أسبوع الأزياء الراقية الباريسي.. بين بريق الأحجار وغنى الألوان

بيوت المجوهرات تتنافس على سرقة الأضواء بالغالي والنفيس

TT

منذ عدة سنوات ووجه باريس يتغير خلال أسبوع الأزياء الراقية، أي «الهوت كوتير»؛ فهو يزيد بريقا وألقا موسما بعد موسم، منذ دخول صاغة ساحة فاندوم وبيوت المجوهرات العالمية على الخط، مستغلين وجود الزبونات النخبويات المتطلعات إلى قطع فريدة بأي ثمن في باريس في هذه الفترة.

بيوت الأزياء بدورها لم تمانع، بل العكس رحبت بالفكرة ودعمتها، بعد تقلص أسبوع الموضة إلى ثلاثة أيام فقط، إثر انسحاب عدد من بيوت الأزياء، مثل «إيف سان لوران» و«إيمانويل أونغارو» و«كريستيان لاكروا» وغيرها، لأسباب مادية أو فقط بعد تقاعد أصحابها. كانت إضافة يوم إلى الأسبوع ضرورة لوجيستية وفكرة ذكية لمنحه المزيد من القوة والجذب، وهذا ما كان. بيد أن الملاحظ هذه المرة أن بيوت المجوهرات العالمية لم تعد تكتفي بيوم واحد تستقبل فيه وسائل الإعلام والزبونات وتختتم فيه فعاليات أسبوع من الإبداع والأناقة، كما جرت به العادة، بل قررت أن تقدم عروضا متفرقة على مدى الأسبوع، من دون أن تتنازل عن يومها الأخير، وكأنها في منافسة مباشرة مع بيوت الأزياء. فدار «فان كليف آند أربلز» مثلا، نظمت معرضا طيلة أيام الأسبوع بالقرب من متحف اللوفر بشارع ريفولي، ودار «بولغاري» لم تكتف باستعراض أحجارها وألوانها في محلها الواقع على ناصية جورج 5 بالقرب من جادة «الشانزلزيه»، بل نظمت حفلا كبيرا في فندق «بوتوكي» بحديقته الغناء التي استحضرت أجواء القصور، مما شكل خلفية رائعة لمجموعة مجوهرات لا تقل فخامة وروعة. حضر الحفل كل من كارلا بروني والنجم برادلي كوبر، إضافة إلى وجوه كثيرة من المجتمع الفرنسي ووسائل الإعلام. وكان من الطبيعي أن تكون كارلا بروني نجمة الحفل لعدة أسباب، أهمها أنها وجه مجموعة «ديفا» التي أطلقتها دار «بولغاري» أخيرا في «بورتوفينو» قبل أن تصل إلى باريس.

* «بولغاري».. التناقض المتناغم

* أقل ما يمكن أن يقال عن هذه المجموعة أنها سيمفونية من الألوان المتوهجة والتصاميم المبتكرة التي تحمل بصمات الدار الرومانية، التي تعشق مزج كل ما يخطر على البال من متناقضات، سواء تعلق الأمر بالأحجام الضخمة أو الألوان المتوهجة. وفي كل مرة تنجح في جعلها متناغمة بشكل لافت. في هذه المجموعة كانت هناك لمسة رومانسية مسكونة بروح «لادولتشي فيتا» التي تبث في الأوصال شعورا ممتعا بمجرد أن تقع عليها العين. ولا تخفي الدار أن هذه التشكيلة تجسد جرأتها في التصميم وسخائها في استعمال الألوان والأحجار من الياقوت إلى الزفير والزمرد والماس، خصوصا أنها استلهمت كل واحدة منها من أيقونة سينما من الستينات أو السبعينات من القرن الماضي، مثل إليزابيث تايلور، أو أنا ماغناني وغيرهما. الفرق أن هذه القطع خالدة للأبد ويمكن أن تناسب أي عصر تعيش فيه، بفضل ألوانها الصافية التي لا تفقد توهجها حتى بالليل وتصاميمها الحيوية التي لا تفقدها قوتها الاستثمارية. لهذا ليس غريبا أن يباع بعضها حتى قبل أن يعرض لوسائل الإعلام، مثل سوار مرصع بالزمرد والياقوت والماس بتصميم كابوشون من 240 قيراطا. ورغم أن كل قطعة في هذه المجموعة تحكي قصة أيقونة من أيقونات السينما، إلا أن اسم إليزابيث تايلور هو الذي يتبادر للذهن دائما، إلى حد أنه بالنسبة للبعض أصبح لصيقا باسم «بولغاري». قد يعود السبب للأسعار التي بيعت بها مجوهراتها من الدار في المزادات العالمية، حيث وصل سعر قلادة من الماس والزمرد إلى 6.1 مليون جنيه إسترليني، كما قد يعود لفيلم «كليوباترا» الذي صور في روما، مقر «بولغاري» من جهة، والمناسبة التي التقت فيها النجم ريتشارد بيرتون، الذي تزوجته مرتين ولم يبخل عليها بكل ما هو نفيس وغال من الدار، من جهة ثانية.

