لقطات من أمتع العروض

TT

«جيورجيو أرماني».. قصة الصباح والمساء

* «قصة الصباح والمساء».. هو عنوان تشكيلة هذا المخضرم الإيطالي. عنوان أعطاه المبرر لكي يقدم كل ما تحتاجه المرأة من أزياء خاصة بالنهار والاستعمال اليومي والسهرة على حد سواء. الألوان بدورها جاءت لتعكس هذا العنوان، حيث بدأت بألوان باستيلية هادئة مثل الأزرق السماوي والليلكي الفاتح لتتحول إلى أسود وأزرق نيلي وأرجواني. هدف أرماني كان بالدرجة الأولى تقديم تشكيلة عملية، ومن هنا اقترح كما هائلا من الجاكيتات، أحيانا بأكتاف واسعة وأحيانا بأكتاف ضيقة ومحددة، ومن البنطلونات الواسعة نسقها مع أحذية بدون كعب ليركز على أن هدفه هو الراحة والانطلاق، والفساتين التي تصل إلى نصف الساق. كانت هناك أيضا فساتين كوكتيل وحفلات، من الأورغنزا والتول.

أسلوب أرماني لم يتغير كثيرا في هذه التشكيلة، فهو أسلوب لا يخيب، وحقق له النجاح التجاري دائما، فلم تغييره إذن؟. وعلى هذا الأساس ركز على ما يتقنه جيدا، وهو التفصيل فضلا عن إرساله عارضتين في نفس الوقت، وهي الفكرة التي بدأها منذ بضعة مواسم، وأثارت له الانتباه بحكم أنه الوحيد الذي يقوم بذلك. كان من الواضح أن المصمم المخضرم كان يريد خلق إحساس بالراحة والانطلاق في هذه التشكيلة وهو ما نجح فيه، خصوصا فيما يتعلق بالأزياء الموجهة للنهار، والتي مالت للاتساع نوعا ما.

«مارتن مارجيلا».. أسلوب تجريبي

* «ميزون مارتن مارجيل» تدخل أول مرة عالم الأزياء الراقية من خلال 15 قطعة استعرضت فيها حرفيتها وأسلوبها كما أرساها مؤسسها مارجيلا، أو (الشبح) كما يعرف في أوساط الموضة، لأنه لا أحد رأى وجهه من قبل. هذه الحرفية تمثلت في عودة فريق قسم التصميم إلى الأرشيف ليعيد صياغة كثير من التصاميم القديمة، مثل جاكيت بدون أكمام من القطن الخام، افتتح به العرض، واستوحي من جاكيت طويل يعود تاريخه إلى 1905، وفستان من الحرير مطرز بموتيفات من الفن الجديد (آرت نوفو) تم تحويله إلى جاكيت طويل مبطن. الابتكار وصل أوجه في قفازات قديمة خاصة بلعبة كرة البيسبول تحولت إلى جاكيت بوليرو قصير. خلاصة الأمر، غلبت على التصاميم لمسة سريالية غابت في كل العروض الأخرى هذا الموسم، مما جعل عرض الدار بمثابة نسمة صيف منعشة في مساء يوم الأربعاء، خصوصا أنه كان العرض الأخير في أسبوع شهد 24 عرضا.

الملاحظ أيضا أن فريق التصميم ركز على الجزء الأسفل من كل قطعة، حيث اكتفى باستعمال الدانتيل الفرنسي في بنطلونات مستقيمة وبسيطة تكررت كثيرا، لأن لعبت في العرض دور الكومبارس. فالجزء العلوي كان الأهم. حتى وجوه العارضات غطيت بأقنعة مرصعة حتى لا تأخذ أي اهتمام من حق الجاكيتات والقمصان والمعاطف. مما لا شك فيه أن العرض كان مختلفا تماما عن أي شيء تم عرضه طوال الأسبوع، فقد كان حداثيا بمعنى الكلمة، فضلا عن أنه راعى البيئة باستعمال أقمشة مثل القطن الخام، في أسبوع لا يعترف بالبيئة بقدر ما يعترف بالبذخ والسخاء في كل شيء.

غوتييه.. بين الداندية والإثارة الحسية

* إلى جانب التفصيل الذي يتقنه جيدا والتايورات المستوحاة من التوكسيدو، ورائحة الآرت ديكو التي كانت تفوح من كل جوانب هذه التشكيلة، قدم جون بول غوتييه مجموعة من الفساتين المستوحاة من العشرينات بخصورها المتدلية وتايورات مستوحاة من الخمسينات، استحضرت «ذا نيو لوك» التي ابتكرها الراحل كريستيان ديور، خصوصا في مجموعة مكونة من تايورات ببنطلونات مستقيمة وجاكيتات محددة عند الخصر لتتسع بعده. وطبعا لأنه غوتييه، فقد كان هناك أيضا إحساس بالإثارة الحسية والتزاوج بين الذكوري والأنثوي، وإن زادت جرعة هذا التزاوج هذه المرة، بحيث كاد عدد العارضين أن يتساوى مع عدد العارضات، لا سيما أن الأسلوب الداندي كان هو الغالب على مجموع التشكيلة، سواء من خلال البنطلونات الضيقة جدا، أو السترات المفصلة على الصدر بشكل زائد ناهيك عن الياقات العالية والقبعات المستوحاة من القرن التاسع عشر وعمامات تأخذنا إلى عهد المهراجات. البنطلونات الضيقة أفسحت المجال أيضا لبنطلونات الفروسية الواسعة التي تضيق عند الركبة، والفساتين والتنورات الشفافة والكورسيهات على شكل أحزمة عريضة ألبسها هذه المرة للرجل كما للمرأة.

