حركة إبداعية وفنية تشكل أرضا خصبة لأزياء متميزة

أسبوع إسطنبول لربيع وصيف 2013.. لعبة الكم والكيف

TT

رغم أنه غض بالمقارنة بباقي أسابيع الموضة العالمية، فإن أسبوع إسطنبول يحاول منذ سبعة مواسم أن يرسخ أقدامه في مجال الموضة، لكي يقف واثقا أمام باقي العواصم المنافسة. قد يكون طموحه أكبر من إمكانياته أو تاريخه، لكن قوة مصمميه ورغبتهم المحمومة في كسر المألوف والتشرنق للعالمية يجعله من الأسابيع المثيرة للمتابعة، رغم التذبذبات التي يشهدها منذ انطلاقه. ما يحسب له أنه يحتفل بمصممين من أبناء البلد، وهم كثر. فعلى ما يبدو، هناك 24 معهدا وجامعة وأكاديمية لتعليم فنون التصميم الأزياء والإكسسوارات في تركيا، مما يؤكد أن حركة تصميم الأزياء قوية وأن الاهتمام بها أقوى. كما يفسر لماذا ليست هي بحاجة لاستضافة مصممين عالميين مشهورين لكي يضفوا على أسبوعها البريق ويملأوا الثغرات الناتجة عن قلة المشاركين. فعلى مدى أربعة أيام، شهد الأسبوع ما لا يقل عن 34 عرضا لمصممين كبار وصاعدين، نذكر منهم نيهان بيكر، محطب إيلايدي، أتيل كوتوغلو، ديليك حنيف، غامزي ساراغوغلو، الثنائي إيرول ألبايفال، فضلا عن محلات تجزئة مثل «تريكو ميسيريلي» وغيرها.

عرض «تريكو ميسيريلي» مثلا كان من تصميم الشاب لاهونغ نات، الذي بزغ نجمه في الآونة الأخيرة وينوي افتتاح محلات جديدة باسمه في إسطنبول وفي النمسا. تشكيلته لربيع وصيف 2013، تميزت بتصاميم مفصلة على شكل فساتين وبنطلونات ومعاطف كلها من الصوف، وإن تخللتها تفاصيل من الدانتيل والخرز، مما أضفى عليها بريقا وإبهارا كانت تحتاجهما بحكم أن الصوف خامة مقيدة وتحتاج إلى الكثير من الابتكار لتخرج من العملية إلى الأنثوية.

المصممة ديليك حنيف، أيضا قدمت تشكيلة مكونة من 52 قطعة قالت: إنها استوحتها من الفنانة ماري كاست، التي عاشت في القرن الثامن عشر واشتهرت بأسلوبها في التقاط الحالة المزاجية لنساء تلك الفترة وأشكالهن. كانت هناك الكثير من فساتين الكوكتيل، إلى جانب فساتين تغطي نصف الساق بدرجات هادئة من ألوان السلمون، الفانيلا والوردي والأخضر. وطبعا عددها الكبير جعلها غنية ترضي كل الأذواق تقريبا.

المصمم أتيل كوتوغلو، تفوق عليها من حيث العدد، إذ أرسل ما لا يقل عن 65 قطعة، تميزت هي الأخرى بالتنوع الذي يتطلبه التسويق. كانت هناك أساليب كثيرة تتباين بين الكلاسيكي والعصري، وبين البسيط والمبالغ فيه، وبين الانسيابي والهندسي. المشكلة في هذا التنوع أنه قد يصيب بالملل أو يضيع الفكرة، الأمر الذي لم يحصل في حالة أتيل، لأن التصاميم كانت مبهرة تشي بقدرته البالغة على مخاطبة شريحة نخبوية، مما ساعد على شد الانتباه إليها، عدا أن مشاركة العارضة العالمية جيسيكا ستامب وفتاة المجتمع تامارا إغلستون، ابنة بيرني إغلستون، مالك الحقوق التجارية لبطولة العالم للفورميولا - 1. أضفت على عرضه الكثير من الإثارة والجدل حول أهمية الاستعانة بهذه الأخيرة بالنظر إلى مقاييسها التي لا تخولها أن تكون عارضة أزياء محترفة.

في المقابل، كان عرض محطب إيلايدي، من أجمل العروض التي شهدها الأسبوع، لأنها أكدت فيه أن البساطة لا تتعارض مع الرقي، لا سيما إذا كانت القطع منفذة بحرفية وبألوان تتناغم مع بعض. كغيرها من المصممين قدمت الكثير من القطع المنفصلة الخاصة بمناسبات النهار والمرأة العاملة على وجه الخصوص، مع فارق كبير أن كل قطعة كانت تخبئ بين ثناياها أو أطرافها مفاجأة مثيرة. فالجيوب مثلا كانت تتدلى لتشكل جزءا يغطي الجزء الأعلى من الساق، والأكمام بثنيات أو ألوان مختلفة وهكذا. كانت هناك أيضا فساتين أنيقة يمكن أن تصلح لمناسبة كوكتيل بإضافة إكسسوارات عليها. ولا شك أن هذا الأسلوب الخاص الذي تبنته منذ البداية، أكسبها زبونات وفيات بعد فترة وجيزة من إطلاق ماركتها في عام 2000. إذ سرعان ما أصبح اسمها لصيقا بالتفاصيل المتميزة والمفاجآت المثيرة التي تتكشف في ثنايا كل قطعة. نجاحها شجعها على إطلاق خط آخر هو «كافدان بيي إيلايدي» الذي كشفت عنه الستار خلال أسبوع باريس للأزياء الجاهزة في عام 2008. وهو خط يتكون عموما من قمصان باللونين الأبيض والأسود والإكسسوارات. تجدر الإشارة إلى أن محطب هي عرابة الموضة التركية، كونها تترأس منظمة الأسبوع، وبالتالي هي التي تختار المصممين المشاركين، خصوصا حديثي التخرج مع لجنة حكام، بالإضافة إلى رعايتهم وتقديم النصح والمساعدة لهم.

