هل إيدي سليمان سبب ترك نيكولا غيسكيير دار «بالنسياجا»؟

تركه الدار بعد 15 عاما هز أوساط الموضة والتكهنات تزيد سخونة

TT

هز خبر مغادرة نيكولا غيسكيير دار «بالنسياجا» في آخر الشهر الحالي، بعد 15 سنة حقق فيها لنفسه سمعة عالمية وللدار نجاحا فنيا وتجاريا كبيرا، أوساط الموضة. قوة المفاجأة تأتي من أن الخبر لم يكن متوقعا والفكرة لم تكن واردة. فالدار تحقق الأرباح، وفرانسوا هنري بينو مالك مجموعة «بي بي آر» التي تنضوي تحتها «بالنسياجا» يؤمن بقدرات المصمم ويدعمه بكل ما أوتي من قوة، بدليل مشاريعه المستقبلية للتوسع في آسيا بمساعدة المصمم الذي برهن أنه يفهم لغة شبابية عالمية.

لكن ما إن هدأت النفوس حتى بدأت التأويلات والتكهنات. ما سبب تركه الدار وهو في قمته؟ وماذا سيعمل بعدها؟ وهل تلقى عرضا لم يستطع مقاومة إغراءه؟ هذه وأسئلة أخرى لا تزال تراود العاملين في أوساط الموضة وعشاقه، ولم تجد لها أجوبة بعد. فهناك من يرشحه ليتولى منصب المصمم الفني لدار «إلسا سكياباريللي» التي لا تزال تبحث عن مصمم وتأخرت انطلاقتها لهذا السبب، لكن الأغلبية تميل إلى فكرة أنه سيركز على تأسيس داره الخاصة. فقد حقق أرباحا كبيرة من وراء عمله في «بالنسياجا»، خصوصا أنه، بموجب عقده معها يمتلك 10 في المائة من الأسهم فيها، الأمر الذي يمنحه الإمكانيات لكي يستقل، كما أنه بدأ يشعر بالتململ وعدم الارتياح بسبب إحساسه بتفضيل مجموعة «بي بي آر» المالكة لـ«بالنسياجا» لماركتي «غوتشي» و«سان لوران» على حسابه. كاثي هورين، محررة الأزياء بـ«نيويورك تايمز» تميل إلى هذا الرأي، لأن المصمم، كما كتبت، «بات يشعر بالمرارة بسبب الصلاحيات الكثيرة التي حصل عليها أيدي سليمان، مصمم دار (سان لوران) الحالي تحديدا». وأضافت بأن «الأمر لم يعجبه لأن هذا الأخير، لم يعمل في مجال الموضة منذ أكثر من خمس سنوات، أي منذ أن غادر دار (ديور) التي عمل فيها مصمما فنيا للخط الرجالي، كما لم يسبق له أن صمم للنساء من قبل. ومع ذلك قبلت المجموعة، اقتراحاته بتغيير اسم دار (إيف سان لوران) إلى (سان لوران) وتجديد ديكورات المحلات في كل أنحاء العالم لوضع لمساته الخاصة عليها، كما قبلوا أن يبقى في لوس أنجليس، حيث يعيش منذ سنوات، على أن يحضر إلى باريس، المقر الرئيسي للدار، فقط عندما يتطلب الأمر ذلك. وما زاد الطين بلة، أن بعض العاملين مع غيسكيير، كما قيل، التحقوا للعمل مع أيدي سليمان، مما يشير إلى أن ظروف العمل معه والإغراءات أكبر».

مصمم دار «شانيل» كارل لاغرفيلد، أيضا يميل إلى فكرة تأسيس المصمم الشاب داره الخاصة ويشجعها، بحسب ما قاله لوكالة «رويترز»: «ربما يريد نيكولا أن تكون له داره الخاصة.. وهذه فكرة جيدة. وأعتقد أنه من الجيد أيضا أن يدعم شخص مثل برنار أرنو (مالك مجموعة (إل في إم إتش) ماركة جديدة لأن المجموعة تضم كثيرا من الأسماء القديمة».

