هنا لندن.. هنا ولدت البذلة الرجالية والـ«توكسيدو»

عاصمة الابتكار والجنون تعود إلى جذورها وإرثها الارستقراطي

TT

الجميل في الموضة الرجالية، كما أكدت لندن في الأسبوع الماضي، أنها يمكن أن تكون أنيقة جدا ومعقولة جدا في الوقت ذاته، رغم شطحات بعض مصمميها إلى الفنون وجنون الإخراج. نعم كانت هناك ماركات تخاطب النخبة والرجل «الجنتلمان»، وهي الأغلبية، لكن كانت هناك أيضا ماركات شابة وحيوية تتلمس طريقها إلى العالمية، وتعوض ما تفتقده من إمكانيات واسم رنان بقدرة هائلة على الابتكار والتفصيل. منذ بداية انطلاق الأسبوع الرجالي بلندن في الصيف الماضي، وفكرته واضحة، ألا وهي الاحتفال بقدرات العاصمة على الابتكار وإعطاء الفرصة لمصمميها الشباب بإطلاق العنان لمخيلتهم، من دون أن تنسى التركيز على قدرات حرفييها ومصمميها المخضرمين. فهؤلاء هم مكمن قوة هذا الأسبوع الذي شهد انطلاقته الأولى في الصيف الماضي على يد الأمير تشارلز، والركيزة التي يستند عليها. وهذا يعني لفتة صريحة إلى إرث عريق في مجال التفصيل والخياطة الرجالية، وتذكير بأن الموضة الرجالية اختراع بريطاني في الأساس. فالملك تشارلز الثاني، هو أب البذلة كما نعرفها الآن، طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار تطورها الزمني، فيما ظهر «التوكسيدو» لأول مرة عندما طلب إدوارد السابع من خياطه الخاص أن يصنع له زيا مريحا خاصا بمناسبات المساء، ما لبث أن انتشر بين النخبة مثل انتشار النار في الهشيم. لهذا ليس غريبا أن تبقى أسس تقاليد هذه الصناعة قوية وصامدة في شوارع أصبحت تاريخية، نذكر منها «سافيل رو» و«جيرمين ستريت» على سبيل المثال. فهنا تتراص محلات الكبار ممن توارثوا المهنة أبا عن جد، وكان بالإمكان أن يعيشوا على أمجاد الماضي، لولا شعورهم بتهديدات يمكن أن تهز تاريخهم وكينونتهم. على رأس هذه التهديدات، أن الجيل القديم الذي يعتمدون على وفائه، لن يعيش للأبد مما يعني أن استقطاب جيل جديد من الزبائن أصبح ضرورة. هذا عدا عن زحف أسماء عالمية إلى شارعهم الخاص: مثل «لانفان» و«إلكسندر ماكوين» وغيرهما من الماركات العالمية التي تثير شهية الشباب. لحسن الحظ أن الورثة الشباب، استشعروا الخطر الداهم وتصدوا له بسرعة، ومن باب دخول مجال الأزياء الجاهزة. فقد فهموا أن استمراريتهم تعني تلبية متطلبات الرجل من جهة ومتطلبات العصر من جهة ثانية. فإيقاع الحياة السريع، واتساع رقعة الرجال الأثرياء، تحت سن الأربعين، ممن باتوا يريدون أزياء راقية لا تتطلب أسابيع لتنفيذها، يحتاج إلى استراتيجية جديدة وتعامل حيوي ومختلف. وبالفعل كما حقق أجدادهم النجاح في التفصيل على المقاس، حقق هؤلاء الورثة النجاح في مجال عروض الأزياء الجاهزة مثل «ديغي أند سكينر»: «أندرسون أند شيبارد» و«هاردي أيميز» بالإضافة إلى «ريتشارد جيمس»، «ناترز» و«جيرمي هاكيت»، وغيرهم من الأسماء المتمرسة.

