مؤسس «ديكايدس» للأزياء الراقية المستعملة: المحل مثل الأمم المتحدة للموضة.. يستقبل كل الجنسيات

كاميرون سيلفا «روبن هود الموضة».. يشتري من الغنيات ويبيعه بربع السعر

جانب من محل «ديكايدس» المتخصص في الأزياء الراقية والمستعملة
TT

في أحد اللقاءات مع كارمن هايد، مؤسسة موقع «أتولييه ماير» AtelierMayer.com المتخصص في أزياء الفينتاج بلندن، قالت: إنها تتساءل دائما عن مصير كل أزياء الـ«هوت كوتير» التي تشتريها بعض الزبونات موسما بعد موسم وعلى مدى عقود من الزمن: كيف يحافظن عليها؟ وما هي أحجام خزاناتهن؟ كانت تساؤلاتها تحديدا على المرأة العربية، كونها أكثر من تعشق اقتناء الأزياء الراقية وتميل لشرائها بأعداد كبيرة رغم أنها تعرف أنها ستلبسها في مناسبة واحدة، ولن تعود إليها فيما بعد. وفي الأخير، تنهدت معترفة، أنها ستكون جد محظوظة في حال توصلت إلى هؤلاء النساء لكي تشتري منهن جزءا من هذا الكنز لتبيعه في محلها الواقع بالقرب من «ماربل أرش»، وسط لندن، حيث يمكن للزبونة أن تجد إبداعات لبول بواريه، كريستوبال بالنسيجا، كريستيان ديور، كوكو شانيل وغيرهم من مبدعي القرن العشرين.

تعود الذاكرة إلى هذا اللقاء وهذه الأمنية بمجرد السماع عن محل في هوليوود متخصص في الأزياء المستعملة الراقية، بات يثير ضجة كبيرة في الكثير من الأوساط لما يعرفه من إقبال عالمي. المحل يحمل اسم «ديكايدس» Decades ويقع بـ8214 ميلروز بلايس، وأصبح الوجهة المفضلة لسيدات المجتمع والنجمات وخبيرات الأزياء على حد سواء. فهن يقصدنه إما لبيع ما تلقينه كهدايا أو استعملنه لمرة واحدة ولا يمكنهن الظهور به مرة ثانية، أو لشراء قطع فينتاج فريدة لا مثيل لها بأسعار معقولة. وطبعا تعتبر المرأة الذواقة التي يمكن أن تشتري تشكيلة كاملة من أحد بيوت الأزياء، لتبيعها بعد موسم واحد من طرحها، تعتبر المرأة الحلم بالنسبة له، ولكل خبراء الـ«فينتاج». عندما حصل محل «ديكايدس» على تشكيلة «سان لوران» التي صممها إيدي سليمان مؤخرا، نفدت من المحل بالكامل وبسرعة البرق. ويبدو أن النساء ينمن خارج المحل مرتين في العام عندما يعلن عن بيع منتجات «شانيل» في موسم التنزيلات. ولا يقتصر الأمر على الطالبات والمرأة ذات الإمكانيات المحدودة بل أيضا على شهيرات أصبحن مدمنات على الأزياء الموقعة بأسماء عالمية بأسعار مخفضة.

في لقاء خاص مع كاميرون سيلفا، واحد من مؤسسي المحل، قال: إن سبب الإقبال على الأزياء التي تحمل توقيع أسماء عالمية، وإن كانت مستعملة إلى الماركات العالمية نفسها: «فهي التي قضت على معنى صناعة الترف، لأنها جعلت كل شيء متاحا ومتشابها لحد أن الزبون لم يعد يشعر بأن ما يحصل عليه مميزا مقارنة بالأزياء الفينتاج. إضافة إلى ذلك، أصبحت الموضة سريعة وجاهزة وبأسعار في متناول الجميع، مما يجعل زبوناتنا يفضلن المزج بين الغالي والرخيص، أو بالأحرى الراقي والجاهز لمزيد من التميز».

أما سبب بيع المرأة المقتدرة مقتنيات بنصف السعر، فيعيده إلى تغير أسلوب حياتها، بما في ذلك التقدم في العمر. لكن السبب الأهم، كما يقول، فهو «معرفتها بأن أزياءها يمكن أن تروق لجيل جديد. نعم المال جزء من العملية، لكنه لا يشكل الدافع الأول مقارنة بذلك الشعور بالرضى الذي يغمره الواحدة منهن حين تلبس نجمة مثل كايت بوسوورث، مثلا، فستانا كان ملكا لها وتألقت به في السبعينات».

