مصممو لبنان يصرخون: نتعرض لسرقات في وضح النهار ولا من مجير

التقليد شكل من أشكال الإعجاب لكنه آفة تسبب خسائر جمة

TT

التقليد شكل من أشكال الإعجاب والإطراء، هذا ما يقوله المثل الشعبي، لكنه عندما يتجاوز حده، فإنه يتحول إلى نقمة لما يسببه من خسائر مادية جمة. في عالم الموضة، وبينما يعتبر استلهام أفكار أو أخذ تفاصيل قليلة من أي إبداع أصلي مقبول ومرحب به من باب «دمقرطة» الموضة وجعلها في متناول الجميع، فإنه يصبح خروجا عن القانون عندما يأخذ شكلا حرفيا. ورغم أن كثيرا من بيوت الأزياء تعبت وملت ورفعت الراية البيضاء بعد فشلها في محاربة ظاهرة التقليد التي تسبب لها خسائر كثيرة، خصوصا بعد أن وصل إتقانها درجات تثير الإعجاب ويصعب التفريق بينها وبين الأصلي، إلا أن المصممين المستقلين، أي الذين لا ينضوون تحت جناح مجموعات كبيرة يمكنها أن تستوعب الخسائر، هم أكثر المتضررين. فالمرأة التي تدفع مبلغا باهظا لقاء أي قطعة من تصميمهم تريد أن تتميز فيها، ولا تكون مشاعا للكل، والتقليد، لا سيما المتقن، يجعلها تتساءل عن مدى جدوى دفع هذه المبالغ الطائلة إذا كان بإمكانها أن تحصل عليها بسعر أرخص بكثير. وفي الوقت الذي تمر فيه كثير من القطع المقلدة مرور الكرام دون أن ينتبه لها أحد أو تثير الحفيظة، فإن الأمر يختلف تماما عندما تظهر بها شخصية تحت الأضواء. وليس أدل على هذا من الجدل الذي أثارته المغنية أحلام منذ أشهر إثر ظهورها بفستان زعم أنها نسبته إلى المصمم الفرنسي ستيفان رولان، لكن تبين فيما بعد أنه مجرد نسخة مقلدة بشكل جيد. قد يكون الأمر بمثابة إطراء للمصمم وإشارة إلى أن تصاميمه مرغوب فيها، كما كان الأمر سيمر مرور الكرام فيما لو كان هذا الأخير يطرح تصاميم جاهزة، وربما هذا هو المطب الذي وقعت فيه أحلام. فستيفان رولان متخصص لحد الآن في الـ«هوت كوتير» وسيطرح خطه الخاص بالأزياء الجاهزة في العام المقبل لأول مرة، مما يعني أن كل قطعة يبيعها لحد الآن فريدة ولامرأة لا تريد أن تنافسها امرأة أخرى فيها، لما قد يسببه لها الأمر من حرج في المناسبات الكبيرة، عدا أن هذا التفرد يعتبر من أهم العناصر التي تبرر سعر قطعة من الـ«هوت كوتير». ستيفان رولان، لم يتعامل مع أحلام ولم يسبق له التعامل معها في أي مرحلة من المراحل التي تتطلبها عملية أخذ المقاسات والتفصيل وغيرها من الأمور التي تدخل في صلب الـ«هوت كوتير»، لهذا فإنه ما من شك أن الفستان نسخة مقلدة.

لم يثر الخبر والصور كثيرا من الجدل على مواقع الإنترنت فحسب، بل فتح أيضا ملف التقليد والشهية على مناقشته في لبنان بالدرجة الأولى، كونها تحتضن نسبة كبيرة من المصممين العالميين، بموازاة خياطين مشهود لهم بإتقان عملية تقليد أي تصميم يرغب فيه الزبون.

