طوني قهوجي.. مهندس ديكور يؤمن بأن «القليل كثير»

بيته يتميز بانسيابية تكسرها ألوان الذكريات والحياة

مقاعد منخفضة المستوى (من موديل روش بوبوا) تشبه الى حد كبير المقاعد اليابانية او العربية مصنوعة من القماش المنجّد (كابيتونيه) ذات الالوان الفرحة كالازرق والفوشيا والاخضر .وتؤلف هذه المقاعد المجلس الذي يحيط بالسرير المنخفض المستوى ايضا ذات الركائز الجلدية النبيذية اللون. السرير ايضا لا تحدده اي جوانب او خلفية لكن يكسوه غطاء هندي الصنع من نوع الآرتيزانا (اي المشغول يدويا) يجمع كل الالوان الموجودة في الغرفة.
TT

عندما تدخل منزل المخرج طوني قهوجي يغمرك شعور بالسكينة ويتملكك الصمت لأن كل ما فيه يقودك لاشعوريا صوب المطلق. فلا لوحات معلقة على الجدران، ولا صحون سجائر على الطاولات، ولا وسادات على الكنبات، ولا سجاد على الأرض، ولا قطع إنارة متناثرة هنا وهناك. كل ما يلفت نظرك عند دخوله هو الأبيض الذي يغلف المفروشات والجدران والشفافية التي تقفز من خلال مادتي الزجاج والكروم اللتين تتألف منهما الأبواب والطاولات وركائز كراسي المكتب وغرفة الطعام.

إنه «المينيماليسم» أو الهندسة الداخلية المبسّطة، التي ترتكز على الفكرة وليس على العمل تحت عنوان «القليل كثير»، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بتصور الأشياء وعلاقتها بالفضاء. نشأت هذه المدرسة في الولايات المتحدة الأميركية عام ،1960 وتطورت مع الوقت على يدي مهندسين عالميين أمثال «دونالد جاد» و«مايز فان دير روهيه» وفي لبنان، اختارها طوني قهوجي لتكون عنوان ديكور منزله في منطقة السوديكو. وقد استغرق العمل فيه لوضعه في قالبه الحالي أربعة أشهر، حيث انتقى كل قطعة فيه بتأن لتكون مناسبة للأمتار التي استحدثها ضمن مساحات مفتوحة على بعضها بعضا، والتي تشعرك وكأنك تحلق بين الغيوم في مساحات باردة وفارغة بحرية. تجدر الإشارة إلى أن هذا الخط في الهندسة الداخلية أحدث صرعات الديكور المنتشرة في الفنادق والمحلات التجارية من نوع «البوتيك». ويقول طوني قهوجي، وهو مهندس ديكور انتقل إلى العمل التلفزيوني منذ فترة طويلة، إنه أرادها أن تكون بمثابة نمط حياتي هادئ يعيش في داخله بعيدا عن الضوضاء وأضواء المسارح والاستوديوهات.

قسّم طوني قهوجي منزله إلى مساحتين أساسيتين؛ الأولى تتألف منها الصالة الكبرى التي تحتوي على الصالون وغرفتي الطعام والمكتب. والثانية، وهي في الجناح الشمالي للبيت، وتتألف من غرفة النوم وتوابعها وغرفة الجلوس، التي أبقى فيها على أهم قطع الأثاث واللوحات والمقاعد القديمة التي كانت في منزله قبيل تجديده حتى تذكره، كما يقول، بأنه غيّر الديكور فقط، وليس مكان إقامته. فهذه الأشياء الصغيرة تحمل هوية حقيقية لما تتضمنه من ذكريات وصفحات أيام جميلة وأخرى عاصفة وحزينة عاشها في هذا المنزل.

تدخل الصالة الكبرى من خلال باب زجاجي مضروب بالرمل ليطالعك مكتب زجاجي تتوسطه طاولة فيها خليط من الزجاج ومعدن الكروم، ويحيط بها كرسيان من الجلد الأسود بقواعد أيضا من الكروم تستخدم للضيوف، إلى جانب كرسي رب العمل من الجلد، ومصنوع من نفس لون الكرسيين الآخرين مع اختلاف في قماشه وهندسته، إذ جاء الجلد مخرّما. على جانبيها أضيف ساعدان تتكئ عليهما اليدان، مصنوعان أيضا من الجلد والكروم. وتبرز خلف هذا الكرسي شاشة تلفزيون عملاقة مثبتة في قلب الحائط ذات إطار أسود لماع. ومن ناحية يمين المكتب تستقر كنبة من الجلد الأبيض تتسع لأربعة أشخاص، وضع أمامها طاولة زجاجية بقواعد من الكروم مزينة بإناء زجاجي شفاف وضع على زاويتها من ناحية اليسار.

انتقالا إلى غرفة الطعام المجاورة للمكتب والمفتوحة على الصالون تجد طاولة ذات سطح زجاجي مربعة تتسع لثمانية أشخاص تتناسق كراسيها الجلدية أيضا مع نوعية الكراسي الموجودة في قسم المكتب، وتمتد مقابلها كنبة مخملية الملمس رمادية اللون تتسع لثلاثة أشخاص باستطاعتهم مشاركة المدعوين على العشاء أو الغداء في الحديث أو في الطعام جلوسا على الطريقة الأميركية.