من جهتها، أشارت مجلة «ويمنز وير دايلي» إلى اختلافات في الرأي بين غيسكيير وبين المديرة التنفيذية في الدار، إيزابيل غيشو، وصلت إلى مرحلة حرجة. وردا على بعض الأقوال التي أفادت بأن ترك المصمم للدار قد يؤثر على مسيرتها ومبيعاتها، علقت غيشو بأن «الدار قوية، وناضجة بما فيه الكفاية لكي تعبر عن نفسها وتبقى قوية دون مخاوف». وأضافت أن هناك لائحة أسماء مرشحة للمنصب لكن لم يرس الاختيار على أحد بعد، مطمئنة أن الأمر لن يأخذ وقتا طويلا مثلما حصل مع «ديور» التي ظلت تبحث عن مصمم يخلف جون غاليانو لسنوات. غيسكيير، في المقابل، وحسبما نشر موقع «ستايل دوت كوم» علق على تركه الدار قائلا: «هذا هو حال الموضة.. إذا لم تتحرك فستموت»، ملمحا إلى رغبته في التغيير ودخول تحديات جديدة.

وكان المصمم، البالغ من العمر 41 عاما، قد التحق بالدار التي تملكها مجموعة «بي بي آر» المالكة لدور «ستيلا ماكرتني»، «سان لوران»، «الكسندر ماكوين»، «غوتشي» وغيرها، في عام 1997 وعمره لا يتعدى الـ25 عاما آتيا من دار «جون بول غوتييه» التي عمل فيها لبضع سنوات. ونجح في غضون فترة قصيرة على تغيير صورة الدار، التي أسسها الإسباني الأصل كريستوبال بالنسياجا في بداية القرن الماضي، وكانت لعقود من بيوت الأزياء الأكثر ابتكارا قبل أن يقرر المؤسس إغلاقها والتقاعد في مسقط رأسه، مدريد. نجح غيسكيير في نفض الغبار عنها، وأدخلها الألفية من خلال تصاميم براقة وضيقة مفصلة بشكل غير مسبوق جذب إليه شريحة شابات نخبويات وثريات، لا يترددن في دفع آلاف الدولارات مقابل بنطلون جينز أو جاكيت «توكسيدو» يحمل توقيع الدار. ظل في كل موسم يفاجئ عشاق الموضة بتوجه جديد وأسلوب مبتكر يتحول بين عشية وضحاها إلى موضة تتهافت عليها أنيقات العالم وتقلدها أسواق الموضة الشعبية. والحق يقال، بأنه، طوال فترته في الدار، لم تضاه نظرته المستقبلية والفنية وتلاعبه بالخطوط سوى قوته التسويقية. ومع ذلك لا يمكن أن ننسب نجاحه إلى القدرات التسويقية والإبداعية فحسب، بل أيضا إلى أنه المصمم الذي أكد، من الناحية الفعلية، أنه بالإمكان منح قبلة الحياة لدار نامت في سبات عميق لعدة عقود وإعادة مجدها الذي ولى. فعندما تولى زمام دار «بالنسياجا» وحقق النجاح تلو الآخر، أقنع صناع الموضة، وعلى رأسهم المجموعات التجارية الكبيرة، وإن بشكل غير مباشر، بأن إحياء دار قديمة وإعادة البريق إليها بلغة جديدة، عملية مربحة لا تحتاج سوى إلى مصمم موهوب يتمتع بنظرة مستقبلية، وهكذا توالت عمليات إحياء بيوت أخرى مثل «كارفن» ومؤخرا «سكياباريللي». ما نجح فيه غيسكيير أنه في الوقت الذي احترم فيه رموز الدار، مثل التفصيل والأحجام والألوان القوية والأقمشة الحديثة التي أرساها المؤسس، أدخل بصمات عصرية عليها، بحقنها بلوغوهات من وحي العلم الخيالي أحيانا، مع لمسة مبالغة وغرابة استقطبت شريحة الشابات.