50 قطعة، هي مجموع ما قدم غوتييه، مستعرضا فيها قدراته على التفصيل وعلى خوض التابوهات، وأيضا عشقه للسينما. فقد شرح بعد العرض أنه استلهم هذه التشكيلة من فيلم «اعترافات طفل من هذا القرن» الذي حضره في مهرجان «كان» السينمائي الأخير، بوصفه عضوا في لجنة التحكيم. الفيلم من بطولة مغني الروك بيت دوهرتي، ويلعب فيه دور رجل من القرن التاسع عشر، شديد التأنق، ويحب متع الحياة يغرف منها بلا هوادة، وفي الوقت ذاته يتمتع بجاذبية لا تقاوم. هذه الجاذبية كانت قوية بحيث أغوت المصمم الذي خرج بعد الفيلم وهو يقول: «إنه سيكون أيضا بطل تشكيلته».

إيلي صعب.. يتوجه شرقا

* كعادته لم يخيب إيلي صعب آمال المرأة في فستان سهرة يجعلها تتألق مثل النجمات اللواتي سيجدن أيضا ما يميزهن في المناسبات الكبيرة. بالنسبة له الـ«هوت كوتير» هي فخامة أولا وأخيرا لهذا ركز على فساتين السهرة والكوكتيل ولم يقدم أي قطعة للنهار. في المقابل غطى كل شيء يتعلق بالأفراح والليالي الملاح من الدانتيل إلى التول، ومن الموتيفات الذهبية إلى التطريزات بالأحجار اللؤلؤية، ومن التصاميم المنسابة والتنورات المستديرة إلى التصاميم المنحوتة على الجسم، ولم يترك للمرأة فرصة للتوجه إلى أي مصمم غيره أو للحيرة فيما يمكن أن تلبسه في عرس. حتى الإكسسوارات من أحزمة رفيعة وأحذية مبتكرة وفرها لها. كل ما قدمه يثير الحلم ويلمس وتر أي امرأة أيا كان أسلوبها، وإن لم يكن جديدا بمعنى الثوري والمبتكر؛ فكل التصاميم شاهدناها في الماضي، ولكنه اجتهد في التفاصيل والتقنيات ودرجات الألوان لكي يمنحها طابعا جديدا..ونجح. فهو لم يدعِ في أي وقت من الأوقات أنه مصمم ثوري يصيب بالصدمة، بل يكتفي بعنصر المفاجأة، التي كانت دائما سارة.

الجديد أيضا هذه المرة، أنه لبس عمامة الاستشراق بتوجهه إلى العصر العثماني ليأخذ منه موتيفات طرزها بالذهب على فساتينه مما أضفى عليها سحرا شرقيا وشاعرية ملموسة.

شانيل.. «الفينتاج الجديد»

* الجميل في التشكيلة التي قدمها قيصر الموضة كارل لاغرفيلد، لدار «شانيل» أنها ليست للإبهار فحسب، بل أيضا للاستعمال، صباحا ومساء. نعم هذه التشكيلة خاصة بموسم كل ما فيه يعني الرقي والتميز، لكنه أيضا موسم يخاطب امرأة راقية تريد أن تكون أنيقة في كل الأوقات، هذا ما يعرفه كارل ووفره من خلال تايورات ومعاطف وفساتين تبدو وكأنها من التويد، لكنها مطرزة بآلاف الخيوط ومرصعة بآلاف الأحجار، لكي تحاكي هذا القماش الذي ارتبط بالدار. إلى جانب التايورات والمعاطف، هناك قطع يمكن أن تغني عن العباءات أو الجلابيات، مثل قطعة من التويد تبدو من الأمام وكأنها جلابية، ومن الخلف زينتها أزرار ضخمة من الرأس إلى الكاحل. كما كانت هنا قطع مرصعة بالأحجار وأخرى هادئة، ألوان وتصميمات، عاد فيها المصمم إلى أرشيف الدار، وإلى ما سماه بالـ«فينتاج» ملحا أنه «فينتاج» عصري يخاطب المستقبل أكثر مما ينتمي إلى الماضي.

ما يعنيه أنه تشكيلة كلاسيكية لا تعترف بزمن، تناسب الحاضر كما تناسب الآتي. وكما شرح كارل لاغرفيلد فيما بعد، فإن«الفينتاج» يصيب بالاكتئاب، وما قدمه جديد ومختلف عن المعنى التقليدي للكلمة، مضيفا أنه تمهيد لموضة يمكن أن تدوم. وبالنظر إلى ما قدمه فإنه فعلا موضة يمكن أن تبقى معنا لأكثر من ستة أشهر، هي عمر الموضة عموما. الفضل في هذا يعود إلى صبغتها الكلاسيكية، الناضجة إلى حد ما، التي اكتسبتها من الخامات المترفة والتصاميم التي تباينت ألوانها بين الرمادي والأسود والوردي.