ديكور يحاكي روح نيوريوك الصاخبة وتوقها للهدوء والمستقبل

المهندس رامي بطرس: عمدت فيها إلى أن تتلاقى الحداثة بروح الشرق

TT

لطالما شكلت المدن، على مر السنوات، مصدر وحي للفنانين والمبدعين والمثقفين. فالشعراء استلهموا منها شعرهم، والأدباء كتبوا عنها قصصهم ورواياتهم، والرسامون رسموها بريشتهم، والمخرجون صوّروها في أفلامهم، وها هو مهندس الديكور رامي بطرس يعبر عنها، وتحديدا عن مدينة نيويورك، من خلال قطع ديكور وأثاث مميزة، من باب حبه لهذه المدينة. ونتج عن هذا الحب قطع فنية فريدة واستثنائية، أطلق عليها اسم «New York city»، وتنوعت بين الطاولات واللمباديرات والثريات والخزائن والمقاعد وغيرها، عاكسة أجواء هذه المدينة التي سحرته بجمالها وناطحات سحابها.

مجموعة «نيويورك سيتي» عبارة عن قطع محدودة مصممة على الطلب، كما يقول، بغرض مراعاة تميّز كل قطعة والحفاظ على خصوصية المنزل الذي تصمم من أجله. بعبارة أخرى «هي موجهة إلى أناس يقدرون قيمتها ويستمتعون بالنظر إلى الجمال»، كما يؤكد بطرس، مضيفا: «عندما عرضت المجموعة في مدينة نيويورك أحبها «النيويوركيون» كثيرا وبخاصة اللمباديرات والثريات، لأنهم رأوا فيها أسلوبا جديدا في التصميم لم يروا مثله سابقا. ولقد استغرق العمل على هذه المجموعة سنتين، وتم تنفيذها بالكامل في بيروت ودخل في تصميمها الفولاذ غير القابل للصدأ (الاستانليس ستيل)، الرخام، الجلد، النحاس، الخشب والكريستال، وحرصت على تصميمها بأسلوب بسيط جدا وبعيد عن التعقيدات والزخرفة المبالغ فيها».

في مجموعته ما قبل الأخيرة «بيزانس» Byzance، جمع بطرس ما بين سحر الحضارة العثمانية وأناقة الحداثة، لأنه يحرص كفنان على المزج بين الثقافات المتعددة في القطعة الواحدة. دافعه لهذا التوجه، أنه يعتبر الجمع بين الحضارات والثقافات المختلفة مصدر غنى وثراء وتنوع. أما بالنسبة للمجموعة الجديدة «نيويورك سيتي»، فعلى الرغم من أنه راعى في كل قطعة فيها الطابع المعاصر، آخذا بعين الاعتبار صخب الحياة فيها وحنينها إلى الهدوء والسكينة، إلا أن اللمسة الشرقية لم تغب عنها تماما. ففي تصميم الخزائن مثلا، يبرز القمر المخرم بشكل واضح في الوسط، واللمباديرات تشع على أشكال «فوانيس» مضيئة، وكأن بيئته وخلفيته الشرقية تتمردان عليه وتسيطران على أفكاره، لتخرج القطعة من بين يديه، جامعة بين الحداثة والتراث. ولعل هذا هو السبب الذي جعل النيويوركيين يعجبون بـ«لامباديراته» تحديدا. في هذا الإطار يوضح بطرس «عادة ترتبط المجموعة بالفكرة. وهذه المجموعة، تبدو للوهلة الأولى وكأنها مصممة بطريقة حديثة، وهذا أمر طبيعي، كون نيويورك مدينة حديثة العهد، لكن، وبما أن المجموعة تحكي حال المدينة الصاخبة وحنينها، فقد عمدت إلى إيجاد نوع من التلاقي بين الحداثة وروح الفن الشرقي، ليمتزجا معا بأسلوب خاص». ويشير إلى أن «أكثر ما يلفت فيها الخطوط التي تغلب على مختلف أنواعها، سواء كانت مستقيمة أو عمودية أو منحية، كما الزوايا القائمة.. تماما كما الخطوط والزوايا التي تميز ناطحات السحاب».

وتبدو بعض القطع في هذه المجموعة مبهرة بأشكالها المبتكرة والغربية في آن معا، فهناك طاولات أخذت شكل ساعات، وأخرى تبدو وكأنها صحون طائرة قدمت إلينا من الفضاء الخارجي. هناك أيضا مقاعد على شكل نصف كرة أرضية، و«كونسول» يبدو للناظر إليه عن بعد وكأنه قناع. لكن جنون الابتكار في التصاميم، لم يلغِ مهارة بارعة في تنفيذ كل قطعة، بحيث تبدو واضحة الدقة في التنفيذ سواء في القطع المشغولة بخشب الـ «ماكاسار» Makassar الذي يعد من أفخر أنواع الخشب في العالم بفضل تموجاته التي تتراوح بين اللونين الأسود والبني، أو تلك التي يدخل المعدن في تصنيعها، والذي يتنوّع بين «ستانليس ستيل»، البرونز المعتّق بورق الذهب، والمعدن المفضّض. إلى جانب هذه المواد القوية، أتاح له استخدام الكريستال فرصة للتعبير عن شفافية متميزة، من خلال بريق ساحر يلقي بظلاله على تفاصيل مضيئة تكسر رتابة الألوان القاتمة.

ولأن المساحات الضيقة تعتبر أحد أبرز المشاكل التي تحد من القدرة على الخلق والإبداع عند معظم مهندسي الديكور، خاصة أن إيقاع الحياة السريع فرض هذا النوع من المساحات على البيوت، التي أصبحت في معظمها مؤلفة من غرف صغيرة وممرات ضيقة، لم يغفل بطرس عند تصميم هذه المجموعة مراعاة شروط الراحة والرفاهية، سواء أكانت المساحة ضيقة أم شاسعة. فكل قطعة في هذه المجموعة، سواء كانت كنبة، طاولة، ثريا أم خزانة، بمثابة تحفة فنية بحدّ ذاتها، تجعل الزائر يعتقد أن المنزل ينتمي بأجوائه إلى زمن مستقبلي دافئ. فرغم تصميمها المستقبلي فإن العديد منها، يحاكي ببريقه وفخامته عصورا ولّت.

بالنسبة لبطرس فإن المساحات الشاسعة ليست شرطا أساسيا للخلق والإبداع، إذ من الممكن تحويل المساحات الضيقة إلى عوالم رحبة، من خلال توظيف المخيلة والقدرة على الابتكار في بنية المفروشات نفسها. ويشرح أن: «المجموعة مصممة بطريقة تجمع العملي بالمريح، وهما عنصران أساسيان حرصت على توفرهما في كل قطعة فيها».