بيد أن هذه المشكلة التي يعود تاريخها إلى أكثر من عشر سنوات كانت في الماضي تقتصر على موديلات لماركات أزياء معروفة تنتجها دور أزياء عالمية كـ«شانيل» و«ديور» وغيرها من الموديلات التي باستطاعة المرأة رؤيتها في الكاتالوغات أو المجلات الخاصة بالأزياء إلا أنها تفاقمت بعدما ذاع صيت مصممي أزياء لبنانيين في العالم أمثال إيلي صعب وربيع كيروز وجورج شقرا وزهير مراد وعبد محفوظ وغيرهم، ممن أصبحت تصاميمهم تثير الحلم والرغبة فيها.

الأسئلة التي تطرح نفسها تلقائيا عند التطرق لموضوع حقوق الملكية الفكرة والإبداعية هنا هي ما هو سبب الإٍقبال على المنتجات المقلدة؟ ومن هم زبائنها وما رد فعل المصمم عندما يعلم بأمر هذه السرقات؟.

للوهلة الأولى يبدو سبب هذا النوع من السرقات هو التوفير المادي، لكن صوفي، وهي إحدى الخياطات اللبنانيات، تقول إن زبائنها ينتمون إلى مستوى اجتماعي رفيع ويملكون المال الكافي لشراء ما يرغبون فيه من أزياء أو إكسسوارات، ومع ذلك يفضلون توفير مبالغ مالية طائلة تصل أحيانا إلى ألوف الدولارات من أجل استخدامها لشراء إكسسوارات فاخرة يفتخرون بحملها أو التزين بها. وتضيف صوفي التي رفضت أن يذكر اسمها كاملا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن بعض الزبونات لا يهمّهن الحصول على الزي الأصلي لمصمم عالمي أو لبناني كونها تعتبر أن التقليد يفي بالغرض ما دام متقنا ويخدع العين غير العارفة. المهم أن تكون أنيقة ومختلفة في كل إطلالاتها عن غيرها من النساء. ثم إنها ستوفر من هذه العملية ما بين 25 أو 50 ألف دولار وأحيانا أكثر بحكم أن تكلفة الخياطة لا تكلف أكثر من الـ20 ألف دولار بينما أي فستان لمصمم لبناني عالمي قد يزيد على الـ80 ألف دولار لا سيما إذا كان فستان زفاف. إحدى الزبونات، كما تقول صوفي، حملت لها مرة صورة لثوب من تصميم إيلي صعب مشكوك بأحجار «كريستال شواروفسكي» يتجاوز سعره الـ100 ألف دولار، نفذته لها بكلفة لم تتعد الـ15 ألف دولار وكانت سعيدة به للغاية.

الطريف أن غرفة القياسات التي تدخلها المرأة عادة لتجرّب هذا الفستان أو ذاك، من أكثر الأماكن المتعارف عليها لسرقة الموديلات. فالزبونة تقوم بتصويره بالجهاز الخلوي الذي تحمله، لنقل تفاصيل الزي بدقة، ثم تعتذر بعدها من المصمم أو مساعدته متحججة بأن الموديل لا يناسبها.

يقول المصمم عبد محفوظ لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «عادة لا أسمح للزبونات بتصوير الزي إلا إذا كنت على معرفة وثيقة بهن. في الماضي كنت أسمح بذلك، لكنني لاحظت فيما بعد أن الأمور آلت إلى السوء وأن هناك نمطا معينا تتبعه بعض النساء لتقليد تصاميمي، فما كان مني إلا أن قررت إيقاف التقاط أي صور. ومع ذلك هذا لا يمنع من أن بعضهن لا يزال يقمن بهذه العملية خفية في غرفة القياس». ويضيف: «هذه المشكلة نعاني منها منذ فترة والأسوأ هو أننا لا نستطيع إيقافها لأنه لا مرجعية رسمية تساعدنا.. وأنا شخصيا اضطررت أحيانا أن أواجه من قام بتقليد تصاميمي، ولكني لم أصل إلى نتيجة تذكر، بل كانت وسيلة لوضع النقاط على الحروف فقط. مثلا، تفاجأت مرة وأنا في إحدى البلدان العربية بإحدى تصاميمي معروضة في واجهة أحد المحلات وموقعة باسمي مع أن لا علم لي بذلك. بعد البحث، تبين أنها نسخ مزورة لا تمت إلي، بصلة وإن كانت تحمل اسمي». وختم عبد محفوظ بالقول: «هي آفة خطيرة لا أتحملها في ظل غياب تام لنقابتنا التي أعتبرها غير موجودة وغير فعالة. أنا الآن أكافح هذه الظاهرة على طريقتي من خلال اعتماد قصات وأقمشة وتفاصيل أخرى صعبة لا يستطيع المزوّر أن يقوم بها».

