إيلي صعب ينسج أسطورة رومانسية.. وجون بول غوتييه يلعب على الحسي والأنثوي

في اليوم الأخير من أسبوع الأزياء الراقية الباريسية لربيع وصيف 2012

ثلاث عارضات في أزياء ربيعية من تصميم الفرنسي جين بول غولتير وثلاث عارضات في أزياء من تصميم اللبناني ايلي صعب
TT

قد تكون دار «ديور» قدمت عرضا ناجحا بالمعنى التجاري رغم افتقادها لمصمم فني رسمي، وكارل لاغرفيلد حلق بدار «شانيل» في الجو بأخذه الحضور في رحلة جوية، لكن أسبوع الأزياء الراقية لربيع وصيف 2012 وصل قمة إبداعه وجماله في اليوم الأخير على يد كل من إيلي صعب وجون بول غوتييه. فقد أتحفا الحضور بتشكيلتين مختلفتين تماما، لكنهما التقيا في عدة نقاط تختزل معنى الـ«هوت كوتير»، ألا وهي الحلم، الإبهار، الجمال والإبداع.

إيلي صعب في السنوات الماضية أكد مكانته كمصمم النخبة والمناسبات الكبيرة بدون منازع، ولم يختلف الأمر هذه المرة، إلا أنه أضاف إلى سجله اتجاها جديدا ومختلفا نوعا ما. اتجاه وضع فيه خلطة توابل جديدة، في التصميم والألوان زادت من لذة ما قدمه. فرغم أن الـ«هوت كوتير» تقوم على الحلم بالنسبة للغالبية من النساء، فإن المصمم الناجح هو الذي يجعل الحلم عمليا وواقعيا وليس فانتازيا وسرياليا يصعب تطويعه في أرض الواقع، وهذا ما فعله صعب من خلال هذه التشكيلة التي تخاطب كل نساء العالم. فكل واحدة، مهما كان أسلوبها وأينما كانت لا بد وأن ترى نفسها في كل قطعها، ودون استثناء، لسلاستها ودرجات ألوانها الناعمة. لكن للأسف ستكون من نصيب مخملية أو نجمة في المقام الأول، نظرا لأسعارها. تضمنت التشكيلة في معظمها فساتين سهرة طويلة بألوان باستيلية تتدرج من الأصفر إلى المرجاني والأخضر والسماوي والأبيض والرصاصي مع غياب ملحوظ للأسود. وجاءت معظم الأقمشة شفافة مثل الاورغنزا والتول مما استدعى استعمال طبقتين منها في بعض الأحيان، سواء كانت من الدانتيل أو التول. ورغم ذلك بقي الإحساس بالشفافية حاضرا ومثيرا، لكن بطريقة راقية زادته التطريزات، سواء بحبات ماسية أو ورود ناعمة، بريقا.

إيلي صعب قال إنه استلهم التشكيلة من قصص الأميرات والأساطير: «لقد فكرت في أميرة عصرية، وفي قصص الأساطير التي تحلم بها كل فتاة.. تصورتها بألوان ناعمة على أن تحافظ على تأثيرها القوي». ومن هنا جاءت الأشكال المنتفخة في التنورات المستديرة والخصر النحيل الذي تحدد بعضه أحزمة ناعمة ورفيعة، والألوان المستقاة من لوحات الفني المائي. بدأ العرض باللون الأبيض من خلال فستان طويل من التول مطرز بحبات ماسية، تلاه فستان من نفس الفصيلة لكن بتنورة قصيرة ومستديرة مطرز بورود من الاورغنزا، ثم ثالث طويل من الاورغنزا ورابع قصير من الدانتيل وهكذا مرت 44 قطعة أمام العين بسرعة البرق. ورغم أن كل فستان في هذه التشكيلة يمكن أن يجعل امرأة عادية تبدو وكأنها أميرة، فإن اقتراحه لفستان الزفاف لا بد وأن يجعل أي عروس تبدو وكأنها ملكة متوجة. فقد كان مختلفا، عصريا، رومانسيا وفخما في آن واحد، وهذه عناصر قلما تجتمع في قطعة واحدة لكن إيلي صعب نجح وأصاب. كان الفستان أبيض من قماش الغازار رسمت عليه ورود باستيلية بالوردي وطرزت عليه حبات تلمع بشكل خفيف، وطبعا كان بذيل يليق بعروس تريد أن تبقى صورتها مترسخة في الأذهان.

غني عن القول أن كل الحاضرات، من سيدات وفتيات المجتمع المخملي ونجمات هوليوود وبوليوود اللواتي كن تابعن العرض بعيون مشدوهة، خرجن وهن حائرات أي تصميم يخترن. فكل قطعة تليق بحفل الأوسكار أو بحفل زفاف. لكن اللافت للانتباه هذه المرة في «لوغران باليه» حيث أقيم العرض أن الحاضرات لم يكن من زبوناته المخلصات من الشرق الأوسط فحسب أو من نجمات هوليوود اللواتي يحضرن لحفل توزيع جوائز الأوسكار المرتقب في الشهر المقبل، بل أيضا من الهند مثل النجمة سونام كابور، التي حضرت بساري أنيق جدا، فضلا عن زبونات ومشتريات من الصين. فالهند والصين من الأسواق الجديدة والمهمة بالنسبة للمصمم، فهي للغرف من رومانسية وفخامة أسلوبه.

