لندن تختتم واحدا من أنجح أسابيعها بتشكيلات مبتكرة وسهلة التسويق

حصاد أسبوع يمزج الشاعرية والعملية

TT

لم تكن هناك ابتكارات ثورية، لكن كانت هناك اتجاهات كثيرة ستغير أسلوبنا في الموسمين المقبلين، سواء كانت استبدالنا المعطف بالـ«كاب» أو معانقتنا للون البرتقالي أو عودتنا إلى أناقة زمان بكل بريقها، رومانسيتها أو نقوشها المتضاربة والـ«فينتاج» وغيرها. المهم أنك تخرج بنتيجة واحدة وهي أن المصممين أضافوا الكثير من الأناقة إلى سجل الموضة من دون أن ينسوا أن التسويق في نفس أهمية الابتكار للاستمرار. طبعا جانب التسويق اكتسب أهمية أكبر هذا الموسم، بعد أن تبوأت ناتالي ماسيني، منصب رئيس منظمة الموضة البريطانية، فهي امرأة تتمتع برؤية واضحة ولمسة ذهبية، بحيث لا يمكن أن تدخل أي مغامرة من دون أن تحسب لها ألف حساب وتحولها إلى نجاح باهر، وليس أدل على هذا من أنها المرأة التي أسست أول موقع منتجات مترفة «نيت أبورتيه دوت كوم»، وأنجحها على الإطلاق. حصاد ما تم تقديمه في الأيام الأخيرة:

* «بيربيري».. المعطف الممطر يزيد رومانسية

* - إذا كان تايور التويد هو أيقونة دار «شانيل» والتنورة المستديرة والجاكيت المشدود عند الخصر لصيقين بدار «ديور»، فإن المعطف الممطر هو ملكية دار «بيربيري» وأيقونتها بلا منازع. فهو القطعة التي تأسست عليها الدار منذ أكثر من قرن ونصف القرن تقريبا، لهذا ليس غريبا أن تعود إليه في كل موسم لتتبرك به وتقدمه بأشكال جديدة مفعمة بالحب. وما قدمه مصممها الفني كريستوفر بايلي يوم الاثنين كان كل هذا بدليل أن التشكيلة نفسها جاءت بعنوان «ترانش كيسز» أي «قبلات المعطف» والنقوش التي غطت الكثير من القطع كانت على شكل قبلات. الجديد في هذه التشكيلة أنها اكتسبت أنوثة أقوى من ذي قبل، إذ تخلى فيها المصمم عن تلك الرومانسية الحزينة التي طالعنا بها في الموسمين الأخيرة، على الأقل بتخليه عن الألوان المطفية والنقوش المستوحاة من حضارات قديمة مثل الازتيك وغيرها. في المقابل، قدم تصاميم ترقص بإيقاعات مثيرة، من ناحية الألوان والقصات ونقوش الغاب، بل وأيضا من ناحية الأقمشة الجديدة التي أدخلها مثل تنورة من المطاط الشفاف ومجموعة معاطف مزينة بتفاصيل معدنية أو بلون الذهب عند الياقات. للمرأة الكلاسيكية كانت هناك أيضا قطع من الصوف والكشمير والفرو وتنورات مستقيمة مطبوعة بنقوش النمر، علما أن هذه النقوش ظهرت أيضا في معطف وحقائب يد، وأحذية من دون كعوب مستوحاة من الأسلوب الرجالي، أو بكعوب منخفضة.

