«شال كاني» الهندي .. ثروة حضارية يخشى عليها من الانقراض

يبدأ سعر الواحد من 130 دولارا ويباع بعضها في مزادات دولية بأسعار تتعدى 9 آلاف دولار

نساجون من كشمير يعكفون على صناعة «شيلان» يدويا بواسطة مناول قديمة
TT

يعتبر اسم كشمير مرادفا لشالات الباشمينا في جميع أنحاء العالم لما تتميز به من حرفية عالية ومعقدة ترجع أصولها إلى أكثر من 500 عام.

أحد أنواعها هو «شال كاني» المصنوع على نول يدوي، ومن صوف الباشمينا الكشميري، وهو نوع خاص من الماعز يعيش على ارتفاع من 12000 إلى 14000 قدم يرعاها البدو حول بحيرة بونغ كونغ الشهيرة في منطقة لداخ الهندية بالقرب من غرب التبت.

تعتبر عملية نسج شال كاني حرفة كشميرية نموذجية، تستخدم فيها نحو 250 عصى خشبية تسمى «توجي» أو «كاني»، وبكرات صغيرة تحمل خيوطا ملونة من الصوف حتى تتم عملية النسج بأشكال متداخلة بفضل تقنية تسمح للنساجين بغزل الخيوط ثم تحديد التصميم بعد ذلك على أساس الخيوط الملونة المختلفة التي تم نسجها. تخضع عملية النسج إلى تنظيم دقيق وفقا لنموذج يسترشد به النساج.

وقد وصلت هذه الـ«الشيلان» ذات التصميمات المتداخلة من وسط آسيا إلى الهند مع دخول الإسلام، وأضافت إليها الثقافة المحلية المزيد لتنتقل الحرفة إلى إطارها الإبداعي في عملية تداخل ثقافي استغرقت ما يزيد على خمسة قرون.

وترجع أول وثيقة مكتوبة عن شيلان كاني إلى كتاب راجاتارانجيني من سريفارا، الذي يتناول نوعا من النسيج الصوفي يحمل تصميمات دقيقة. يذكر كتاب «ائين أكبري»، الذي يتحدث عن فترة حكم المغول في كشمير (1586- 1752)، أن الإمبراطور أكبر كان يهتم بجمع شيلان كاني، مما جعلها لا تقدر بثمن وتقدم كفدية أو ضريبة إلى الملوك. ومن المعتقد أن الملوك والمقربين منهم كانوا يشترون منها كميات كبيرة ويرتدونها كعباءة أو رداء.

ويقال: إن نابليون في عام 1776 قدم شالا كشميريا إلى الإمبراطورة جوزفين، مما مهد لدخوله أوروبا وتأثيره على الأزياء فيما بعد.

في القرن الثامن عشر، انتشرت شعبية هذه الشيلان لدرجة أن التجار من جميع أنحاء العالم كانوا يأتون إلى كشمير من أجلها. وكانت في ذلك الوقت تساوي وزنها ذهبا. بعد ذلك ظهرت نسخا مقلدة أقل سعرا تنسج في إنجلترا وفرنسا، مما أفسد سوق الشيلان الأصلية.

في البداية كان القائمون على التطريز هم الرفاءون. وفي القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، زاد تصميمها تعقيدا إلى درجة أن الشال الواحد أصبح يقسم إلى قطع صغيرة يطرز كل منها نساج مختلف، فيما يمكن أن تنتج مجموعة من النساجين الأطراف، ويعد غيرهم الجزء الأوسط، وفي الأخير يتم جمع كل القطع وإلصاقها بحرص بواسطة الرفاء بدقة متناهية.