بيد أن هذا لا يعني أن فكرة «صنع في بريطانيا» التي يقوم عليها الأسبوع: تعني فقط «سافيل رو» والخياطين الكلاسيكين، فقد ترك الباب مفتوحا لكل من يمكن أن يضيف إلى أسبوع العاصمة البريطانية شيئا، سواء كان هذا الشيء في مجال الإبداع والأناقة أو في مجال التسويق والاستثمار وما يتمخض عنه من خلق وظائف جديدة. ثم لا يمكن تجاهل أو تناسي أن لندن هي مهد الابتكار والصرعات والتقليعات، مما يجعل من الصعب على شبابها تحديدا الانسلاخ عن جلدهم تماما. وهذا ما يفسر ذلك المزيج المثير بين القديم والحديث وبين المستقى من قصور بريطانيا وثقافة الشارع الذي عشناه طوال ثلاثة أيام.

افتتحت الأسبوع، الذي شهد 60 عرضا، المصممة لو دالتون. جمعت في تشكيلتها بين العملي البروليتاري وبين الأنيق والرجولي المائلة، إلى الخشونة أحيانا. كما غلبت عليها بذلات «سبور» بأحجام تميل إلى الاتساع، وقطع منفصلة كان فيها قماش «التارتان الأسكوتلندي» هو الغالب. ولو دالتون لم تكن الوحيدة التي صوبت أنظارها نحو أسكوتلندا: فباتريك غرانت: مصمم «إي.توتز» أيضا عاد إلى جذوره الأسكوتلندية ليستقي منها الكثير: سواء من حيث الألوان والأقمشة والتصاميم: بما في ذلك الـ«كيلت» الذي يأتي على شكل تنورة رجالية من التارتان ببليسيهات من الأمام، أو الصوف المغزول في مصانع صغيرة في جزر الهيبريدز الواقعة في أقصى الشمال. في عرض «هاردي أيميز» أيضا كانت هناك لمسة أسكوتلندية خفية بين طيات بعض التصاميم المستوحاة من العائلة المالكة البريطانية، وتحديدا من مقر إقامتها بـ«بالمورال». بالرغم أن السيد هاردي أيميز، مصمم الملكة إليزابيث الثانية والنخبة الارستقراطية، توفي منذ فترة، إلا أن اسمه لا يزال ينبض بالحياة عندما يتعلق بالتصميم الكلاسيكي العصري، وهذا ما أكده عرضه في الأسبوع الماضي. ليس هذا فحسب، بل تأكد أيضا أن روحه لا تزل تحوم في الدار التي أرسى أسسها: إذ إن كثيرا من رموزها وشخصياتها لم تغب. الإبداع كان عنوان هذه التشكيلة، سواء فيما يتعلق بالأزياء أو الإكسسوارات أو طريقة تنسيقهما مع بعض. السترات مثلا، جاءت رشيقة تعانق الصدر والخصر، بينما لم يتعد طول البنطلونات الكاحل حتى تسمح بظهور الأحذية: التي كان للراحل صولات فيها، وليس أدل على هذا من مجموعة طرحها في حياته، بكعب عال «بلاتفورم»، أثارت كثيرا من الجدل والاستغراب حينها، خصوصا أنه كان يصمم للملكة والنخبة، لكنه أكد من خلالها أنه لا يخاف تغيرات العصر ومستعد لها.

* القطاع الرجالي ينمو بسرعة أكبر من قطاع الأزياء النسائية، حسبما أفادت دراسة أجرتها شركة «كونسالتنسي باين أند كو» فهو ينمو بنسبة ـ14% في السنة، في حين نمو قطاع الأزياء النسائية بنسبة 8% فقط. وهذا ما شجع كثيرا من المصممين، الذين توجهوا للجنس اللطيف بكل ثقلهم في السابق أن يغيروا دفة اتجاههم نحو الرجل، مثل ريتشارد نيكول، وجواناثان سوندرز، وكريستوفر كاين، وجي. دبيلو أندرسون. وشمل هذا الاهتمام أيضا المجموعات الضخمة مثل «إل في إم إتش» و«بي بي آر». الأولى تملك شركة «برلوتي» التي تدفع بها إلى الواجهة بكل قوة إلى جانب «ديور أوم»: والثانية تملكت منذ فترة قصيرة فقط دار «بريوني» الإيطالية. وأول ما قامت به هو إغلاق الجانب النسائي فيها مفضلة التركيز على الجانب الرجالي فقط.