* أليس تامبرلي.. أناقة زمان

* لم تحضر دوقة كمبردج ولا أختها بيبا عرض واحدة من المصممات اللواتي يعشقن، أليس تامبرلي، لكن هذه الأخيرة، لم تكن تحتاج إلى أي منهما لإثارة الانتباه أو لانتزاع الإعجاب. فقد كان إجماع من كل الحضور بأنها قدمت واحدا من أجمل العروض التي شهدها أسبوع لندن لموسمي الخريف والشتاء المقبلين. ويمكن القول إنه عرض يمكن أن يناسب أسبوع باريس أكثر، وليس من المبالغة القول إنه لن يكون نشازا في موسم الـ«هوت كوتير» نفسه نظرا لدقة التصاميم ونعومة الخطوط والألوان والتطريزات. ويبدو أن فيلم «ألفريد هيتشكوك» الذي صدر مؤخرا كان له تأثير كبير على المصممة. فقد اعترفت أنها استلهمت من بطلته المفضلة تيبي هيدرين هذه التشكيلة، ومن هنا كان عنوانها «بيردز»، أي «الطيور»، إشارة إلى فيلمها الشهير، وهو أيضا ما يفسر الخصور العالية التي ظهرت في تنورات طويلة نسقتها ببساطة مع كنزات ناعمة من الكشمير، أو مع معاطف واسعة أقرب إلى المستديرة، وقمصان شفافة بتطريزات هادئة. أي أناقة تستحضر أناقة النجمة تيبي وأيضا فترة الستينات، وللمساء والسهرة كانت القصات أكثر إبهارا، جاء بعضها مرصعا بالأحجار البراقة التي يمكن تجعل المرأة تستغني تماما عن أي إكسسوار أو مجوهرات، خصوصا تلك التي جاءت باللون الأبيض الثلجي، والتي يمكن أن تكون أيضا فستان عرس لشابة عصرية لا تريد المبالغات. لكن كانت هناك أيضا فساتين سهرة لا تقل جمالا وإبهارا بألوان أخرى مثل الأسود المقلم بالذهبي والأزرق النيلي وغير ذلك. ويبدو أن المصممة الشابة تعرف بنات جيلها جيدا، إذ قالت إن التصاميم «تعود بنا إلى إطلالات قديمة من الزمن الجميل، لهذا فإن كل واحدة منا، وفي قرارة نفسها، تريد أن تتبنى هذه الإطلالة»، وبالتالي أنهت العرض بالكثير من الحنين إلى عصر هوليوود الذهبي تراقص فيها بريق الذهب مع نعومة ورومانسية التصاميم.

* بول سميث..

* رومانسية التفصيل

* بول سميث من المخضرمين في لندن، فقد افتتح أول محل له في بداية السبعينات، والآن أصبحت له إمبراطورية ممتدة من الغرب إلى الشرق، ومحبو أسلوبه في تزايد. أسلوب يتمتع بالتفصيل الرجالي واللعب على الأنثوي والذكوري مع لمسة شقاوة لا تخطئها العين، تعكس شخصيتها الشابة على الرغم من تعديه الستينات بكثير. تشكيلته لخريف وشتاء 2013، لم تخرج عن هذه الجينات، لكنها ارتقت بالتفصيل إلى مستوى رومانسي غير مسبوق. فهو يعترف دائما أن مكمن قوته في التفصيل الرجالي، وبأنه دخل مجال المرأة فقط بعد إلحاح المرأة وإقبالها على كل تصاميمها بما فيها الرجالي من قبل. لكن الجديد الذي نلاحظه في كل موسم، أن الجانب النساء يستقوي بالتدريج وليس ببعيد أن يتفوق على الرجالي في القريب. الألوان كانت منسجمة مع بعض على الرغم من تناقضها، مثل اللون التوتي مع البرتقالي والأزرق. أما فكرة الذكوري والأنثوي فلم يسبق لها أن كانت بهذا الانسجام من قبل، حتى عندما نسق البنطلون القصير مع معاطف مستديرة وواسعة لمظهر منطلق يناسب امرأة مرتاحة ومنسجمة مع نفسه. إذا كان هناك شيء ضعيف في هذه التشكيلة فهي الفساتين القصيرة، التي كان قدرها أن تعرض بموازاة التايورات والمعاطف والبنطلونات القوية التأثير، بحيث كان بإمكانها أن تغطي على أي شيء سواها، مهما كان رائعا. في آخر العرض أطلت علينا العارضات وكأنهن يقدمن رقصة باليه بعنوان «ألوان قوس قزح» على نغمات أغنية ديفيد بوي «لنرقص مع بعض» بإيقاعاتها «الروك أند رولية» التي تؤكد أن المصمم المخضرم لا يعرف سوقه فحسب، بل أيضا يواكب نبض الشارع وإيقاع الحياة من دون كلل أو تقاعس. بعد العرض قال: «الفتاة التي أتوجه إليها هي من النوع الذي تقابل في الشارع».. لكنها أيضا الفتاة التي تريد جميع الفتيات أن يتشبهن بها.

* ماريوس شواب..

