لبنان يسحب بساط «الجمال» من مصر

تغير الأوضاع الاجتماعية والقدرة على التسويق من أهم الأسباب

شادية وأناقة تستحضر أسلوب كريستيان ديور والراحلة سعاد حسني وكانت فاتن حمامة قدوة بالنسبة للعديد من الفتيات في تلك الفترة
TT

لكل عصر ذوقه وأناقته، وإذا كانت الفنانات اللبنانيات يعطين مثلا للفتيات العربيات في الجمال والأناقة في الوقت الحالي، ففي مخيلة معظم النساء العربيات ارتسمت صور لفنانات مصريات من العصر الذهبي للسينما المصرية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كرائدات وقائدات في هذا المجال. فما إن كانت نادية لطفي أو فاتن حمامة أو مريم فخر الدين أو ميرفت أمين وغيرهن، تظهر بتسريحة شعر أو تصميم معين حتى يتم تقليده في كل الوطن العربي، لأنه يصبح موضة الوقت. لكن مصر خسرت هذه الريادة في العقود الأخيرة لصالح بيروت، فالمرأة العربية الآن تجد ضالتها فيها، سواء لاختيار فساتين الزفاف أو للتجميل، بدءا من عمليات التجميل إلى تصفيف الشعر وصبغه.

وحتى على المستوى العالمي، فإنها أصبحت العاصمة التي تتوجه لها أنظار شركات التجميل وبيوت الأزياء العالمية لافتتاح محلاتها فيها. والسبب قد يعود لطبيعتها المتنوعة التي لا يضاهيها سوى تنوع ثقافتها وأطيافها، كما قد يعود إلى أبنائها من المصممين الذين حققوا العالمية، من أمثال إيلي صعب، جورج شقرا، زهير مراد وغيرهم، وأثاروا الانتباه إليها. ويمكن القول إن بيروت أصبحت الآن في موقع جيد تصعب زعزعتها عنها، بما في ذلك تركيا التي تحاول ذلك منذ فترة، إلا أن الذوق التركي فيه قسوة ناجمة عن طبيعتهم القاسية، على عكس طبيعة لبنان الرقيقة.

وربما هذا هو السبب أيضا الذي ساعدها على أن تسحب السجاد من تحت أرجل مصر التي كانت في السابق هي المركز. فلعقود طويلة كانت صورة الزفاف وفساتين العرس والسهرة والأناقة بشكل عام مرتبطة في مخيلة الفتيات العربيات بأفلام الأبيض والأسود.

أي بأناقة النجمات المصريات اللواتي كن يضاهين بذوقهن نجمات هوليوود وأوروبا. ففي إحدى دورات مهرجان «كان» الفرنسي في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، اختيرت سمراء النيل، الفنانة مديحة يسري، لتكون النجمة التي توضع صورتها وهي على السلم المكسو بالسجاد الأحمر، كتميمة للمهرجان، وكانت ترتدي فستانا أسود أنيقا مع قفازات بيضاء طويلة، وكانت الحلي التي وضعتها غاية في الذوق.

فقد كانت الأفلام المصرية تسوق لبيوت الأزياء والمصممين الموجودين في مصر في ذلك الوقت، وكان معظمهم من الأجانب الذين كانوا يعيشون في مصر في ذلك الوقت، مثل الإنجليز والإيطاليين واليونانيين والفرنسيين، وتعلم المصريون منهم الكثير في تصميم الأزياء والتفصيل.

ومما يذكر أن الفنان أنور وجدي كان أحيانا يسوق لأفلامه مع الفنانة ليلى مراد، من خلال الإشارة إلى فساتينها، التي ستظهر بها في الفيلم. وكانت بالفعل فساتين تستحضر أناقة أميرات العائلات المالكة، وكانت سيدات المجتمع ينتظرن بلهفة إطلالة ليلى مراد في الأفلام حتى يروا فساتينها ومجوهراتها وتصفيفات الشعر التي ستظهر بها، حتى يقتدين بها.