أما الصالون فيتألّف من كنبة رمادية أيضا، وضعت أمامها طاولة زجاجية ذات هندسة إيطالية تقع ما بين الكنبة الجلدية البيضاء من ناحية المكتب والمخملية الرمادية من ناحية غرفة الطعام. ويسود كل هذه المساحات الأبيض كدهان الجدران والمكسور منه على الستائر العصرية الشفافة، التي تنسدل ببطء ميكانيكيا بكبسة زر. الإنارة أيضا تتناسق مع هذه الأجواء الهادئة لتأتي على شكل مربعات نافرة من السقف تنير الصالة بإنارة دافئة. ولا تختلف الأرضية عن باقي أجواء المنزل، فهي من الرخام البني الفاتح التي لا يغطيها السجاد مما يضفي على الصالة الشعور بالرحابة والنظافة.

غرفة النوم من ناحيتها بسيطة على الرغم من الألوان الزاهية التي تسود مفروشاتها، إذ تغيب عنها المرايا واللوحات الفنية، فيما تتوزع على أرضها خمسة مقاعد منخفضة المستوى (من موديل «روش بوبوا») تشبه إلى حد كبير المقاعد اليابانية أو العربية. فهي مصنوعة من القماش المنجّد (كابيتونيه) ذات الألوان الفرحة كالأزرق والفوشيا والأخضر، التي تختلط فيها الرسومات المخططة أو المزركشة التي تغطيها. وتؤلف هذه المقاعد المجلس الذي يحيط بالسرير المنخفض المستوى أيضا ذات الركائز الجلدية النبيذية اللون. ولا تحدده أي جوانب أو خلفية، لكن يكسوه غطاء هندي الصنع من نوع الآرتيزانا (أي المشغول يدويا) يجمع كل الألوان الموجودة في الغرفة. وقد وضعت طاولة واحدة في غرفة النوم طولها ثلاثة أمتار اختارها طوني قهوجي من الخشب الأبيض وتعلوها شاشة تلفاز من نوع البلازما. حتى الشرفة الموجودة إلى جانب غرفة النوم تمت الاستفادة منها، وحولها قهوجي إلى صالة رياضية صغيرة تتوفر على الكثير من الأدوات اللازمة لهذا الغرض.

أما الخزائن، التي تأتي على طول الجدار وبعلو السقف، فتتألف من عدة درفات تفتح وتغلق بميكانيكية مدروسة دون أن تصدر أي صوت وتجبر مستخدمها أن يتعامل معها بهدوء وبطء. وقد صنعت أبوابها من الزجاج المضروب بالرمل وتتوسطها مسكات دائرية من الكروم غير اللماع. ونظرا لأهمية الإنارة، فقد جاءت هنا مزيجا بين القوية والخافتة مع إمكانية التحكم بها بجهاز «الديمر»، فيما تستحوذ التمديدات الموسيقية على اهتمام قهوجي، حيث وزعها بشكل غير مباشر، ولا تكاد تراها العين المجردة.

الإنارة في غرفة الحمام الزجاجية، التي تطل على غرفة النوم مباشرة، جاءت منوعة تستطيع أن تسلطها على الوجه أو الرأس أو تسريحة الشعر بحسب الحاجة منها. كما قسّم قسم الحلاقة وقسم الاستحمام إلى جزأين شبه منفصلين، وزود كل واحد منهما بإكسسوارات من الكروم فيما اختار الأسود المحدد بالرمادي (الكروم) لتغطي أرضيته وجدرانه. وقد تكون غرفة الجلوس المكان الوحيد الذي يسيطر عليه الأحمر وتزدحم فيه قطع الأثاث والإكسسوارات بشكل لا تجده في أقسام المنزل الأخرى؛ فقد علّق على جدارها الرئيسي لوحة لمارلين مونرو رسمها صاحب المنزل شخصيا بالآكليريك. وعلى الجدار المقابل من ناحية اليمين لوحة زيتية تصوّر امرأة جميلة وسط العتمة، وقعها أيضا طوني قهوجي في بداياته الفنية، وضع تحتها مباشرة جهاز فونوغراف قديم وإلى جانبه خزانة مصنعة من خشب الورد مؤلفة من عدة جوارير هندية المنشأ ويدوية الصنع مزخرفة برسوم ذهبية بسيطة تدل على أقدميتها، التي يقدر أنها تعود إلى مائتي عام. مفروشات هذه الغرفة تتألف من كنبة حمراء وأخرى قرمزية تزينها وسادات رسمت عليها وجوه نسائية. لكن تلفتك لوحة تصور قهوجي في شكل تشي جيفارا وإلى جانبها جهاز التلفزيون الذي يستند على قاعدة مصنوعة من الألمنيوم والحديد تنتهي بطاولة زجاجية من طبقتين. وتنفصل هذه الغرفة تماما عن باقي أقسام المنزل قلبا وقالبا، لما فيها من قطع ومفروشات تعبق بالذكريات وبرموز تشير إلى حياة الشباب والعزوبية، كما يقول قهوجي.