أسرار الأحجار الكريمة بين الطب والجمال

سحرها جذب النساء منذ آلاف السنين

TT

تربط الإنسان بالأحجار الكريمة، علاقة وطيدة يطال تأثيرها الكثير من نواحي حياته، الاجتماعية، النفسية، الطبية، الجمالية وحتى الدينية. ولكن هذه العلاقة لا تخلو من بعض الالتباس والغموض لما حيك حولها من أساطير ترتبط أحيانا بالسحر والشعوذة وأحيانا أخرى بطرد الأرواح الشريرة ودرء الحسد والعين، وغيرها من الاعتقادات التي تعيش في المخيلة.

وعلى الرغم من وجود نحو 4 آلاف نوع معروف من المعادن في القشرة الأرضية، فإن وصف «الأحجار الكريمة» لا ينطبق إلا على عدد ضئيل جدا منها، تحدده ظروف الطبيعة في المقام الأول، من صفاء وقوة وتوهج، فضلا عن الكمية المتوفرة منه. فالحجر الذي قد يكون كريما لندرته، تتراجع أهميته ويفقد صفته عندما تكتشف كميات كبيرة منه، مثلما حدث لحجر «الجمشت» الذي كان يقتصر استعماله على الملوك في العصور القديمة حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وما إن اكتشف الجيولوجيون مناجم غنية به في جنوب البرازيل، حتى تهاوى سعره ومكانته في الوقت ذاته.

وتختلف الأحجار في تكوينها باختلاف المادة الشائبة التي تدخل في المركب الأساسي «السيليكا»، كما تتفاوت ألوانها بتفاوت درجة الشفافية، النقاء ونوع الشوائب العالقة، وهي توجد غالبا في المناطق ذات الطبيعة البركانية، حيث تعمل الحمم على إخراجها من أعماق الأرض. غير أن هناك أحجارا ليست من المعادن بل تنشأ عفويا من الطبيعة، مثل اللؤلؤ والكهرمان الأسود والعاج. ويختلف تركيب كل حجر عن الآخر من حيث الظروف والعناصر المكونة ونوع الشوائب المتداخلة خلال عمليات التركيب الأساسية، لكنها كلها مكونة من عنصرين أو أكثر، ما عدا الماس المكوّن من عنصر واحد هو الكربون. ويحتل الماس بصلابته المرتبة الأولى ثم الياقوت، يليهما الزمرد واللؤلؤ فالزفير. وكلها أحجار عرفها البشر منذ نحو 40 ألف عام، واستخدموها في صناعة العقود والتمائم والحلي، كما استعملوها رؤوسا لسهام الصيد نظرا لصلابتها ومتانتها. وعلى الرغم من أن أول قطع للمجوهرات كانت مصنوعة من العظام وأسنان الحيوانات، فإن المصريين القدماء تزينوا بالثمينة منها منذ آلاف السنين، وحتى اليوم لا تزال تتسابق النساء على ارتداء الأجمل والأغلى رغبة في التألق وجذب الأنظار.

في هذا الصدد، يقول فواز غريوزي أحد أبرز مصممي المجوهرات العالميين: «من خلال رحلتي في هذا العالم تأكدت بأن الجواهر شيء أنثوي جدا. فهي لا تبرز جمال المرأة وذوقها فحسب، بل إن المرأة نفسها تعشقها، بغض النظر عن جنسيتها ومركزها والطبقة التي تنتمي إليها. أهمية هذه المجوهرات لا تكمن في جماليتها وحدها بل أيضا في ارتباطها بمناسبة عاطفية وخاصة. فغالبا ما تحصل عليها في مناسبات سعيدة من حياتها».‏ من هذا المنطلق تبارى المصممون على طرح تصاميم مبهرة، والبحث عن أحجار نادرة في صفائها وتميزها لصياغة قطع فريدة تزيد من جمال المرأة؛ سواء كانت على شكل أقراط أذن أو خاتم. فالأقراط الطويلة تبرز جمال العنق، واللؤلؤ يشير إلى نعومة صاحبته، والياقوت يعكس حيويتها ونشاطها، والزمرد يبرز جمال العيون وهكذا. وتشكل النجمات في الغرب كما في الشرق، أكبر مثال على هوس النساء بالمجوهرات والأحجار الكريمة، فالنجمة الراحلة إليزابيث تايلور، التي اشتهرت بكثرة زيجاتها وبتجميع كل ما غلا ثمنه من المجوهرات، لم تظهر يوما من دون لآلئ أو عقود مرصعة بالماس أو الياقوت أو الزمرد. فقد اقترنت بتسعة رجال وتلقت طوال السنين هدايا تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، أبرزها ماسَتَيْن نادرتين تلقتهما هدية من زوجها الخامس، الممثل البريطاني ريتشارد برتون، الأولى تزن أكثر بقليل من 69 قيراطا، والثانية ماسة مربعة (كروب) تزن 33 قيراطا. أما أم كلثوم التي اشتهرت في حفلاتها بالتزين ببروش ماسي على صدرها وخاتم كبير يتدلى منه «إيشارب» طويل، شكلا معا طقسا من طقوس الغناء بالنسبة لها، فكانت تملك مجموعة نادرة، بيع قسم منها في مزادين علنيين. في الأول، بيع عقد من اللؤلؤ صنع في العام 1880 ومكون من عدة صفوف من اللؤلؤ ومطعم بالأحجار الكريمة، وفي المزاد الثاني طقم مصنوع من الزمرد واللؤلؤ والماس يشمل بروشا على شكل إكليلا من اللؤلؤ المستنبت أهداه إياها شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي بمناسبة زفافه من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، بالإضافة إلى سوار وقرطين متدليين وقلادة متعددة الجدائل من اللآلئ الهندية والفيروز تتميز بمقدمتها الطاووسية الشكل وغيرها.