من التجارب التي لا ينساها كاميرون، لقاؤه مع الممثلة الفرنسية كاثرين دونوف واستكشافه خزانتها: «كان وقتا ممتعا ومثيرا، نظرا لخزانتها الغنية». يذكر أيضا تجربته عندما زار خبيرة الأزياء رايشل زو، حيث قضى أكثر من ثلاث ساعات وهو يحلل ويشرح خزانتها، لكي يخرج في الأخير بستة أزواج أحذية فقط، لأنها كانت متمسكة بكل قطعة ولا تريد أن تتخلى عنها. ولا شك أن ارتباط أي زبونة بمقتنياتها ارتباطا عاطفيا، وعدم سهولة تنازلها عنها، أمر يزعج كاميرون، لأنه يضيع عليه فرصة الحصول على قطع فينتاج رائعة، يجول العالم بحثا عنها، سواء لشرائها من سيدات كبرن عليها، أو من ورثتهن أو من المزادات. خلاصة الأمر لا يهم المكان ما دامت مميزة وفريدة من نوعها.

عندما تخرج من «يو سي إل آي» في عام 1992. عمل كاميرون سيلفا، في المجال الموسيقي وقام بجولات كثيرة في شمال أميركا. في هذه الفترة بدأ التعرف على محلات الأزياء المستعملة في المدن التي كان يزروها لتمضية أوقات فراغه لا أقل ولا أكثر، خصوصا للبحث عن أزياء رجالية «فينتاج»، لكن أثار انتباهه أن الجانب النسائي كان أغنى بكثير وبالتالي يشكل فرصة أكبر للتجارة فيه. في عام 1997 اكتسب خبرة كافية شجعته لتغيير مجال عمله من الموسيقى إلى الموضة. وهكذا تأسس المحل في عام 1997. وكان حينها سرا من الأسرار التي لا يتكلم عنها أحد، وكأنها من التابوهات، كان المصمم توم فورد، هو أول من اكتشف المحل بعد ستة أشهر من افتتاحه، وكان له الفضل في التعريف به للأصدقاء والمعارف، وسرعان ما بدأ يستقطب نجمات مثل ميشال ويليامز وجينا غيرشن. لكن تيا ليوني، كانت أول من ظهرت بقطعة «فينتاج» من المحل على السجاد الأحمر، إلى جانب سلمى بلير، وينونا رايدر، بلايك لايفلي، كورتني لوف، وهلم جرا. وفي عام 1999 شملت اللائحة نيكول كيدمان، كاميرون دياز، جينفر لوبيز، رينيه زيلويغر وغيرهن. وأغلبهن يطلبن السرية، فكورتني لوف، مثلا، طلبت أن يفتح لها المحل خصيصا في المساء في إحدى المناسبات، وبالفعل وصلت على الساعة الحادية عشرة مساء ولم تغادره إلا على الساعة 3:30 صباحا.

يقول كاميرون: «زبوناتنا من كل الأنواع ومن كل بقاع العالم، إذ لدينا أيضا زبونات من السعودية وسنغافورة، كما من أميركا وأوروبا. يمكنك اعتبار محل (ديكايدس) مثل الأمم المتحدة الخاصة بالموضة، وأنا أعشق هذا التنوع في شرائح الزبونات، فهن من كل الأعمار والأحجام والجنسيات. وألاحظ أن أكثر الفترات رواجا هي من بداية السنة إلى انتهاء حفلات توزيع جوائز الأوسكار، مرورا بتوزيع جوائز الـ(غولدن غلوب). كما أن الفترة التي تسبق حلول شهر رمضان، تشهد إقبالا كبيرا من زبوناتنا العربيات بحكم أنهن يقضين وقتهن في لوس انجلوس في الصيف. لكن الشهيرات هن أفضل زبونات المحل».

ويتذكر سيلفا أن الأزياء التي كان ينتقيها في عام 1997، كانت تركز على شعار «القليل كثير» لكنه مع الوقت بدأ يغير من أسلوبه لاستقطاب شرائح أكبر من الزبونات. يشرح: «رغم حبي للبساطة الشديدة والخطوط الهادئة، كان لا بد من إدخال زخات من الألوان المتوهجة لاستقطاب المزيد من الزبائن. لحسن الحظ، كان التوقيت مناسبا لأن الموضة حينها كانت تطلب جرعات إضافية من هذه الألوان لإضفاء بعض الحيوية على الأسود والبيج».