يقول الشيخ فايز أحمد الباحث في مركز الدراسات السياسية بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي: «قام الكثير من المؤرخين بأبحاث موسعة عن الشال الكشميري، ولكن لم يمكن تحديد بدايات صناعة شال كاني بدقة»، مضيفا أن هناك «وثيقة للحاج مختار شاه، الذي بدأ أسلافه في العمل في تجارة الشيلان في القرن السابع عشر، تربط بين الشال الكشميري وميرزا حيدر دوغلات عام 1540». ووفقا للوثيقة، كان ذلك تحت رعاية وإشراف ناغز بيغ الذي كان طاهيا مخلصا لحيدر، وهو الذي أدخل تقنية نسج الشال إلى كشمير. يقول فايز: «بعد وفاة بيغ، استمر النساجون المحليون في تطوير صناعته في كشمير». ولا يزال لحد الآن النساجون من أطراف سريناغار، في قرى كانيهاما وباتبورا ومانزهاما، يعملون في هذا المجال على أنوال متعددة داخل منازل من أجل الحفاظ على استمرار الحرفة. وكلهم يتميزون بصفات مهمة وهي المهارة والصبر والقدرة على التركيز، إذ يستلزم نسج بوصة واحدة فقط من الشال الكشميري درجة غير معقولة من التركيز. ولا يستطيع الحرفي أن ينسج أكثر من بوصة في اليوم أثناء عمله على النول.

يأتي الشال في الغالب على شكل مستطيل يبلغ حجمه في العموم 1×2 متر. ويستطيع حرفيان أن ينتهيا من صناعة شال واحد في غضون يومين إلى ثلاثة. وفي بعض الأحيان، تمتد فترة نسج الشال إلى خمسة أيام بناء على التصميمات.

ووفقا لفرانك آمز، مؤلف كتاب «شال الكشمير»، في عام 1853 استلزمت صناعة شال كاني طلبته إمبراطورة فرنسا عمل مستمر من 30 رجلا لمدة تسعة أشهر.

هناك الكثير من شيلان كاني الفاخرة، مثل الشال ذي الوجهين، دوروكا، الذي لا يمكن تمييز الوجه الصحيح له بسهولة. وهناك أيضا دورانغا- دوروكا، وهو ذي وجهين وبلونين، حيث يحمل أحد الوجهين تصميما موجود أيضا على الوجه الآخر ولكن بلون مختلف. ولكن أرقى نوع هو أكاسي، الذي يوضع فيه تصميم على أحد الوجهين من خلال شق الخيوط إلى نصفين، ويترك الوجه الآخر بلون واحد أو يكون مطرزا بتصميم آخر.

تتراوح أسعار شال كاني في الهند ما بين 40.000 إلى 200.000 روبية بناء على نوعية التصميم والخامات، علما بأن هناك كثير من القطع المقلدة في الهند ومن الصعب للغاية التمييز بين المنسوجة يدويا وتلك المنسوجة آليا.

ومع ذلك فإن الزائر إلى الهند عموما لا يجد صعوبة في شرائه، حيث تبيع المحلات غير الخاضعة للرسوم الجمركية في جميع المطارات الدولية الكبرى الشيلان الشهيرة مع شهادات أصلية. ولكن بأسعار باهظة، حيث يبلغ ثمن الشال من 3000 إلى 7000 وفقا لجودة الشال. أما الشيلان المميزة التي ترجع إلى القرنين الثامن عشر أو التاسع عشر فتباع في مزادات دولية ويتجاوز سعرها 5 ملايين روبية.

يقول نساجو منطقة كشمير أن الشيلان المقلدة تصنع في مدينة أمريتسار الهندية، ثم تباع في المحلات في كشمير على أنها شيلان كاني أصلية. يعلق بشير أحمد، الذي يعمل نساجا لشيلان كاني في كانيهاما: «يشتري التجار الشيلان المقلدة المصنوعة في أمريتسار بنحو 20.000 روبية، ثم يبيعونها مقابل 40.000 روبية محققين أرباحا كبيرة». ويضيف: «في معظم الأحوال لا يستطيع الزبائن التمييز بين شال كاني المصنوع يدويا والشال المصنوع آليا، حيث يتم نسخ التصميم على الشال المصنوع آليا حتى يبدو مثل الأصلي تماما».

وفي ظل انتشار الشيلان منخفضة التكلفة من أمريتسار وتباع في جميع أنحاء الوادي، يقول النساجون إن سعر الشيلان الأصلية المصنوعة يدويا تعرض للانخفاض مما أثر على أعمالهم.

يقول نزار أحمد، وهو أيضا نساج محلي: «علمني جدي كيفية نسج شيلان كاني، وكنت أعمل مع ستة أفراد من أسرتي في هذا المجال. ولكننا الآن تركنا هذه الحرفة ولجأنا إلى أعمال أخرى لأن هذا المجال لم يعد يسد احتياجات العائلة».

