أسبوع لندن.. الرحم الذي تولد منه توجهات الموضة وصرعاتها

أهم ما جادت به قرائح ومقصات مصمميه

TT

الموضة ليست مجرد عروض أزياء مثيرة، من حيث الإخراج والموسيقى والألوان وتسريحات الشعر والماكياج، وغيرها من العناصر التي تشد الأنفاس عند متابعتها، بل هي أيضا المؤشر الذي يستبق موضة المواسم المقبلة. بعبارة أخرى فمن رحم هذه العروض تولد توجهات الموضة المقبلة، ومنها تتشكل إطلالاتنا. وبالنظر إلى أسبوع لندن لخريف وشتاء 2012 - 2013، فإن هذين الموسمين سيكونان مفعمين بالدفء وبكل ما هو بريطاني، ولا يمكن لأية واحدة منا أن تشتكي أو تتذمر، لأن المائدة دسمة ومتنوعة في الوقت ذاته، يمكن الاختيار منها ما يناسب الذوق والحاجة، بدءا من التنورات الواسعة والمستقيمة، والبنطلونات المفصلة، والخصر النحيل والألوان التي طغى عليها الأسود والرمادي إلى جانب الألوان المتوهجة. وطبعا لا يمكننا أن ننسى التأثيرات العسكرية والبريطانية، كما ظهرت في عروض كل من «إم سي كيو» لألكسندر ماكوين، وبول سميث وفيفيان ويستوود وكوري نيلسون وغيرهم. والسبب معروف، فهذا العام تاريخي بالنسبة لبريطانيا ككل وبالنسبة للندن على وجه الخصوص، إذ ستحتضن خلاله الألعاب الأولمبية، وعيد الملكة إليزابيث الثانية الماسي، الذي ستحتفل فيه بمرور 60 عاما على تربعها على العرش، وكلتا المناسبتان مهمتان للاقتصاد الوطني ومعنويات الشعب، الذي بدأ يرزح تحت براثن الأزمة الاقتصادية العالمية. أسبوع لندن أيضا مهم من الناحيتين الاقتصادية والمعنوية، فهو صناعة تقدر بـ21 مليار جنيه إسترليني، تصب في صالح كل من له علاقة بهذه الصناعة، إلى جانب الفنادق والمطاعم التي تشهد انتعاشا طوال أيامه. لهذا، ليس غريبا أن يكون حجم الآمال المعقودة عليه، كبيرا. لحسن الحظ أن النتائج أيضا جاءت كبيرة غير مخيبة للتوقعات، مما لا يترك أدنى شك في أن لندن أصبحت ندا يجب أن تحسب له باقي عواصم الموضة العالمية له ألف حساب.

فمنها كانت الصرعات والتقليعات تولد، واليوم منها تنطلق شرارة الإبداع التي تلتقطها باقي العواصم وتلعب عليها، كل بأسلوبها. وما علينا إلا النظر إلى الاقتراحات التي جادت بها مقصات مصمميها في الأسبوع الماضي التي برهنت على ذكاء تسويقي لم يضح بفورة الشباب والابتكار. أكبر دليل على هذا ما قدمته المصممة الشابة ماريا كاترانزو يوم الثلاثاء الماضي، من خطوط مبتكرة بألوان قوس قزح ونقوشات مجنونة تمثل أقلام تلوين ومعالق وآلات كتابة وساعات حائط وغيرها. تصميمات قد تعطي الانطباع بأنها مجنونة وغير واقعية، لكنها على العكس من ذلك تماما. فتصاميمها الهندسية محسوبة، تلعب على الخدع البصرية والأبعاد الثلاثية التي تجعلها تخدم الجسم وتحدد تضاريسه بشكل أنثوي رحيم وأبعد ما يكون عن الجنون. وهذا ما عودتنا إياه منذ انطلاقتها في عام 2008، فمن لا يتذكر تشكيلتها التي جسدت فيها كراسي وحدائق وطاولات وأباجورات وغيرها، والتي أصبحت حديث أنيقات المجتمع ومطلبهن أيضا. هذه المرة قالت إنها استوحت التشكيلة من علبة أقلام التلوين والأشكال الفيكتورية، التي تجلت في الياقات العالية وفي الكورسيهات وفي أشكال تنورات واسعة على شكل أباجورات، وهو شكل تتقنه جيدا.

أهم التوجهات التي شهدناها طوال الأسبوع:

* غابت تأثيرات الخمسينات، بينما اقتصرت تأثيرات العشرينات على أزياء المساء والسهرة.

* اختفت أيضا ألوان الباستيل وحلت محلها ألوان قوية مثل الأحمر والبنفسجي والأخضر والمستردي التي يمكن تنسيقها مع الأسود والرمادي والبني، بينما سجل الأسود عودة قوية ظهرت في معظم العروض.

* الياقات اتسمت بالبساطة، والأكتاف جاءت مربعة، لكن من دون مبالغة.