ولأن هوليوود تحتفل هذا العام بمرور 50 عاما على إطلاق الفيلم، فإن دار «بولغاري» رأت أنه من الطبيعي أن تطلق مجموعتها «ديفا» التي استلهمت تصاميمها وألوانها من المجوهرات التي أغدقها ريتشارد بيرتون على النجمة الراحلة.

* شانيل.. تحت برج الأسد

* - في «بلاس فاندوم»، قدمت «شانيل» مجموعتها الجديدة من المجوهرات بعنوان «تحت برج الأسد» (Sous Le Signe Du Lion) مجموعة مكونة من 58 قطعة بالتمام والكمال، في دلالة واضحة أن الكم بالنسبة لها لا يؤثر على جمال ما تبدعه معاملها من مجوهرات قيمة وأيقونية. ففي الموسم الماضي قدمت مجموعة تضم أكثر من 60 قطعة، وفي الموسم الذي قبله مجموعة من أكثر من 80 قطعة، وفي كل مرة تدهشنا بتصاميم جديدة تماما ومبتكرة، وإن كانت تعود فيها إلى رمز قديم، يرتبط بالمؤسسة كوكو شانيل بشكل أو بآخر. مجموعتها الأخيرة، وكما يدل عنوانها، بطلها هو الأسد، الذي ظهر في بروشات وعقود وأساور وأقراط أذن، كما ظهر في خواتم ضخمة مصنوعة من الذهب الأبيض والماس والعقيق، وفي أغلب الأحيان يأخذ شكلا رومانسيا يحببه للنفس.

سبب عودة الدار إلى هذا الرمز لا يعود فقط إلى أن الآنسة غابرييل شانيل من مواليد هذا البرج، وكانت دوما تشبه نفسها بنحلة ولدت تحت أجنحة هذا الحيوان الجبار، بل أيضا إلى كونه رمز مدينة البندقية التي عاشت فيها المصممة فترة من الزمن، للاستجمام والنسيان وترتيب أوراقها بعد وفاة خطيبها بوي كابيل، الذي يقال إنه الحب الحقيقي في حياتها، من دون أن ننسى أن دار «شانيل» مولت أخيرا عمليات ترميم أجنحة الأسد الذي يعتلي كاتدرائية سانت مارك. ومن هذا الأسد تحديدا استلهم فريق التصميم خاتما من الذهب والبلاتين يتوسطه رأس أسد من اللازورد والماس الأبيض والأصفر، وهو بعدد محدود لا يتعدى الخمسة خواتم.

