صنع في إسبانيا

نائبة رئيسة دار «كاريرا إي كاريرا» كارمن فارونا لـ «الشرق الأوسط»: الذهب يجري في جيناتنا ولا يمكن الاستغناء عنه

TT

لم تبخل علينا إسبانيا يوما بالمبدعين. ففي القرن الماضي وحده جادت علينا بالرسامين بابلو بيكاسو وسلفادور دالي والمصمم كريستوبال بالنسياجا وهلم جرا من الفنانين. في السعبينات من القرن الماضي، انضمت إلى اللائحة «كاريرا إي كاريرا» Carrera Y Carrera دار المجوهرات العالمية، التي يوجد مقرها في مدريد وتتحفنا في كل موسم بسيمفونيات تتلألأ على الذهب. ولادتها في السبعينات مهمة ليس بالنسبة للدار فحسب، بل بالنسبة لإسبانيا ككل، لأنها فترة شهدت الكثير من التغيرات الآيديولوجية والتطورات الاجتماعية، تمخضت عن نهضة ثقافية وفنية طالت الكثير من المجالات مثل الموسيقى والسينما والتصميم والقصص المصورة والأدب، إلى جانب فنون التصميم. السبب ببساطة يعود إلى أنها سجلت بداية جديدة تحررت فيها إسبانيا من قيود النظام القديم، وشكلت أرضية خصبة للانطلاق والإبداع. في خضم هذه التغيرات والنهضة، ولدت «كاريرا إي كاريرا» وكل جوارحها تواقة لخلق أسلوب إسباني غير مسبوق في صياغة الذهب، على وجه الخصوص. وبالفعل حققت الهدف المنشود، فهي الآن تعتبر واحدا من أهم بيوت المجوهرات في العالم، حيث تتوفر في 40 بلدا و80 في المائة من إنتاجها يباع خارج إسبانيا، وهذا يدل على أنها بلغت سن النضج وأن قطف قطعة من تصاميمها تعتبر إضافة إلى أي صندوق مجوهرات كل أنيقة. فقطعها تتعرف عليها من النظرة الأولى، وماركتها المسجلة التي تتلخص في تلاعبها بالذهب الأصفر اللامع وغير اللامع أو المطفي، أو بعبارة أخرى، بالمصقول وغير المصقول، أصبحت معروفة عالميا. وبحكم أنها إسبانية حتى النخاع، فهي تستقي الكثير من تصاميمها من الثقافة الإسبانية، سواء كانت طبيعتها أو موسيقاها وغيرها من الأمور المعاشة. هذه الروح الإسبانية تعكسها أيضا نائبة رئيسة الدار كارمن سيانز فارونا، التي تتكلم بكل فخر عن تصاميمها، مؤكدة إلى أن كل صغيرة وكبيرة تنتج في ورشاتها المتمركزة في مدريد، و«تصنع باليد وبحرفية عالية لأننا لا نستعمل الآلات الكبيرة، فهي لا تفي بالمطلوب بالنسبة لنا.. اهتمامنا بأدق التفاصيل يجعلنا نعتمد على الأيادي الماهرة وعيونهم الثاقبة وذلك الإحساس الفني الإنساني». وتضيف: «نعم لا نزال نستخدم التقنيات التقليدية، ولم نحاول أن نغيرها في أي وقت من الأوقات، لأننا نعرف أن نجاحنا يعود إليها وإلى احترامنا لتقاليدها العريقة».

وتشير بفخر إلى أن الحضارة الإسبانية كانت ولا تزال دائما منبعا لمصممي الدار ينهلون منها دون هوادة. ففي العام الماضي مثلا، تم طرح مجموعة «ميديترانيو» Mediterraneo التي، وكما يدل اسمها، مستقاة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وتجسدت في أصداف صغيرة زينت القطع إلى جانب نجمة البحر وغيرها من الصور التي ترتبط بالمنطقة وما توحيه من هدوء وجمال. وهذا العام كانت الموسيقى التقليدية هي الملهم في مجموعة «موزيكا» Musica، التي ترجمها مصممو وحرفيو الدار في أشكال غيتار أو أوتار، لكن يبقى أجملها تلك التي استلهموها من شكل تنورة فستان راقصة فلامنكو، وجاءت شبه متطايرة وكأنها ترقص بالفعل، بفضل شكلها من جهة والأحجار المتنوعة التي ترصعها مثل الماس الأبيض والأسود والعقيق واللؤلؤ والأونيكس من جهة ثانية. فهذه الأحجار خلقت شبه خدعة بصرية ثلاثية الأبعاد. تم تقسيم مجموعة «موزيكا» إلى أربع مجموعات، هي «كونشيرتو» التي غلبت عليها أشكال النوتات الموسيقية، و«أليغريا» التي تتميز بأشكال الغيتار الإسباني التقليدي وأوتاره، ويدخل فيها الأونيكس والماس وعرق اللؤلؤ، و«دانثا» التي تجسد شكل تنورة فستان راقصة الفلامنكو، وأخيرا وليس آخرا «ميلوديا» التي تلعب على أوتار الغيتار الإسباني.

ورغم أن الدار لا تبخل على مجوهراتها بالأحجار الكريمة عندما يتطلب التصميم ذلك، فإنها تركز على الذهب الأصفر أكثر، فهو شخصيتها التي لا يمكن التنصل منها وماركتها المسجلة التي تجعل المرأة العارفة تميزها عن غيرها من نظرة واحدة. وهذا ما تؤكده كارمن بقولها، إن «الأحجار لا تدخل في صلب عملنا. فالتركيز في معاملنا يكون على الذهب أولا وأخيرا. صحيح أننا نطرح الكثير من القطع المرصعة بالأحجار شبه الكريمة خصوصا، لكننا نريد أن نحافظ على شخصيتنا ونتميز عن غيرها. لا نريد أن نكون مثل أي من الماركات العالمية الأخرى».

المشكلة أن الاعتماد على الذهب قد يضع الدار في مأزق. فهي من جهة لا يمكن أن تغير جلدها وتستغني عنه، ومن جهة ثانية، عليها التعامل مع أسعاره التي أصبحت صاروخية في السنوات الأخيرة. أمر دفع الكثير من دور المجوهرات أن تبحث عن بدائل أو تقنيات تساعد على التخفيف من استعماله، لكن بالنسبة لـ«كاريرا إي كاريرا» فإن فكرة التغيير واستعمال معادن أخرى غير واردة، وحتى بالنسبة للتقنيات مثل المخرمات التي تحاكي الدانتيل، التي تلجأ لها بيوت مجوهرات أخرى للتخفيف من استعمال الذهب، تلجأ إليه الدار فقط عندما يخدم التصميم، حسب تأكيد كارمن. فالدار لا يمكن أن تستعمل أي مادة أخرى غير الذهب، ورغم ارتفاع أسعاره في الآونة الأخيرة، فإنها لا تنوي التلاعب به لأنه بمثابة الدم الذي يجري في عروقها، وبالتالي فهو مكمن قوتها واللغة التي تفهمها وتخاطب بها العالم.