«الماركيتري».. فن الرسم على الخشب

من القصور الفرنسية إلى البيوت العادية

TT

بلمسات متقنة من أنامل فنان محترف، وبفضل ما يعرف بفن «الماركيتري»، يمكن أن تكتسب قطع الأثاث حلة فخامة ورقي.

يعتبر هذا الفن من الفنون القديمة التي تدخل فيها تقنيات معينة وتعتمد أساسا على زخرف الأخشاب والرسم عليها. في الغالب، تكون عبارة عن قشور الخشب الطبيعية الملونة التي يتم جمع ألوانها وأنواعها من دون نحت أو صباغة ليعاد تشكيلها حسب الصورة المطلوبة ووفق رؤية الفنان. عن فن «الماركيتري» يقول أستاذ الفنون التشكيلية محمد الخوانكي إنه «كلمة فرنسية تعني (الخشب المطعم)، فالأصل فيه التطعيم بقشور الأخشاب ثم قشور اللؤلؤ. اسمه قديما كان (البركيتي)، وهو الاسم الذي عرفه به قدماء المصريين والهنود، حيث كانوا يستخدمونه في أعمال الزخرفة على الأثاث وأدوات المائدة وعلب المجوهرات. ومع نهاية القرن السادس عشر انتشر في مجموع أوروبا باسم (الماركيتري)، ليكون فنا ينقل الحياة الواقعية على لوحة مجسمة، علما بأن هذه القطع تزيد جمالا كلما مر عليها الزمن».

ويتابع الخوانكي: «حظي هذا الفن باهتمام بالغ في فرنسا وإيطاليا، وفي نهاية القرن 18 بدأ يثبت جذوره باستخدام كثير من الأخشاب المكتشفة في أوروبا، مثل خشب البقس والأبنوس والجميز والمازكوي بالإضافة إلى أخشاب الأكاجو والسامبا والأرز. وتتنوع اللوحة ما بين لونين إلى 10 ألوان كلها من قشور الخشب التي تنقسم إلى مائة درجة لونية». ويقول أيضا إنه استخدم في أغلب الأثاث الذي جهز لقصر «فرساي» الفرنسي، حيث يوجد إلى اليوم كثير من القطع النادرة دقيقة الصنع التي تبهر العين. وهي من بين نقاط الجذب التي تجعل هذا القصر من أهم المزارات السياحية في فرنسا.

ويمكن تنفيذ «الماركيتري» ليس على جميع قطع الديكور فحسب، بل أيضا على الجدران، ويكون الهدف منها دائما إضفاء طابع الفخامة على المكان. فهذه القطع يمكن أن تكون طاولات الاجتماعات الكبيرة، خزانات في غرف النوم، مكاتب، أباجورات، أرائك أو كراسي، إضافة إلى علب المجوهرات.

وعلى الرغم من أن فن «الماركيتري» يعد أحد فروع الفنون التشكيلية، فإنه يختلف عنه في بعض التفاصيل، مثلا في تناوله للألوان. فهذه تعتمد على مهارة الفنان ومدى إبداعه.

ويشير الخوانكي إلى أن العاملين في هذا المجال قليلون في الوقت الحالي، لصعوبة تنفيذه، مشيرا إلى أن المواد المستخدمة في تنفيذه تطورت بشكل كبير لتصبح معالجة بطلاء «السينستيك»، وهي مادة مصنعة حديثا للأخشاب تجعل القطعة تدوم مدة أطول من الطلاء التقليدي. كما أنها تحمي الخشب من كثير من العوامل المختلفة كالرطوبة وأشعة الشمس وتجعل تنظيف قطع «الماركيتري» أسهل، وبمجرد استعمال قطعة قماش قطنية.

ويوضح الخوانكي أنه أدخلت في الآونة الأخيرة الآلات لتقوم بدور فنان «الماركيتري» في أوروبا وأميركا الشمالية، ولكن جميع المحاولات لم ترقَ إلى المستوى المطلوب، لأن الإبداع يحتاج إلى إحساس، وهذا ما لا يتوفر في الآلات. فليس من السهل تجسيد لوحة من الواقع بواسطة قشور الخشب واللعب على تأثيرات الألوان من دون حرفية عالية. فكل قطعة تتطلب جهدا فكريا وتقنيا وهذا ما يجعلها مميزة.