لكن هناك أسباب أخرى تدفع البعض لبيع هذه التحف، منها أسباب مادية. ففي عام 2008. حين اشتدت الأزمة الاقتصادية العالمية، انتعشت تجارة كاميرون وشريكه، مثلا. كما أن حالات الطلاق تلعب دورا في هذا الانتعاش. فقد اعترف كاميرون في إحدى اللقاءات السابقة أن أسعد لحظات حياته «عندما تقول لي امرأة أنها مقبلة على الطلاق» لأنها في هذه الحالة تريد أن تتخلص من كل شيء يذكرها بالماضي، وتريد أن تبدأ حياة جديدة بشراء أزياء مختلفة بأسعار أقل تتماشى مع وضعها الحالي. ويقول كاميرون أنه أيضا بمثابة المنقذ لبعض الزبونات: «ففي مرة من المرأة دعيت لشقة إحدى السيدات، وكان من الصعب فتح الباب بالنظر إلى تكدس مئات القطع التي تحمل توقيع «شانيل.. خرجت من الشقة وأنا أحمل نصف ما كان في الشقة». لكن ليس أي قطعة تعني أنها مناسبة للعرض في المحل، فهو ينتقي كل شيء بعناية، وبالمواصفات التي حددها منذ البداية، أي أن تكون من دار معروفة ومميزة وأن لا تكون بقيت في الأسواق لمدة طويلة.

* من أهم محلات الفينتاج في الولايات المتحدة

* «ماتي أند مي» Matti & Me الواقع بـ1306 مونتانا أفينيو، ومن الماركات التي يوفرها: «لوي فويتون»: «كريستيان لوبوتان»: «برادا» و«فندي».

* «إنتر نو» Entre Nous الواقع بـ8430 W. 3rd St.، ويتوفر على منتجات «ميسوني» و«هيرفي ليجير» و«دريز فان نوتن» و«مارني».

* «ذي بايبرباغ برينسيس» The Paperbag Princess (8818 W. Olympic Blvd

* «الفينتاج».. جرعات قليلة تكفي

* ما يميز الأزياء التي توفرها المحلات ومواقع الإنترنت المتخصصة في «الفينتاج»، عما تقدمه محلات الملابس المستعملة العادية، أن كل قطعة فيها تحتفظ برونقها ولا تشوبها شائبة. وهذا ما يفسر أسعارها التي تكون أغلى من الجديدة في بعض الأحيان، خصوصا إذا كانت من إبداع كريستوبال بالنسياجا أو بول بواريه أو كريستيان ديور وغيرهم. فهذه القطع، مثل السجاد، تزيد قيمتها الفنية مع مرور الزمن.

في المقابل، فإن محلات الملابس المستعملة تعرض قطعا قد تكون بها بقع يصعب التخلص منها أحيانا، أو أتى الزمن على ألوانها وتألقها بدرجة لا يمكن تجاهلها، وبالتالي تفقدها قيمتها.

- لا تختلف تصاميم «الفينتاج» عما تطرحه الموضة في المواسم الحالية، إذ إن المصممين الشباب يستقون الكثير من الخطوط والتصاميم من حقب من الماضي، من العشرينات والخمسينات والستينات إلى الثمانينات.

- المتعارف عليه أن كل عقد من الزمن له قطعة تميزه ولا تموت مهما توالت المواسم، سواء كان فستانا أسود ناعما من الأربعينات، أو أنثويا بتنورة مستديرة من الخمسينات، أو ضيقا من السبعينات.

- «الفينتاج» إطلالة لا تناسب الجميع، لهذا يفضل أن تكون بداية التجربة بجرعة خفيفة وبالتدريج. يمكن مثلا التركيز على الإكسسوارات، وتحديدا المجوهرات، أو الأحذية، أو قبعة رأس على شكل عمامة تستحضر الستينات.

- إذا كانت مبالغا فيها من الرأس إلى أخمص القدمين، فإنها لا تناسب الأغلبية، وتبدو غريبة بعض الشيء، لهذا ينصح بالتركيز على قطعة واحدة تكون هي محور الجذب، بينما يكون الباقي معاصرا.

- عند دخول محل متخصص في «الفينتاج» فإن الهدف الذي يجب وضعه نصب عينيك هو البحث عن قطعة لافتة، وليس قطعة بسيطة وأساسية يمكنك شراؤها من أي محل. بمعنى أن تكون قطعة نادرة لا تتوفر في باقي المحلات.

- تشير الدراسات إلى أن مقاس المرأة تغير، وبالتالي فإن مقاس 14 في الماضي هو مقاس 6 الآن، لهذا لا تخدعك الأرقام، وجربي ما يعجبك منها.

- أجمل ما في تجربة التسوق هو المتعة، والمتعة التي ستستمدينها من دخول محل «فينتاج» هو ذلك الإحساس بالمغامرة والترقب، فأنت لا تعرفين ما يمكنك أن تعثري عليه في ركن من الأركان.