووصول العدوى إلى القرى والمدن الأصغر مسألة وقت فقط. لقد بدأ الرجال يدركون أن الجمال لا علاقة له ببياض البشرة». وتضيف: «الموضة والحملات التجارية تستعين بالعارضات السمراوات حاليا، وحتى المشاركات في مسابقات ملكات الجمال ينتمين إلى أعراق مختلفة ولا يأتين من شمال الهند فقط»، في إشارة إلى أن بشرة سكان جنوب الهند أكثر دكانة من بشرة سكان الشمال.

وتعتقد ساثيا ساران، الصحافية والمؤلفة البارزة، ورئيسة التحرير السابقة لمجلة المرأة «فيمينا»، أن المرأة الجميلة تجذب انتباه الجميع، لكن لم يعد من الهام تفحص مظهرها بدقة ومعرفة ما إذا كانت ملامح وجهها جميلة أو ترتدي ثيابا أنيقة.

لذا تعنى الهند الحديثة بنمط آخر من الجمال. يكفي أن تنظر إلى الفتيات القصيرات المكتنزات ذوات البشرة الداكنة وهن يقمن بأدوار في مسلسلات درامية أو يقرأن النشرات الإخبارية على شاشة التلفزيون الهندي. فهن يهيمن على عالم الموضة والأزياء مثل كارول غراشياس ولا شكمي رانا وتينو فيرغش ودياندرا سوارس بأجسادهن المختلطة وبشرتهن الداكنة.

في بداية العام الحالي، اتخذت مجلة «فوغ إنديا» خطوة جريئة للغاية عندما تصدرت غلافها صورة تضم خمس عارضات من «ذوي البشرة الداكنة». وكان موضوع العدد الحاجة للاحتفاء بـ«اللون الأصلي» للهنديات. حظي الغلاف بثناء صحافيي الهند الذين رأوا أن هذه الخطوة توضح تحولا كبيرا في التوجهات. وتقول نونيتا كالرا، رئيسة تحرير مجلة «إيل إنديا»: «لدى الهنود مفهوم عالمي عن الجمال ونحن مطلعون على الآراء والقيم العالمية. لقد حدث القبول منذ زمن طويل، لكنه أصبح الآن حقيقة راسخة».

وتوافقها الرأي آنيل شوبرا، الرئيسة التنفيذية لشركة الموضة والجمال «لاكمي ليفير» بقولها: «إن الاهتمام بالبشرة البيضاء يقل بمرور الوقت. يكفي أن تنظر إلى أسبوع الموضة في الهند لتعرف أن أكثر من نصف العارضات من ذوات البشرة الداكنة. أنا أشارك في لجنة التحكيم كل عام ولم أر أو أسمع في أي مرة تعليقًا على لون البشرة».