من جهته، يقول المصمم ربيع كيروز لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ظاهرة موجودة أيضا في الغرب، إذ إن الحفاظ على حقوق ملكية أي اختراع يتطلب تسجيله لدى السلطات المختصة حتى تستطيع المطالبة بحقك فيما لو سرقت منك. وهذا أمر غير بديهي، لأن المصمم لا يفكر في أن يسجل كل فستان يصممه على أنه ملكيته الخاصة. ثم إنه إذا كان التصميم نشر من قبل وسائل الإعلام، فلا يستطيع المصمم القيام بأي رد فعل على العكس فيما إذا سرق قبل الانتهاء منه. في هذه الحالة فقط يمكنه تقديم شكوى رسمية بحق مرتكبه».

ولا يبدو ربيع كيروز متضايقا من تقليد تصاميمه، قائلا: «لا يهمني الأمر لأن الموديل سيبقى حاملا اسمي ولو تم تقليده، ثم إن هذا الأمر لا أعاني منه أنا وحدي، بل غيري كثير من المصممين العالميين الذين سبقوني في هذا المجال. أنا أؤمن بأن هناك خطا معينا لكل مصمم، فإيلي صعب مثلا ابتكر مدرسة خاصة به يحاول كثيرون تقليده أو الاستيحاء منه ولكن ذلك لا يشكل أي خطر عليه لأن الناس ما زالت تعلق عند رؤيتها لتلك التصاميم بأنها تشبه تصاميم إيلي صعب».

بالنسبة لكيروز فإن القطعة المقلدة، ومهما بلغ التفاني في صناعتها وتقليدها، لا تكون كالأصلية بتاتا، مشيرا إلى أن «من هو ملم بالأمور يمكنه التعرف على المزيف منها تماما كالإكسسوارات التي تصنع في الصين وتحمل أسماء ماركات عالمية مثل (لوي فيتون) أو(فرساتشي) أو (ديور) وغيرها». ويضيف أن هناك أشخاصا - وهو واحد منهم - يرفضون رفضا باتا امتلاك أو اقتناء أي منتج مزور، سواء كان شريطا موسيقيا أو شريط فيديو، أو حقيبة أو محفظة أو ساعة أو نظارة، انطلاقا من قناعته بأنه لو فعل ذلك سيكون مشتركا في جريمة التزوير.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه كيروز على وجود فرق شاسع بين خط خاص بمصمم، وتقليد الخياط له من حيث الحرفية والدقة، فإنه يؤكد على عدم احترامه إطلاقا لأي مصمم يقلّد تصاميم زميل له ويوقعها باسمه.

وعن دور نقابة مصممي الأزياء في لبنان في الحد من انتشار هذه الظاهرة يقول: «أنا بصراحة لا أعرف أي شيء عن دورها لأنني أنتسب لنقابة الخياطين في فرنسا. وهنا أريد القول أن حتى لقب (Haute couture) يسرق ويتنافس البعض على إلحاقه باسمهم، وهو أمر غير صحيح في غالبية الوقت. من المفترض في صاحب هذا اللقب أن ينال هذا الاسم من فرنسا بعد أن يستوفي كل الشروط المطلوبة، ومر بها على وزارتي الاقتصاد والثقافة ونقابة الخياطين فيها».