كارمن بورغونوفو: مهنة مشترية أزياء تتطلب السفر المرهق

مهنة مشترية أزياء.. بين الإبهار والواقع

كارمن في أسبوع باريس و كارمن ولقاء مع المصممة كاثرين دين
TT

كمسؤولة عن الشراء في موقع «ماي ووردروب دوت كوم» mywardrobe.com المتخصص في الأزياء، فإن عمل كارمن بورغونوفو لا نهاية له، كما أنه ليس دائما بذلك الإبهار الذي يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، كما تعترف. فهو ليس دائما مجرد حضور عروض أزياء، ومقابلة مصممين مهمين ودعوات غداء وعشاء، بل هو أيضا عمل مضن يحتاج إلى الكثير من الجهد والدراسة، وإلا كلفت النتيجة الموقع الشيء الكثير. كارمن كانت محررة أزياء في الموقع قبل أن تتحول إلى جانب التسويق وتقول إن الخيط بين صحافة الموضة والعمل في جانبها التسويقي جد رفيع، إلى حد أنهما قد ينصهران ببعض في بعض الحالات. وتضيف أن خبرتها كمحررة أزياء ساعدتها كمشترية في نفس الموقع، والعكس أيضا صحيح. تشرح قائلة: «الأول جعلني أفهم ما تحتاجه المرأة، والثاني فتح أعيني على تفاصيل أخرى في الاختيار والبحث. في النهاية النتيجة واحدة، فأنا ما زلت أستعمل نفس الأسلوب الذي كنت أنتهجه في موقعي كمحررة أزياء في عملي الحالي، لأن الأساس واحد وهو تقديم تلخيص لكل ما يقدمه المصممون في عروضهم، أي اختيار الأفضل من بين 50 قطعة تقريبا، وتنسيقه مع قطع أخرى على صفحات الموقع، وحين يفتحها الزائر يشعر كما لو أنه يتصفح صفحات مجلة براقة».

خلال أسبوع لندن لموضة خريف وشتاء 2013-2014، رافقت «الشرق الأوسط» كارمن بورغونوفو خلال حضورها لعروض كثيرة، في محاولة لفهم طبيعة وتفاصيل عملها.

* وظيفتك تفرض عليك حضور العديد من أسابيع الموضة، أي العواصم تفضلين؟

- أسبوع لندن بلا شك، لأنه يتمتع بعدد هائل من المواهب، فأنا أخرج من كل عرض هنا وأنا في حالة من النشوة. البرنامج غني ومكثف، ورغم ذلك، لا أستطيع تفويت أي منها. فكل عرض مختلف عن الآخر، من هذه العروض ما يتضمن دراما مسرحية ومنها ما يقام في أماكن عرض ساحرة تعبق بالتاريخ وتعكس في الكثير من الحالات طبيعة الأزياء التي نشاهدها، لأنها تشكل خلفية مناسبة لها.

* كيف تبدئين يومك في هذه الأسابيع؟

- أبدأ في الصباح متنقلة من مكان إلى مكان بواسطة سيارة لأنه من الصعب التنقل من دونها إذا كانت النية مشاهدة كل العروض المتفرقة، وبالتالي لا يمكنك الاعتماد على أي وسيلة نقل أخرى.

ثم إنني بين كل عرض وآخر أحاول أن أجد بعض الوقت لمقابلة المصممين واختيار القطع المناسبة التي يمكن عرضها على الموقع، كما نقابل محررات أزياء عالميات، ونحرص على حضور دعوات العشاء والحفلات الجانبية لأنها مهمة لربط علاقات مهمة. ولست وحدي التي تقوم بهذه النشاطات الماراثونية، فعدد كبير من المشترين أتوا من نيويورك بعد أسبوع طويل ليلا ليتابعوا عروض لندن في الصباح، رغم فارق الوقت الذي لا نزال نعانيه ولم نتأقلم معه بعده.

* كم من أسابيع الموضة العالمية يتطلب منك عملك حضورها في السنة؟

- أسبوع لندن هو المفضل لدي، لكني أحضر أسابيع أخرى مثل كوبنهاغن، وستوكهولم، وسيدني، ونيويورك، وباريس، وميلانو بالطبع. كل عاصمة لها نكهتها الخاصة وثقافتها المميزة، الأمر الذي ينعكس على ما تقدمه من تصاميم. لقد عشت في نيويورك لمدة 10 أعوام، لهذا كلما توجهت إليها أشعر أني عائدة إلى وطني، لكني في الوقت ذاته سعيدة جدا بوجودي في لندن، خصوصا في هذه الفترة.. فهي تعج بالحيوية والإثارة، والموضة فيها تزيد قوة موسما بعد موسم، من ناحيتي التنظيم والإبداع على حد سواء.

* هل صحيح أن الأبواب مفتوحة على مصراعيها لك، بحيث يمكن الجلوس في مقاعد الصفوف الأمامية ولقاء المصممين من دون شرط أو قيد لأنهم يطلبون رضاك؟

- أنا لا أنكر أن عملي يتيح لي كل هذا، بالإضافة إلى متعة العمل مع أناس مبدعين نتعامل معهم وجها لوجه، ونطلع على إبداعاتهم قبل الكل، لكنها في الوقت ذاته وظيفة تتطلب الكثير من المثابرة، وتستنزف الكثير من الجهد والوقت.. فإيقاعها سريع، مما يعني القيام بأعمال متعددة في وقت واحد، والسفر لفترات طويلة بعيدا عن الأهل، وهو الأمر الذي لا يناسب الجميع. لحسن حظي، أني أعشق ما أقوم به، وأشعر أني محظوظة لأن لدي تأثيرا بشكل أو بآخر على ما يلبسه الناس وما يشترونه، وهو ما يؤثر أيضا على مسيرة مصمم ما ويدفعه إلى الواجهة.