* «ديور».. رقصة الألوان

* «اللون هو الذي يعطي الجواهر قيمتها.. فليس هناك ما هو أكثر أناقة من تنورة سوداء وكنزة تزينها قلادة تتلألأ بالأحجار». هذا ما قاله السيد كريستيان ديور في عام 1956، ولا يزال يثبت صحته لحد الآن. مصممة المجوهرات الرفيعة في الدار فكتوار دي كاستيلان، فهمت الرسالة جيدا وتعمل على ترجمتها دوما بطريقتها الخاصة، وفي مجموعتها الأخيرة «شير ديور» (Cher Dior) المكونة من 20 قطعة زاهية بالأحمر، لم تخرج عن النص الذي كتبته لنفسها. فأنت تشعر دائما في إبداعاتها بذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين الأزياء والمجوهرات الرفيعة، وهو ما لا تنكره، بل تعيد سببه في هذه المجموعة تحديدا إلى زيارة قامت بها إلى معامل الدار في 30 أفينو مونتين، حيث كانت مجموعة من الأنامل الناعمة، يعكفن على تنفيذ طرحة فستان زفاف. تقول إنها ما إن رأتها حتى فكرت في تصميم الجزء الداخلي لكل قطعة في المجموعة وكأنها تول أو دانتيل، بدءا من طريقة صياغة الذهب إلى كيفية رص الأحجار ذات الأحجام المتباينة. المصممة اعترفت أيضا بأنها في هذه المجموعة أرادت أن تأتي الألوان متضاربة ومتنافرة، لهذا مزجت الياقوت بالزفير الأزرق، والزفير الأصفر بالزفير الوردي وهكذا. تشرح: «الفكرة أن لا تكون هناك علاقة صداقة بين هذه الألوان والأحجار، لكنها تجد نفسها مضطرة لذلك؛ لأنها يلتصق بعضها ببعض لمدى الحياة».

والحقيقة أن المتتبع لمسيرة دي كاستيلان في دار «ديور» يشعر بأنها تلتقط ذبذباتها وتوجهاتها جيدا، سواء من المؤسس كريستيان ديور أو من المصممين الذين تعاقبوا عليها وكتبوا توجهاتها. فمنذ أن غيرت الدار الدفة منذ عامين تقريبا، منذ شهر مارس (آذار) من عام 2011 تقريبا، وهو التاريخ الذي خرج فيه جون غاليانو منها آخذا معه الدرامية المسرحية، وأسلوبها في التصميم تغير. أصبح كلاسيكيا من دون أن يغرق في هذه الكلاسيكية، بتصاميم دقيقة وألوان قوية يتزاوج فيها الوردي مع الأصفر، والأزرق والبنفسجي مرورا بالأحمر، الذي قال عنه السيد كريستيان ديور بأن «لكل شخص درجة من درجاته». وهذا يعني أنها تصاميم مناسبة لكل الأماكن والأزمنة من دون أن تصيب بالملل.

* «بوشرون».. لعبة الضوء

* تحتفل «بوشرون» هذا العام بمرور 120 عاما على افتتاح أول محل لها بساحة «فاندوم»، ولأن الضوء كان ولا يزال مهما بالنسبة لها أولا بحكم موقعها الاستراتيجي على ناصية الساحة، مما يمتعها به من كل الجوانب، وثانيا لأنه ضروري في عملية إبداع قطعها المتناهية الدقة والجمال، فإن رئيسة قسم تصميم المجوهرات، كلير شوازن، استغلته في مجموعة تسبح في شلال من الضوء بعنوان «فندق الضوء» (Hotel de la Lumière). تقول كلير إنها فكرت في أن تكتب قصة من ثمانية فصول تلعب كلها على مفهوم الضوء وتأثيراته الساحرة والآسرة على حد سواء. تسألها لماذا ثمانية تحديدا؟ فيأتيك جوابها أن كل فصل يتعرض لجانب من جوانب ساحة فاندوم الثمانية، مضيفة: «وطبعا كل قطعة تأسر الضوء بداخلها أو تعكسه بأحجارها». وبالفعل فإن أجمل القطع التي جادت بها هي تلك التي حبست الضوء بداخلها، على شكل أحجار من الماس الصافي تبدو مستكينة بداخل قطع كريستال ضخمة، إما في قلادة أو في خاتم، مثل قلادة سمتها «ذي بيرل ديكلا» (The Perles d’Eclat) تتميز بأحجار كبيرة من الكريستال تمسك بها قطع الماس مقطعة على طريقة الدار، حيث تتدرج فيها الأحجار من شبه مدخنة إلى شفافة، وبداخلها تجلس باقة من الماس تبدو وكأنها جمدت بداخلها.