* أهم الأحداث التي شهدها الأسبوع الرجالي

* التحاق الأميركي توم فورد بأسبوع لندن للموضة الرجالية لأول مرة، مما أثار كثيرا من الحماس في أوساط الموضة البريطانية. فاسمه يكفي لجذب الأنظار والمزيد من البريق لأسبوع يتلمس خطواته الأولى في المجال الرجالي مقارنة بأسبوعي ميلانو وباريس. تجدر الإشارة إلى أن توم فورد لم يقم بهذه الخطوة من باب التعاطف مع مصممي لندن أو لغرض مثالي، بل هي خطوة محسوبة لصالحه أيضا. فإلى جانب استفادته من كون لندن مركزا تجاريا حيويا ومهما في السنوات الأخيرة، وافتتح فيها محلات كبيرة، فهو أيضا يضمن أن يكون نجما بارزا فيها عوضا عن أن يكون اسما من بين عشرات الأسماء العالمية في العواصم الأخرى، وبهذا تكون الاستفادة متبادلة.

* عرض دار «إلكسندر ماكوين» في الأسبوع لأول مرة بعد أن كانت مشاركتها تجري في باريس لسنوات. مصممة الدار، سارة بيرتون، عادت بتشكيلة مستوحاة من عالم المافيا والعصابات، تميزت بتصاميم واسعة تستحضر أفلام الخمسينات، وفي الوقت ذاته مفصلة بشكل يستحضر تقنيات وحرفية «سافيل رو» حيث يوجد محلها. شملت التشكيلة بذلات بأقمشة متنوعة وسترات «توكسيدو» إلى جانب قطع شابة بعضها مستوحى من الكيمونو وبعضها تجريبي، لكنها في كل الحالات مبهرة وممتعة للنظر على الأقل.

* ماركة «بيلستاف» أيضا عرضت لأول مرة وأتحفت بتصاميمها المصنوعة من الجلود المترفة.

* مشاركة المغني ليام كالاغر بأول محاولة له في مجال الأزياء من خلال خط جديد يحمل اسم «بريتي غرين» (الأخضر الجميل).

* إعلان دار «إي.توتز» بأن نجاحها في المجال الرجالي فتح شهيتها لدخول غمار تصميم أزياء نسائية في القريب. وأضافت على لسان مصممها باتريك غرانت: إنها فوجئت بحجم إقبال أنيقات من مثيلات العارضتين أليكسا تشأنغ ولورا بايلي إلى جانب محل كبير في اليابان، على قمصانها تحديدا. وعلق باتريك غرانت قائلا: «لقد بدأنا على التو خطا صغيرا جدا يشمل قمصانا نسائية، يمكن القول إنها رجالية بحتة، بتصميم رجالي وبنفس الأقمشة المخصصة له». تجدر الإشارة إلى أن باتريك غرانت، هو مصمم «نورتن أند سان» إلى جانب «إي. توتز».

* تقديم المصممة جوانا سايكس: أول تشكيلة رجالية لها لدار «نيكول فارحي»: التي غادرتها مؤسستها في منتصف العام الماضي. لم تكن التشكيلة صادمة، كما لم تحمل أي جديد سوى قدرة المصممة الشابة على منح الرجل العصري أزياء مضمونة بخطوط بسيطة وكلاسيكية، رغم تقديمها مجموعة شملت جاكيتات قصيرة من الجلد وكنزات بالأبيض والأسود.