* فن الخط العربي

* عرض ماريوس شواب، كان لفتة ساحرة للخط العربي وإن جرده من معانيه. فقد استعان بالخطاط التونسي، نجا مهداوي، المعروف بمصمم الحروف الراقصة ليخلق تشكيلة تأخذك إلى عالم شاعري لا تفهم أبجدياته، ومع ذلك تعشق سحره. فمعنى الحروف لا يهم هنا بقدر ما يهم جمال أشكالها، وربما هذا ما جعله يتعاون مع الفنان التونسي. فمهداوي فنان تشكيلي أكثر من كونه خطاطا، لكنه يستلهم أعماله من الخط العربي، ويحولها إلى أشكال شبه مجردة تبدو وكأنها حروف متشابكة من دون أن يكون لها معنى لغوي.

وهذا تحديدا ما استفاد منه المصمم الشاب ماريوس، الذي ينحدر من أصول يونانية نمساوية، وأصبح قوة لا يستهان بها في عالم الموضة عموما، وفي أسبوع لندن خصوصا. فمنذ سنوات وهو يغازلنا بفساتينه الفاخرة التي تأخذنا إلى عالم هوليوود في عصرها الذهبي، ولا يبخل علينا بالأقمشة المترفة أو بالتصاميم المبتكرة. لخريف وشتاء 2013 - 2014، لم يغير اتجاهه، فهو يعرف أنه، على خلاف كثير من أبناء جيله، توصل إلى الوصفة الناجحة التي لا يحتاج فيها إلى تغيير بقدر ما تحتاج إلى تطوير وتجديد في كل مرة. فقد قدم، إلى جانب التنورات المبطنة بالتول والفساتين المخملية والمعطف الذي يأخذ شكل «كاب» أي من دون أكمام، تجربة لغوية تستهدف الجانب الشاعري بداخل كل امرأة، ونجح، وإن كانت القطع التي ركز فيها على الخط العربي معدودة تركت النفس مفتوحة على المزيد الذي لم يأتِ للأسف. يقول شواب إن تعاونه مع الفنان مهداوي «جريء أقرب إلى رقصة بإيقاعات خيالية، أو بالأحرى الإيحاء بأن ما هو مكتوب أحرف عربية، على الرغم من أنها عبارة عن حروف مجردة من أي معنى حقيقي». وأضاف أن تركيزه كان على الجمال البصري للخط العربي وليس على المعاني بالضرورة. ولا شك أن هذه الصور انعكست بالإيجاب على القصات الهندسية من جهة وعلى الأقمشة مثل المخمل والدانتيل من جهة ثانية، من ناحية خلقها نوعا من التوازن بين التصاميم التي تخاطب الشرق وجاءت شبه مغطاة بالكامل، أو ذات الياقات المفتوحة بشكل كبير عند الصدر مثلا وتخاطب المرأة أينما كانت.

* تود لين.. مغامرة أناقة

* في المقابل، كانت تشكيلة تود لين مختلفة تماما. لم يكن فيها بريق الذهب أو الماس أو أي من الأحجار الكريمة، بل كانت تتحدى كل ما يبرق بالتفصيل وإحساس بالقوة، وهو أسلوب يميزه ويعود إليه دائما. التشكيلة التي اقترحها لخريف وشتاء 2013، كانت بعنوان «أنتي بيلوم»، ومعناها «قبل الحرب»، بيد أنها حرب مختلفة عما يمكن توقعه، حسب ما جاء في الورق الذي تركه المصمم على المقاعد ليشرح قصة هذه الحرب: «إنها عبارة عن عصابة جديدة مقرها في نيويورك، تهاجم الناس لسرقة ما يلبسون، ثم ترسله لخياطات في المنطقة لإجراء تغييرات عليها». أما كيف ترجم المصمم هذه القصة الغريبة، فبطرحه جاكيتات مفصلة مشدودة عند الظهر منحها حجما أكبر عند الأكتاف وجعل لها فتحات من الجوانب توحي بأن من تلبسها ليست صاحبتها الحقيقية. ترجمها أيضا من خلال تنورات بطيات متراكبة فوق بعضها البعض، نكتشف بعد ثوان أنها جاكيتات تم قصها وإعادة خياطتها كتنورات وهكذا. قصة غريبة ودرامية توازي درامية التصاميم والألوان الداكنة.