لكن علاقة الفنانات بالمجوهرات، تبدلت مع نجمات الجيل الحالي، حيث تغلب عليها الآن المصلحة المادية. فقد أصبحن مروجات لها في المناسبات الكبيرة، مثل حفلات توزيع جوائز «إيمي» و«غولدن غلوب» وطبعا «أوسكار» ومهرجان «كان» و«دوفيل» وغيرهما. وعلى خطى النجمات العالميات تسير الفنانات اللبنانيات، فشركة «داماس» وجدت في نانسي عجرم الوجه المناسب لإطلاق تشكيلة من المجوهرات الذهبية العصرية تحت عنوان «فرفشة»، بينما اختارت شركة «ليون هاتو» Leon Hatôt الفنانة نيللي مقدسي لتكون سفيرة لمجوهراتها، في حين اختارت دار «شوبار» الفنانة هيفاء وهبي لتمثلها خلال مهرجان عالمي للأعمال الخيرية، التي شاركت أيضا كضيفة شرف في حفل خاص نظمته مجموعة «كارتييه» العالمية، حين أطلقت مجموعتها «لا دونا دو كارتييه» من الحلي والمجوهرات.

من الناحية الطبية، يعتبر البعض العلاج بالأحجار الكريمة علما مستقلا وقائما بذاته، يدخل ضمن الطب البديل. فقد أكدت بعض الدراسات أن هناك أحجارا لها قدرة على إصدار إشعاعات وترددات مغناطيسية ذات تأثير علاجي فعال ضد بعض الأمراض العضوية. كما أن النجاح الطبي الذي حققه استخدام المرجان في جراحات التجميل وقدرته على الالتحام بعظام الوجه، دفع العلماء والباحثين إلى إجراء مزيد من الدراسات حول هذه التقنية الطبية، نتج عنها أن النحاس يحفز إنتاج الكولاجين والإيلاستين، وأن الزنك يساعد على تجدد الخلايا وتسريع عملية التئام الجروح وتقوية دفاعات الخلايا، وأن السيلينيوم يقاوم التأكسد ويبطل عمل الجذريات الطليقة المسببة لشيخوخة البشرة المبكرة. أما الياقوت فيعدل عمل الغدد الدهنية، ويحدّ من التهاب البشرة ويقاوم التجاعيد، فيما تتضمن عروق اللؤلؤ الكالسيوم المقاوم للشيخوخة مما يقوي نسيج البشرة ويمنع فقدانها لعنصر الماء، فضلا عن قدرته على ترميم شبكة الألياف المطاطية من الكولاجين، فتبدو البشرة مشدودة خالية من التجاعيد. العنبر أيضا له مزايا تتمثل في قدرته على شد البشرة وإزالة التجاعيد، فضلا عن تمتعه بخاصية إبطال تأثيرات الشمس المتراكمة في نسيج البشرة. أما الجشمت فينشط الدورة الدموية، مما يساعد على وصول الأكسجين والمواد المغذية إلى سطح البشرة. وطبعا لا يمكن أن لا نذكر فاعلية الماس كمقشر للخلايا الميتة بالإضافة إلى أنه واحد من العناصر المستخدمة حاليا في ميدان العلاج الإلكتروني بواسطة الأحجار الكريمة.