بعد ساعتين على مرور حلم إيلي صعب، كان الموعد مع عرض جون بول غوتييه. هذا الأخير استعرض في المقابل، قدراته على التفصيل وميله إلى الشقاوة في عرض مختلف تماما من حيث النكهة والمذاق. لم يكن ما قدمه متوقعا لكنه في الوقت لم يكن صادما أو مستبعدا من مصمم يميل إلى خض المتعارف عليه وتكسير التابوهات. غابت الرومانسية وحلت محلها إثارة حسية بكل معنى الكلمة، من خلال تايورات وبنطلونات بأقمشة خفيفة وفساتين تركت أزرارها الضخمة مفتوحة لتكشف الظهر، في صورة تستحضر كاثرين دونوف، في فيلم «بيل دو جور». وهو الفيلم الذي أطلقها للشهرة العالمية، وأدت فيه دور زوجة تصاب بالملل من روتين حياتها اليومية، مما جعلها تتخذ من بيع الهوى في النهار هواية عندما يخرج زوجها للعمل. إلا أن هذه الصورة اكتسبت أنوثة صارخة مستمدة من ثقة عالية ورغبة في التحدي، سواء من حيث الماكياج الجريء والجذاب، أو تسريحات الشعر المنكوشة، أو طريقة المشية، وطبعا الأزياء الأكثر جرأة. النجمة الفرنسية المخضرمة كاثرين دونوف، التي كانت من ضيوف العرض، بدت مستمتعة بالعرض تماما، ولا شك أنها مثل الحضور تذكرت فيلم «بيل دي جور» وأيام الشباب. لكن من جانب أخرى كان حضور المغنية، أيمي واينهاوس، التي لقيت مصرعها في العام الماضي بنفس القوة أو أكثر. فالعديد من القطع والإطلالات، استحضرت أسلوبها. فقد ظهرت العارضات بتسريحة شعرها العالية والمنفوخة وماكياج عيونها المبالغ فيه، فيما ظهرت بين أصابع بعضهن سيجارة يتعالى دخانها على إيقاع نغمات من بعض أغنياتها الشهيرة. أما أسلوبها في الأزياء فتجلى في مزج المصمم الكثير من القطع المنسدلة بلا مبالاة على الأكتاف أو الخصر بألوان قوية وأقمشة كاشفة مثل الدانتيل، بينما ظهرت أخرى وكأنها بيجامات، لكن لا يخدعنك التشبيه، فهي بيجامات تليق بأجمل المناسبات. أنهى المصمم عرضه بمجموعة من الملابس الداخلية وطرحات من الدانتيل أو التول باللون الأسود لكي يغطي رؤوس العارضات، مخلفا صورة قوية عن الاز دواجية بين المثير والحسي، أو على الأصح ذلك الخيط الرفيع بينهما.

* من الأحداث المهمة هذا الموسم عودة دار «فرساتشي» للعرض في باريس بعد غياب عدة سنوات في دلالة واضحة أن سوق الـ«هوت كوتير» أصبح يعطي ثماره. فدار «ديور» مثلا أعلنت ارتفاعا في مبيعاتها في الشطر الأول من العام الماضي، كذلك «أرماني بريفيه» مما جعل بعض البيوت الأزياء تنضم إلى هذا النادي الخاص لتقطف بعض من ثماره. فقد كان آخر عرض من خط «فرساتشي اتولييه» قدمته الدار في يناير (كانون الثاني) من عام 2004، وهو نفس العام الذي شهد تقاعد إيمانويل اونغارو مما جعل العديد من المتشائمين يتكهنون بأن الـ«هوت كوتير» انتهت. من بين هؤلاء كان بيير بيرجيه، شريك الراحل إيف سان لوران، الذي قال بكل ثقة حينها إن الـ«هوت كوتير» انتهت مع الكبار من أمثال لوران، الذي تقاعد في عام 2002. لكن تكهنه كان أبعد ما يكون عن الصحة، إذ ها هي الـ«هوت كوتير» بعد مرور عدة سنوات على تكهنه، لا تزال موجودة لم تتزحزح عن مكانتها. صحيح أنها ترقص على نغمة اقتصادية، وتخضع للتقلبات المالية، لكن حسبتها دائما ما تكون مختلفة عن باقي المجالات المرفهة. فهي لا تعتمد في كينونتها على الطبقات المتوسطة وعلى الكثرة بل على عدد قليل من النساء يقدرنها ولا يبخلن عليها بآلاف الدولارات. قد يتقلص عددهن وتختلف ملامحهن ولون بشراتهن، لكن رغبتهن واحدة، وهي التفرد. فمنذ نحو عشر سنوات تقريبا، كانت الأميركيات هن الأغلبية في هذه العروض، لكن الآن، هناك فسيفساء من الجنسيات، من الشرق الأوسط والشرق الأقصى وأوروبا الشرقية. وربما هذا يفسر توجه العديد من المصممين في المواسم الأخيرة إلى شنغهاي وموسكو وبيروت وغيرها من الأماكن لاستلهام أفكارهم تارة أو لافتتاح محلاتهم فيها تارة أخرى. ورغم عدم رغبة بعض المصممين في الاعتراف أنهم يغازلون هذه الأسواق، فإن إبداعاتهم لا تترك أدنى شك بأن هؤلاء الزبونات على البال، بدليل كم البريق والتطريز فضلا عن الألوان التي تستقي درجاتها من المجوهرات والمعادن الثمينة، والتي ظهرت في الكثير من العروض، بدءا من «أرماني بريفيه» إلى «فرساتشي اتولييه» مرورا بـ«شانيل» وغيرها. إيلي صعب في المقابل، في توجهه الجديد خفف من كم التطريز بالخرز والترتر والأحجار وتبنى أسلوبا متوازنا يخاطب شتى الأساليب والأذواق ويوقع المرأة التي تتوخى التألق أو الهدوء في شباكه.