أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2013.. رمادي قاتم

«نيمو» تعصف به وتربك مواعيده

TT

مرة أخرى، أكدت الطبيعة الأم أنها لا تهتم بالموضة ولا تحسب لها أي حساب، وهذه هي المرة الثانية التي تكاد تصيب فيها أسبوع نيويورك للموضة في مقتل، في هذا الوقت من العام الماضي، أصابته عاصفة اسمها «ساندي» لتربك مواعيده وتضعف توهجه، وهذا الأسبوع عصفت به «نيمو» معطلة حركة السير والطيران وأيضا مؤثرة على إيقاعه الذي كان في يوم من الأيام يثير حسد باقي العواصم، بالنظر إلى عدد النجوم الذين كانوا يحضرونه ويزيدون من بريقه، ولولا أن هذه التشكيلات تم تصميمها منذ أشهر وتم اختيار ألوانها وقصاتها أيضا منذ عدة أشهر، لقلنا إن المصممين كانوا يتوقعون هذه الكارثة الجوية وتحسبوا لها من خلال ألوان قاتمة، مثل الأسود والرمادي والأبيض، والتصاميم التي تغطي كل جزء من الجسم بحيث لا يمكن أن تخترقه لو نسمة هواء خفيفة.

وبالنتيجة فإن الأجواء في نيويورك كانت قاتمة خارج وداخل مركز لينكولن، المقر الرئيسي للعروض، على حد سواء فبينما كان المصممون يستعدون لعرض تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2013 - 2014، كانت الأنباء الجوية غير مطمئنة وتفيد بأن عاصفة ثلجية قوية عطلت حركة الطيران والسير، كما أطل عمدة نيويورك.. على سكان نيويورك لينصحهم بتخزين المواد الأساسية، مثل الأدوية وغيرها تحسبا لاحتمال انقطاع الكهرباء وصعوبات التنقل، كل هذا جعل حضور العروض طوال الأسبوع يحتاج إلى عزيمة قوية وإبداعات تستحق مواجهة البرد والثلوج من أجلها، وللأسف، لم تقتصر تأثيرات الطقس على حركة السير والمواصلات بالنسبة للضيوف فحسب، بل امتدت إلى جوانب أخرى منها عدم وصول البضائع، من أزياء وإكسسوارات لعين المكان في الوقت المقرر لوصولها، وكان أكثر المتضررين من هذا المصمم مارك جايكوبس، الذي فاجأ الكل، قبل عرضه بيومين بنشر بيان أعلن فيه أنه مضطر لتأجيل عرضه الذي كان مقررا ليوم الاثنين الماضي إلى يوم الخميس، السبب؟ عدم وصول شحنة الأزياء والإكسسوارات التي كان سيعرضها، وملقيا اللوم على عاصفة «نيمو». وحتى لا يثير غضب الكل ويخلق فجوة في يوم الاثنين، عرض خطه الأرخص «مارك باي مارك جايكوبس» مساء يوم الاثنين عوض يوم الثلاثاء، المشكلة التي يعرفها مارك جيدا أنه بتأخير عرضه إلى مساء هذا اليوم، وهو آخر يوم في الأسبوع النيويوركي، أن فرصه في حضور جمهور كبير مــــن وسائـــل الإعلام والمشـــــــــترين المهمين قليل؛ لأن أغلبهم يكون في طريقه إلى لندن، التي ينطلق أسبوعها غدا الجمعة. لهذا حرص أن ينشر وشريكه في العمل روبرت دافي بيانا جاء فيه: «نحن آسفين أشد الأسف على أي إزعاج يمكن أن يسببه هذا التغيير لكم ولفريق عملكم، ونتمنى من قلوبنا أن تتمكنوا من حضور العرض بتوقيته الجديد، لكن إذا لم تتمكنوا من ذلك، فنحن متفهمون الوضع ونعرف أن لديكم التزامات بحضور عروض لندن.. شكرا على صبركم وتفهمكم».

ما يعرفه مارك جايكوبس أن موازين القوى تغيرت منذ بضع سنوات، والزمن الذي كان فيه هؤلاء يبقون في التفاحة الكبيرة من أجله عيونه على أساس أن أسبوع لندن غير مهم، قد ولى. فالعاصمة البريطانية أصبحت في أهمية نيويورك، إن لم تكن أكثر، وبالتالي فإن حفل الافتتاح الذي ستترأسه سامنثا كاميرون، زوجة رئيس الوزراء البريطاني وتفتح فيه أبواب «10 داونينغ ستريت» للنخبة من صناع الموضة، مساء غد، ليس بالأمر الذي يستهان به، بــــل أصبـــــــح من الفعاليـــــــات المثيرة، التي تحرص على حضورها وسائل الإعلام قاطبة. هذا عدا أن لندن سحبت السجاد من تحت نيويورك منذ عدة مواسم مــــــن حيـــــث الابتكـــــــار والإثارة، ففي الوقت الذي تأتي بعض وسائل الإعلام المهمة لحضور أسبوع نيويورك بسبب الإعلانات والمعلنيـــــــن، فإنهــــــم يأتون للندن للمتعة والتقاط توجهات الموضة المستقبلية. فعلى الرغم من أن قلة من مصمميها لهم قدرة على الإعلان في معظم هذه المجلات، فإنهم يعوضون عن فقرهم المادي بالابتكار الفني والإيقاع السريع.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الكثير من محررات الأزياء المهمات والمشترين ألغيت رحلاتهم إلى نيويورك وتغيبوا عن عروض الأيام الأولى، مثل عرض «زاك بوسن» يوم الأحد وجايسون ويوم الجمعة، إلا أنه من الخطأ القول إن «نيمو» جعلت الكل يعزف عن الخروج من بيوتهم. فقد كان هناك شبه تضامن بين المصممين والمشاهير على إنجاح هذه الفعالية وكأنهم في تحد وطني أو تحد ضد الطبيعة، بعضهم جاء بأحذية لا علاقة لها بالموضة مثل المصمم مايكل كورس، الذي حضر لابسا «أغز» (Uggs) مفضلا الراحة والسلامة على الأناقة، لكن ما إن دخل الكواليس حتى غيرها بحذاء اسود من الجلد تماشيا مع بذلته.