وتروي الفنانة القديرة رجاء الجداوي لـ«الشرق الأوسط» عن الاهتمام بالأناقة في تلك الحقبة، بأن المعايير الجسمية؛ سواء للنجمات المصريات أو الأجنبيات كانت تختلف كثيرا عن مقاييس الحاضر. فقد كان خصر الفتاة محددا، وقتها، بينما الأكتاف عريضة والسيقان طويلة. وتعلق بأن ارتداء الأحذية الرياضية كواحد من متطلبات العصر، جعل قامات الفتيات أقصر، كما أصبحت مشيتهن تفتقر إلى الأنوثة، فضلا عن أن معظم الملابس أصبحت ذات طراز الجنسين (Unisex)، مثل البنطلون الجينز مما جعل مقاييس أجسام الفتيات أكثر صبيانية.

وتتابع الجداوي، التي كانت واحدة من أهم عارضات الأزياء في مصر، قبل أن تتجه إلى التمثيل: «الفنانتان فاتن حمامة وسعاد حسني كانتا قصيرتي القامة وكان جسماهما صغيرين، ولكنهما كانتا ترتديان ما يناسبهما، أما الآن فالفتيات ذوات البنية الصغيرة يرتدين الأحذية ذات كعب عال جدا، ويصففن شعورهن ليبدون أطول، ومع ذلك يفتقدن إلى الأناقة المطلوبة».

وتضيف: «لم تكن الأناقة قديما تعتمد على الميزانية الكبيرة وإنما على حسن الاختيار. فقد كان هناك تفرد في الموضة وكان معظم مصممي الأزياء من الأجانب المقيمين في مصر أو من المصريين ذوي الأصول الأجنبية، مثل مصمم الأزياء الخاص بأم كلثوم الذي يدعى فوزي أندراوس، والكثيرات من النجمات، أمثال تحية كاريوكا وسامية جمال، كن يتعاملن مع مصممين كبار يعرفون كيف يبرزون جمال وأناقة كل واحدة منهن، وكيف يخفون عيوبها».

لكنها تؤكد أن هؤلاء المصممين لم يكونوا يعتمدون على الذوق الأوروبي فقط، بل كانوا يتفردون بتصاميمهم النابعة من الثقافة العربية، فتقول: «كانت المصممتان الشهيرتان إيفون ماضي وليلى البنان تصممان أزياء مستوحاة من الثقافة المصرية ومن الزي الإسلامي والقبطي، وكنا نقوم بعمل عروض أزياء تاريخية مستخدمين في الملابس القماش السكاروتة وأيضا من شغل الخيامية والجلباب. أيضا كان المخرج والفنان الراحل شادي عبد السلام يصمم أزياء نابعة من الحضارات وكانت غاية في الأناقة مثل أزياء فيلم (واإسلاماه)».

ولعل التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري في الأربعة عقود الأخيرة من حروب متعاقبة وتغير ظروف اقتصادية واجتماعية والزحام والتلوث اللذين أصبحا السمتين الرئيستين للعاصمة المصرية من أهم أسباب عزوف المجتمع المصري عن الاهتمام بالموضة بشكل كبير أو فن التجميل. وترى الجداوي أن من أهم أسباب منافسة اللبنانيات للفتيات العربيات في الموضة بشكل عام يرجع إلى طبيعة أجسامهن التي تتميز بأنوثة أوضح، كما أن الطبيعة في لبنان واختلاف الظروف البيئية والاجتماعية تجعلهن يبذلن جهدا أكبر من مثيلاتهن سواء في مصر أو أي دولة عربية أخرى.

ويحسب للبنان أيضا شهرتها في مجال جراحة التجميل، وأكبر دليل على ذلك لجوء معظم فنانات الوطن العربي إليها بدلا من الدول الأوروبية. ولكن يرى البعض أن مصر في طريقها للمنافسة في هذا الشأن، مثل الدكتور هشام المناوي، أستاذ التجميل بالقصر العيني، الذي يقول إن هناك تقدما كبيرا في هذا المجال خلال الخمسة أعوام الماضية. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «تقدمنا كثيرا في هذا المجال وأصبحنا ننافس لبنان حتى إن الكثير من اللبنانيين بدأوا في القدوم لمصر من أجل إجراء جراحات تجميلية».

بينما يرى الدكتور فادي مجدي يعقوب، عضو الجمعية الأوروبية لتجميل الوجه لـ«الشرق الأوسط»، أن حجم العمل في جراحات التجميل في لبنان بالمقارنة بحجم البلد يعتبر مرتفعا، كما أنهم يتمتعون بقدرة كبيرة على التسويق مقارنة بغيرهم.