التشكيلي نجا المهداوي والمصمم ماريوس شواب.. لقاء حضارات

الفنان التونسي: احترام الحرف العربي جزء من احترامنا لثقافتنا العربية الإسلامية

TT

في عرضه لخريف وشتاء 2013 - 2014 خلال أسبوع لندن للموضة الأخير، فاجأ المصمم ماريوس شواب الجميع بتشكيلة شاعرية كان فيها الخط العربي هو البطل بلا منازع. لم تكن هناك رسائل مكتوبة أو كلمات واضحة، لكن ما إن تقع عليه العين حتى تغرق في بحر جمالياتها التي تأخذك إلى الماضي الجميل. المصمم تعمد أن تكون الكلمات مجردة من معانيها، لهذا استعان بالخطاط التونسي نجا مهداوي، المعروف في أوساط العارفين بخطاط الحروف الراقصة، وبأنه فنان تشكيلي أكثر من أنه خطاط. فرغم أنه يستلهم أعماله من الخط العربي، فإنه يحولها إلى أشكال شبه مجردة تبدو وكأنها حروف متشابكة من دون أن يكون لها معنى لغوي. وربما هذا ما يجعلها مناسبة لكل امرأة تريد الغوص في ثقافات الغير حتى وإن لم تتكلم لغتها. من هذا المنطلق يقول المصمم إن تعاونه مع مهداوي كان «جريئا أقرب إلى رقصة بإيقاعات خيالية، بأحرف عربية مجردة من أي معنى حقيقي» لأن الفكرة كانت التركيز على الجمال البصري للخط العربي وليس بالضرورة على المعاني. وهكذا ولدت تشكيلة تخاطب الغرب وفي الوقت ذاته تخلق نوعا من الحنين بداخل كل من يعشق الحرف العربي والفنون الإسلامية عموما.

في لقاء مع ماريوس شواب، اعترف قائلا: «بالنسبة لي، يتضمن هذا الفن الكثير من الجماليات المحملة بالشاعرية ونوع من الحنين أو الرومانسية.. فهي تلح على الذهن بشكل مثير لتحمله إلى عالم بعيد وسعيد في الوقت ذاته». ويشير إلى بداية قصته مع الفنان التونسي إلى أنها جاءت بمحض الصدفة بعد أن سمع عنه من صديق مشترك حكى له عن فنه وكيف أنه يجرد الحروف من معانيها، محافظا على كل جمالياتها لتنطبع في الذاكرة وكأنها لوحات من الفن التشكيلي. ما كان من المصمم إلا أن اتصل بابنة الفنان مولكا مهداوي التي نسقت له موعدا على «سكايب» مع والدها. يتابع ماريوس: «طرحت عليه فكرتي وتصوري، وبعد ذلك كلفت شخصا يعمل معي بأن يذهب إليه في تونس لكي يقابله وجها لوجه. ويمكنني القول إن كل الأمور سارت على ما يرام وبسلاسة، لأنه فهم التقنية المطلوبة وكيف وأين يمكن تطريزها بدقة. بعدها أرسلنا إليه مجموعة من الرسومات الأولية مع تعريف وشروحات عن أعمالي السابقة وآيديولوجية الدار وما تهدف إليه وتقوم عليه، حتى نقنعه، وهذا ما كان».

من جهته، قال نجا المهداوي الفنان التشكيلي التونسي إن تجربته مع «ماريوس شواب» كانت بمثابة حوار حضارات، رغم أنها لم تكن الأولى من نوعها. فقد سبق له أن وظف الحروف من خلال حركة الجسد في تجربة سابقة مع المصمم التونسي العالمي عز الدين علايا، المقيم حاليا بالعاصمة الفرنسية باريس. يقول: «كان عرض هذا الأخير بعنوان (أميرات علايا) وشاركت فيه عارضات سوبر مثل ناعومي كامبل، وكان دوري فيه الإشراف على الإخراج». ويتابع في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط»: «مهمتي كانت مساعدة ناعومي كامبل وباقي العارضات المشاركات على تحريك أيديهن بأسلوب يعطي الانطباع للمشاهد كما لو أنه يتابع عرضا يعتمد على إيقاعات حروفية، أي أن تتحرك العارضة انطلاقا من جمالية الحروف العربية حتى دون استعمال الحروف والكلمات والجمل».