كان عرض جايسون وو، المصمم الذي ارتدت له سيدة البيت الأبيض الأولى، ميشيل أوباما عدة فساتين من إبداعه وفي مناسبات مهمة مثل حفل تنصيب زوجها، من أهم العروض في الأيام الأولى، وما يحسب له أنه تفادى مشكلة تعطل حركة السير والطيران وعدم تمكن الكثير من الضيوف من متابعة عرضه، باللجوء إلى الإنترنت والبث المباشر على موقعه الخاص، وهي وسيلة لم يكن الوحيد الذي اعتمدها، بل معظم المصممين رأوا فيها الحل الأمثل لمواجهة «نيمو».

والملاحظ في معظم التشكيلات غلبة الألوان الداكنة مثل الرمادي والأسود والأزرق النيلي، مع قليل جدا من الألوان. وربما يكون عرض ماركة «ليبرتين» الوحيدة تقريبا الذي أدخلت عليه ألوان تتوهج بألوان صارخة كسر قتامة الشتاء. فعرض ألكسندر وانغ، مثلا، كان فيه الرمادي هو السيد، بينما تعطي التصاميم الانطباع أنه كان يتنبأ بشتاء قارس أو فقط أنه يخاطب أسواق الشرق الأوسط. أسلوب وانغ، كما نعرفه، أنه يميل إلى الأناقة الـ«سبور» والعملية إلى حد كبير، الأمر الذي استقطب له شرائح واسعة من الشباب، ولم يخرج الأمر هذه المرة عما عودنا عليه، لكنه أضاف إليه رشة إبهار وأنوثة، صحيح أنه غطى الجزء الأعلى بالكامل، إلى حد أنه يناسب امرأة من أفغانستان، إلا أنه ترك الجزء الأسفل خفيفا، وأحيانا بفتحات جانبية أو بقماش شفاف، وكأنه يريد التخفيف من وقع الصورة التي تنطبع في الذهن للوهلة الأولى، أو فقط اقتراح خيارات يمكن لأي امرأة أن تتبناها، بغض النظر عن البيئة والجنسية والميول، كما لا ننسى هنا أنه يتأهب لعرض أول تشكيلة له لدار «بالنسياجا» في الشهر المقبل، وهو دور لا يستهان به على الإطلاق، ولا شك جعله يتدرب على دوره الجديد بتذوق البهارات الجديدة من الإبهار والإثارة الأنثوية، التي اشتهرت بها الدار التي أسسها واحد من أهم المصممين في القرن العشرين، كريستوبال بالنسياجا في منتصف القرن الماضي. وربما هذا ما يفسر أيضا الخامات المترفة التي طالعنا بها مثل الجلد الناعم والفرو.

لكن على الرغم من الفرو والجلد والطيات المبتكرة التي يتقنها ألكسندر وانغ، فإن البريطانية، فيكتوريا بيكام، هي التي أضفت على الأسبوع الكثير من البريق، ولا يعود الفضل في هذا إلى حضور زوجها لاعب الكرة ديفيد بيكام وطلفتهما هاربر التي لا يتعدى عمرها الـ18 شهرا، بل أيضا تصاميمها التي لا بد وأنها جعلت عيون المشترين من المحلات الكبيرة تلمع فرحا، فهــــــــــي مضمونـــــــة وتســــويقهـــا أكثر من سهل بالنسبة لهم، فالمعروف عن فيكتوريا التي أصبحت لها مكانة محترمة كمصممة أزياء، أنها تفهم الجانب التجاري والتسويقي بشكل جيد، والتالي، فإن ما طرحته من فساتين وتنورات وجاكيتات ومعاطف مفصلة بحرفية لا يعلى عليها، إلى جانب مجموعة حقائب يد بأحجام متنوعة، لا بد أنها ستجد طريقها إلى خزانات نساء العالم بغض النظر عن أعمارهن، لا سيما أنها حرصت أن تعكس كل قطعة أسلوبها الخاص، الذي تتابعه هؤلاء النساء، ولن نستغرب إن رأيناها في المواسم المقبلة تتوسع وتدخل مجال تصميم الأحذية عوض الاستعانة بغيرها مثل مانولو بلانهيك.