ويلقي السكان أيضا باللوم على الحكومة بسبب تبنيها سياسات لا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الحرفيين أو صناعة شيلان كاني رغم ما لها من أهمية تاريخية.

يقول محمد يوسف: «منذ نحو 11 عاما كان هناك أكثر من 5000 نول يدوي يجري تشغيلهم، تم تخفيضهم إلى 1000 نول. ولا توفر الحكومة أي مجال لعرض أعمال الحرفيين المحليين في كانيهاما».

وهذا ما يؤكده أيضا مظفر أحمد، أحد سكان كانيهاما، متأسفا على الأوضاع المزرية للنساجين قائلا: «إن عملية نسيج شيلان كاني معقدة وتحتاج إلى درجة عالية من المهارة والصبر، إذ قد يستغرق إنتاج شال واحد أكثر من ستة أشهر وفي خلال هذه الأشهر ننفق على عائلاتنا من موارد محدودة».

يقول فايز أحمد دار، وهو نساج آخر من باتبورا، حيث ترتبط أكثر من 200 أسرة بصناعة الشيلان، إنهم كانوا يبيعون شال كاني الواحد في الماضي بمبلغ يتراوح ما بين 80.000 إلى 90.000 روبية، ولكن وصول الشيلان المصنوعة آليا في أمريتسار أدى إلى تراجع مبيعات شيلان كاني الكشميرية الأصلية المصنوعة يدويا.

ويضيف دار: «منذ عشرة أعوام كنا نبيع شال كاني بمبلغ 70.000 روبية، ولكننا الآن نبيعه بمبلغ 45.000 روبية فقط».

والآن فإن معظم النساجين المتضررين في كانيهاما والحرفيين المرتبطين بهذا القطاع يبحثون عن وسائل بديلة لكسب الرزق.

يقول أحدهم: «يترك الكثيرون الآن صناعة الشيلان ولم يعد الشباب مهتمين بتعلم الحرفة. ويفضل معظمهم أن يصبحوا عمالا على ممارستها أو التوجه إليها لأنها لم تعد تشبع من جوع». والجدير بالذكر أن الانهيار التدريجي لصناعة الشيلان في كشمير بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، ولكن استطاعت جهود عائلة أحمد الله خان الشهيرة في صناعة الشيلان في كشمير إحياء هذه الحرفة وإنقاذها من الانقراض. وتمكن حشمت الله خان، الذي حصل على جائزة بادما شري الهندية بفضل جهوده في صناعة شيلان كشمير، من خلال إصراره ومشروعه في النهاية في إعادة هذا الفن الرائع إلى الحياة، على إقناع حكومة جامو وكشمير على تسجيلها بموجب قانون المؤشرات الجغرافية لتقدم لها الحماية القانونية في جميع أنحاء العالم. ويفرض المؤشر الجغرافي حظرا قانونيا على بيع الشيلان التي تصنع في أي مكان آخر وتحمل الاسم ذاته.

وبحلول منتصف التسعينات من القرن الماضي بدأت شيلان كاني في الظهور من جديد في الأسواق، وهو الأمر الذي لم يكن ليتحقق لولا جهود حشمت؟

يقول ساجد أحمد واني، ابن صانع الشيلان الشهير الراحل غلام محمد: «كان حلم أبي أن يعرف العالم شيلان كاني، واليوم الجميع تقريبا يعرفون عنها، ولكننا لن نتوقف عند ذلك، بل سنحاول أن نجعل صناعتها تستمر في المستقبل، لأن الناس يجب أن يعرفوا تاريخ هذه الحرفة المذكورة في الكثير من الكتب والقصص». ولكي لا تنحصر شيلان كاني على قطع محدودة في المتاحف أو مملوكة لهواة اقتناء أثرياء، تعمل فيدو جانجور، وهي سيدة كشميرية الأصل وزوجها الأميركي بوز بورزا باجتهاد في البحث والتوعية بطريقة نسج شيلان كاني التي تعاني من التراجع بعد أن وصلت إلى ذروتها في عهد المغول، وقدمت نتيجة الأبحاث التي أجرتها على شيلان كاني جامافار الكشميرية في دراسة مكونة من 300 صفحة إلى وزارة السياحة والثقافة الهندية على أمل الحفاظ على هذه الحرفة.