من سيخلف من؟

إذا لم تصدق التخمينات بأن نيكولا غيسكيير سيؤسس داره الخاصة، فهل هناك عرض مغر جعله يأخذ قرار تركه الدار التي ارتبط بها لسنوات وأعطته بقدر ما أعطاها من نجاح؟. الجواب بالنسبة للبعض، وهم قلة، بأنه ربما سيلتحق بدار «سكياباريللي»، التي يملكها الملياردير الإيطالي، دييغو ديلا فالي. فالمنصب شاغر منذ فترة ينتظر من يملؤه، ولحد الآن استعصى على الملياردير أن يجد مصمما يمكن أن يفهم فلسفة إلسا سكياباريللي ويأخذها من الماضي إلى المستقبل كما فعل غيسكيير في «بالنسياجا». طبعا الغالبية تستبعد هذا الرأي وترشح البريطاني إيريدم موغاليوغلو، للمنصب بقوة. رأيهم أن المصمم سيستقل وبأن المصممين البريطانيين يتمتعون بكثير من الموهبة والقدرات الفنية، بدليل ما حققه الراحل الكسندر ماكوين في دار «جيفنشي» والمصمم المغضوب عليه، جون غاليانو، في دار «ديور» فضلا عن ستيلا ماكرتني وفيبي فيلو في «كلوي» ثم «سيلين» وغيرهم. تجدر الإشارة إلى أنه كان متوقعا إعلان اسم مصمم «سكياباريللي» الجديد في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، على أن يقدم أول تشكيلة له في شهر يناير (كانون الثاني) خلال أسبوع باريس للأزياء الراقية، الأمر الذي لم يتحقق، وقد يتأخر إلى شهر مارس (آذار) من العام المقبل.

من يمكن أن يحل محله؟

لكن ماذا عن «بالنسياجا»؟ ومن سيخلف غيسكيير؟ هنا أيضا يرشح البعض مصمما بريطانيا، هو كريستوفر كاين، الأسكوتلندي الأصل، رغم أن المسؤولين في مجموعة «بي بي آر» المالكة ينكرون ذلك لحد الآن ويستبعدونه. المشكلة هنا تكمن في أن كاين مرتبط بدوناتيلا فرساتشي، التي آمنت بموهبته منذ تخرجه، وكانت تريده أن يعمل معها في «فرساتشي» لكنه رفض مفضلا أن يبني داره الخاصة، مما جعلها تقترح عليه العمل معها في خطها الثاني «فيرسيس» لأنه لا يحتاج التفرغ له تماما، وهو ما يقوم به منذ عام 2009. فهل يمكن أن تطلق سراحه لكي يلتحق بمجموعة «بي بي آر» المالكة لـ«بالنسياجا» يا ترى؟. هذا هو السؤال.

* الثنائي «بروانزا شولر» أيضا من الأسماء التي ترددت نظرا لأسلوبهما الذي يقارب أسلوب كريستوبال بالنسياجا من حيث التفصيل والأحجام. لكن يبقى هذا مجرد ترشيح لأنهما يحققان نجاحا كبيرا في الفترة الأخيرة وبالتالي فإن أخذ مسؤولية جديدة على عاتقهما قد لا يكون من الاحتمالات الواردة أو المغرية بالنسبة لهما.

* المصممة اليونانية الأصل ماريا كاترانتزو، قد تكون معروفة بأسلوبها الفني لكن قدرتها على إبداع رسومات وأشكال مبتكرة تجعل منها فنانة مثل المؤسس، لكن خطوطها وأحجامها قد يخذلانها لأنهما مختلفان عن أسلوب المؤسس

* الأميركي إلكسندر وانغ أيضا من الأسماء التي ترددت وإن كان أسلوبه الرياضي المنطلق مختلف تماما عن أسلوب «بالنسياجا» ولا يجعله الأقوى من هذه الناحية، لكن في عالم الموضة هناك دائما مفاجآت.