وأشار أيضا إلى أن ما شجعه على التعاون مع ماريوس عروض أزياء أخرى أقامتها في السابق آمال الصغير مصممة الأزياء التونسية، التي استقرت فترة في باريس قبل أن تعود إلى تونس، وتتخصص حاليا في أزياء المسرح، وأعجب بها كثيرا. ويشرح كيف أن هذه المصممة تعتمد في تصاميمها على الحروف المطرزة بتوظيف الحرف التقليدية التونسية المستنبطة من مدن تونسية كثيرة على رأسها رفراف (شمال تونس) بالإضافة إلى مدن قفصة وجربة والمكنين والجم وقصر هلال والمهدية، لتعطيها بعدا آخرا. بيد أنه يؤكد أن تعاونه مع ماريوس شواب كانت له نكهة مختلفة، وبأنه كان ممتعا ومهما على حد سواء، لا سيما أن المصمم أبدى له إعجابا كبيرا بالخط والحروف العربية واحتراما للثقافة العربية: «لو لم يكن الأمر كذلك لما تعاونت معه. فاحترام الحرف العربي جزء من الاحترام لثقافتنا العربية الإسلامية».

وهذا ما أكده ماريوس شواب بقوله: «أعتقد أن نجاح التعاون بيننا يعود إلى التناغم بين وجهات النظر والاحترام. فأنا من أشد المؤمنين بأن نجاح أي علاقة يجب أن تبنى على الاحترام والاقتناع بفن وأعمال الآخر. ولا أخفي أن أعمال مهداوي ألهمتني لأنها عصرية ومواكبة للزمن الذي نعيش فيه، لهذا فإن توجيهاتي له اقتصرت على التخطيط وتصميم شكل الجسم، أو بالأحرى التصميم، أما الباقي فكان مثل الكنفس الأبيض مفتوحا تماما لرؤيته كفنان». مهداوي، كما قال لـ«الشرق الأوسط» اقترح على المصمم إيقاعات حروفية حرة انتشرت على مستوى الكتفين والصدر، وبأنه كانت له مطلق الحرية في أن يضيف تصوره على العمل، وأن العلاقة كانت فنية وحضارية أكثر منها رغبة في جني الأرباح. فالمصمم أقنعه بأنه غير معني بتحقيق الربح على حساب الفن، بينما هو لم يصر على عقد بينهما، واكتفى بأن يحصل على قطعة من كل زي ساهم في تطريزه عوض أي مقابل مادي.

* من هو نجا المهداوي:

* نجا المهداوي رسام وفنان تشكيلي تونسي ولد بتونس العاصمة سنة 1937، وهو من أهم رواد الفن العربي الحديث والمعاصر، تخرج من أكاديمية الفنون بروما ومن مدرسة اللوفر. يقول في إحدى محاضرته: «الحروف هي في الواقع إشارات كما الحوار العلمي ورحلته الكاملة، ومهمتها تتجلى في المساهمة في انفتاح الثقافات والتواصل في ما بينها».

نال المهداوي عددا من الجوائز، من بينها الجائزة الكبرى للفنون والآداب بتونس، وهو عضو لجنة تحكيم جائزة الفنون لليونيسكو، كما أن أعماله الفنية في الكثير من دول العالم، وتولى زخرفة عدد من المنشآت الكبرى وخصوصا منها المطارات.

* من هو ماريوس شواب:

* من أب يوناني وأم نمساوية، كان يحلم بأن يصبح راقص باليه أو مهندسا معماريا، لكنه عندما بلغ الـ15 بدأ يميل إلى تصميم الأزياء. درس فن التطريز النمساوي التقليدي في سالزبوغ، قبل أن يلتحق بمعهد «اسمود» ببرلين، ثم معهد «سانترال سانت مارتنز» بلندن، الذي حصل منه على شهادة الماجستير. عمل مع المصمم كيم جونز في البداية، قبل أن يطلق خطه الخاص في عام 2006. جذوره وانفتاحه على عدة حضارات انعكس على أسلوبه في التصميم، الذي يخاطب امرأة شابة ومنفتحة على العالم، ومنذ العرض الأول الذي قدم فيه فساتين منحوتة أصبح من نجوم الموضة الشباب الذين يغنون أسبوع لندن في كل موسم.