من جهتها قدمت المصممة أوزليم سوير، تشكيلة تلعب على أقمشة خفيفة سواء في أزياء النهار أو المساء، مثل الموسلين والحرير والدانتيل، وإن ظهرت قوتها في فساتين السهرة والزفاف التي تخصصت فيها منذ انطلاقتها. نفس الشيء يمكن أن يقال عن نيهان بوروك التي كان من الواضح أنها درست توجهات الموضة العالمية بعناية لتقدم كل هذه التوجهات في تشكيلتها لربيع وصيف 2013. فقد كان هناك الكثير من الفساتين المصنوعة من الساتان بقصات متنوعة، زين بعضها بالريش، كما قدمت كورسيهات، وتايورات مكونة من بنطلونات وجاكيتات بأكتاف مقببة، فضلا عن قميصولات وقمصان قصيرة تكشف عن البطن عدا عن تلاعبها على المكشوف والمغطى من خلال استعمالها أقمشة شفافة وأخرى سميكة في القطعة الواحدة.

الثنائي إيرول البايفال، قدما تشكيلة ربما تكون الأكثر تسويقا، من حيث أسلوبها المستوحى من فن الباروك، الذي ظهر بشكل حرفي تقريبا في بعض القطع من خلال رسومات على الصدر، تطورت فيما بعد إلى تطريزات أنيقة، ربما يكون المأخذ الوحيد عليها سخاؤها الكبير في بعض الفساتين. بعد ذلك انتقل الثنائي إلى الرومانسية من خلال فساتين سهرة منسدلة ومنسابة على أقمشة خفيفة مثل الموسلين والحرير والدانتيل. بعد ذلك ظهرت مجموعة مصنوعة من الجلد والفرو والصوف في استعراض مثير للأقمشة أنسانا للحظات أن الصوف والفرو والجلد، خامات تتعارض مع موسمي الربيع والصيف، إلا أن تصاميم القطع وألوانها شفعا للمصممين. ثم لا يجب أن ننسى أن الأقمشة من الأدوات المهمة في أسبوع إسطنبول، ليس لأنه من دونها لا توجد أزياء أساسا، بل لأنها جزء لا يتجزأ من شخصية الأسبوع والأسس التي قام عليها. فتركيا تعتبر ثاني أكبر مصدر للأقمشة في أوروبا ورابع مصدر لها في العالم وبالتالي فإن تقوية هذا القطاع يدخل في إطار استراتيجيتها لإنعاش الاقتصاد وقضم قطعة كبيرة من الكعكة العالمية. استراتيجية كانت تتطلب سحب السجاد من الصين وباقي البلدان الآسيوية التي اشتهرت تاريخيا بصناعة الأقمشة وتصديرها. الجهات المختصة قامت بهذه العملية على أحسن وجه بسد الطريق أمام المنتجات الرخيصة وتقديم منتجات أكثر جودة وبأسعار معقولة للعالم. موقعها بين الشرق والغرب أيضا ساعدها على تنفيذ استراتيجيتها المدروسة، بدليل استقطابها زبائن جدد من القارتين، الأوروبية والآسيوية على حد سواء. ما يحسب أكثر للجهات الحكومية المختصة، أنها انتبهت إلى أن صناعة الموضة مهمة جدا، وأن تصدير النسيج بشكله الخام لم يعد يكفي، مما استدعى افتتاح معاهد وجامعات منفتحة على العالم، لتدريس التصميم والأزياء والإكسسوارات، منها أكاديمية الموضة التي تأسست في عام 2008 وتتلقى دعما ماديا من كل من الاتحاد الأوروبي ووزارة التجارة الخارجية ومنظمة صناعة النسيج التركية، وجامعة مارمرا التي تخرجت فيها المصممة غامزي ساراغوغلو، مثلا، قبل أن تلتحق بمعهد بارسونز» الشهير بنيويورك ثم «سانترال سانت مارتن» بلندن.

ولا شك أن هذه العناصر كلها ساعدت على تقوية الأسبوع، فضلا عن أن الحركة الإبداعية المنتعشة التي تشهدها تركيا منذ فترة بفضل الانفتاح الاقتصادي والثقافي تشكل أرضية خصبة لهذا الأسبوع، بالإضافة إلى أنه مدعوم بقوة وبشكل مباشر من قبل الحكومة، وتحديدا من قبل وزارة التجارة الخارجية، وقطاع صناعة النسيج وأزياء التجزئة.

نجاح تركيا في أن تحتل المرتبة الثانية في تصدير الأقمشة إلى أوروبا والرابعة في العالم، يطرح السؤال إن كان بإمكانها الآن أن تنجح في تسويق أزياء جاهزة تحمل مواصفات عالمية. وهذا ما حاول مصمموها الإجابة عنه في الأسبوع الماضي من خلال تنوع شديد فيما قدموه واجتهادات كثيرة تشفع لهم بعض الأخطاء، خصوصا في عدد القطع الكبير الذي أضاع الفكرة أحيانا. فتشكيلاتهم قد لا تصل إلى مستوى «أرماني» أو «شانيل» أو «ديور» أو حتى «فرساتشي» لكنها حتما تخاطب الطبقات المتوسطة ذات الإمكانيات التي ترغب في أزياء لها بصمة مختلفة عما هو موجود في الأسواق الأخرى.