* التنورات ستكون ضيقة أو متسعة، لكن ليست قصيرة.

* الدانتيل الأسود حاضر بقوة، كذلك الجلد الذي سيزين الكثير من القطع في أجزاء محددة.

* لأن لندن ستحتضن الألعاب الأولمبية والعيد الماسي لتربع ملكة بريطانيا على العرش، فإن الكثير من المصممين احتفلوا ببريطانيتهم، من خلال الألوان والنقوشات والأقمشة إلى جانب الإكسسوارات.

المصممة كوري نيلسون مثلا استعملت التارتان ونقوشاته إلى جانب موسيقى القرب الاسكوتلندية في بداية العرض، شارحة أنها عادت في هذه التشكيلة إلى جذورها، وتحديدا من جدها الذي هاجر من اسكوتلندا إلى الولايات المتحدة الأميركية في عهد الثورة. بول سميث وفيفيان ويستوود وسارة بيرتون ودار «بيربيري» أيضا استعملوا التارتان والتويد، في إشارة واضحة إلى الإرث البريطاني. كريستوفر بايلي مصمم دار «بيربيري» لم يكتف بهذا، وأضاف الطقس البريطاني بمطره ورعده إلى هذا الإرث.

* اختلفت التصاميم التي قدمها مصممو لندن، ولم تختلف ألوانهم كثيرا. فقد كان هناك شبه إجماع على معانقة الأسود والألوان المعدنية مثل الذهبي والفضي أكثر من أي وقت سابق، من دون أن يضحوا بألوان قوس قزح. قد تشعر في الوهلة الأولى بأنه ليس هناك حل وسط، فإما الألوان القاتمة أو الصارخة، لكن الحقيقة أنهم فتحوا المجال للزبونات بتنسيق هذه الألوان ببعضها البعض وخلق أسلوب معقول.

* اللافت أن الأسود اكتسب بعدا مختلفا عما تعودناه، فقد جاء بأحجام أكبر وأجمل، مثل ما قدمه جون روشا، كذلك نوع في الخامات التي استعملها في القطعة الواحدة، إذ استعمل الجلد والدانتيل وحرير الساتان على شكل «باتشوورك»، لكن بتقنيات عصرية.

* نيكول فارحي، مصممة تعشق الفن، الأمر الذي تجسده في الكثير من عروضها وفي التشكيلات التي تستوحيها من رسامين معروفين من حقب مختلفة. وهذا ما فعلته أيضا في تشكيلتها لخريف وشتاء 2012، بعودتها إلى القرن الـ19 والفن الجديد (آرت نوفو) من خلال أعمال الفنان النمساوي غوستاف كليمت، الذي مثل الحركة الانفصالية النمساوية. التصاميم والألوان حافظت على عصريتها وحداثتها وأسلوبها المفصل، لكن التطريزات سواء كانت بالترتر أو باستعمال البلاستيك الملون على صدور معاطف مفصلة على الجسم أو فساتين ناعمة فكانت على شكل لوحات متحركة.

أحداث مهمة:

* عرض ستيلا ماكارتني لأول مرة في الأسبوع بعد أكثر من عشر سنوات في باريس. ورغم أن هذا العرض قد يكون يتيما لأنها ستعود إلى باريس في العام المقبل، فإنه أثار ضجة كبيرة تحتاجها لندن. ماركة «إم سي كيو» لماكوين أيضا شاركت لأول مرة في الأسبوع، ورغم أن الخط أرخص ويخاطب شريحة شبابية أكثر من خط «ألكسندر ماكوين»، فإن الخطوة كانت مهمة وأعادت إلى الأذهان بداية المصمم الراحل عندما كانت عروضه مجنونة تصرخ بالابتكار المجنون.

* منذ أربع سنوات، لم يكن أحد يتصور على الإطلاق أن تهجر ماركة إيطالية ميلانو لتعرض في لندن، لكن هذا ما قامت به ماركة «موسيكنو تشيب آند شيك» الخط الأصغر والأرخص لدار «موسكينو». تقول مصممته روسيلا جارديني إنها اختارت لندن لأن شخصيتها تتوافق مع شخصية الماركة شابة، لكن لا يخفى على أحد أن الفكرة أيضا تسويقية. فإلى جانب افتتاح الماركة محلا لها في العاصمة البريطانية، فإنها أيضا تعرف أنها ستحصل على تغطية أكبر لما ستثيره من جدل حول نقلتها، بحسب تجارب مشابهة. فميوتشا برادا، مثلا، قامت بنفس العملية عندما نقلت خطها الشبابي «ميوميو» من ميلانو إلى باريس، محققة الكثير من النجاح الذي صاحبه ارتفاع في أسعار الماركة وانتشار عالمي أكبر لها. بعبارة أخرى، ليس هناك شيء بريء في صناعة الموضة.