* لكن البعض يتصور أن كل ما تعمله مسؤولة قسم المشتريات، بالإضافة إلى حضور عروض الأزياء، هو اختيار مجموعة من الإطلالات التي تظهر على منصة العرض، وهو الأمر الذي يمكن أن يقوم به أي أحد مهتم بالموضة.

- طبعا هذا اعتقاد خاطئ، لأن الوظيفة تتطلب ما يشبه العملية التشريحية لكل ما يمر أمام عينيك. معظم وقتي أقضيه في دور الأزياء أتفحص كل قطعة على حدة وأدرس كل تفاصيلها، ثم أقرر مدى مناسبة الألوان ونوعية القماش والتصاميم للموقع، وكذلك أقدر الكمية المطلوبة والمعقولة. فجزء كبير من مهمتي يتلخص في حذف قطع تظهر على منصات العرض لأنها لا تناسب الواقع، أو على الأقل لا تناسب الزبونة التي نتوجه إليها، وهذا يشمل اختيار كل صغيرة وكبيرة من اللون والتصميم والسعر إلى علو الكعب.

هناك أيضا إمكانية تعاون خاص مع مصممين لكي يقدموا تشكيلات حصرية للموقع، بكميات محدودة، بالإضافة إلى مناقشة الحملات الترويجية والتسويقية قبل إطلاق أي تشكيلة في السوق حتى نمنحها فرصا أكبر للبيع. بعبارة أخرى، فإن العمل لا يتوقف مع انتهاء عروض الأزياء العالمية، أو مع انتهاء عملية الشراء.. فهنا يبدأ عمل من نوع آخر يتطلب من فريق العمل وضع استراتيجيات التسويق وتحرير المواد الصحافية وعرضها بطريقة تساعدها أن تأخذ فرصتها كاملة طوال الموسم. ثم لا ننسى أن الأمر لا يتعلق بموسمين فحسب، بل بأربعة مواسم، والمصممون يقدمون في الغالب ما لا يقل عن 6 تشكيلات في العام الآن، لهذا فإن موسم الشراء لا يتوقف والعمل لا ينتهي.

* كيف تستطيعين التقاط التصميم المناسب الذي سيبيع أكثر في الموقع والتفريق بينه وبين آخر لن يبيع؟

- أنظر إلى المسألة بنظرة شمولية، فالزبون بالنسبة لي عالمي وليس محلي في مكان معين. كما أنني أتجرد من ذوقي الشخصي، إن صح القول، لأنه من الخطأ أن أفكر بما أحبه أنا أو يناسبني شخصيا، وهذا يشمل عدم الاهتمام بسوقي المحلية. في المقابل، أحرص على أن أخاطب شرائح وثقافات متعددة، وهذا يعني أن الأخذ بعين الاعتبار متطلبات كل سوق، من بيئتها المحلية وأسلوب سكانها إلى مراعاة المواسم التي تختلف من مكان إلى آخر، وهذا يعني انتقاء ألوان وأقمشة تناسب هذه البيئة بشكل يعكس قوة المصمم في مخاطبتها. فما يناسب شتاء روسيا، مثلا لا يناسب شتاء منطقة الخليج، لهذا يجب أخذ الكثير من العناصر في الحسبان.

* بعد عروض الأزياء، قلت إنك تقابلين المصمم، ماذا تقصدين بهذا؟ وما هي طبيعة اللقاء؟

- إنه ما نطلق عليه «موعد شراء»، وقد يستغرق من 40 دقيقة إلى ساعتين حسب التشكيلة ونوعية اللقاء. في الغالب، نغطي كل المجالات مع المصمم، ونتفحص كل القطع عن قرب قبل أن ننتقي منها ما نراه مناسبا لزبونتنا. بعد ذلك نبدأ عملية الحذف. وهذا يعني الاستغناء عن بعض القطع التي انتقيناها في المرحلة الأولى، بعد ذلك نبدأ النقاش عن الكمية الخاصة بكل مقاس، وأي قطع يمكننا الحصول عليها حصريا، بالإضافة إلى إمكانية التعاون مع المصمم حول إمكانية تصميم تشكيلة خاصة بنا. وأنا دائما أحرص على أن أطلع على الكتيب الذي يكون المصمم قد أحضره، لأنه يظهر فيه رؤيته من خلال تنسيق القطع مع بعضها البعض، كما يساعدنا في عملية الانتقاء والحذف التي ذكرت، فبالإمكان أن تشتري نفس الكمية والتشكيلة التي اشتراها غيرك من نفس المصمم، لكن طريقتك في اختيار القطع وتفكيكها ثم تنسيقها بطريقتك هي التي تختلف، لأنها تعكس مدى فهمك لنوع الزبونة التي تتوجهين إليها. ويمكن القول إن هذا ما يلخص وظيفتي.