أسبوع لندن لربيع وصيف 2014.. من الحلقة الأضعف إلى الأقوى

يقف وراء نجاحه امرأتان وجيش من المصممين الشباب

من عرض «بيربيري برورسم» Burberry Prorsum
TT

أسبوع لندن لربيع وصيف 2014 يتوقع أن يحقق ما لا يقل عن 100 مليون جنيه إسترليني من الطلبات والمبيعات، ويعمل على تحقيق المزيد في المواسم المقبلة. فمن أهم استراتيجياته وأهدافه أن يتم التخفيف من نخبويته وفوقيته. وهي نظرة كانت تعني إلى عهد قريب أنه يتوجه إلى مجموعة منتقاة من وسائل الإعلام وصناع الموضة والنجوم، بينما يبقى المستهلك العادي مجرد متفرج ينتظر ستة أشهر قبل الحصول على قطعة أعجبته على منصة العرض أو على صفحات المجلات. منظمة أسبوع الموضة اللندنية تغير هذه النظرة باعتمادها على تقنيات نظم التكنولوجيا الرقمية (الديجيتال)، حتى تمكن الكل من حضور العروض والاستمتاع بها، افتراضيا على مواقع الإنترنت. وهذا ما أكدته كارولاين راش، الرئيسة التنفيذية للأسبوع، بقولها إن الدفع بالموضة البريطانية إلى الواجهة بجعلها سهلة المنال للكل هدف مهم من أهداف أسبوع لندن. وأضافت: «تقنيات التواصل الاجتماعي تجعلك توصل رسالتك لشرائح أكبر..إنها طريقة رائعة للحصول على ردود فعل آنية تعرف من خلالها توجهات الموضة والمرغوب منها». وبالفعل، فإن الكثير من العروض بث هذا الموسم في شوارع لندن، بما في ذلك بعض محطات المترو، التي نصبت فيها شاشات كبيرة للبث المباشر، بالإضافة إلى الهواتف الجوالة حتى يتمتع هواة الموضة بمتابعتها في التوقيت نفسه الذي تجلس فيه نخبة الموضة في الصفوف الأمامية.

بيد أن هذا ليس كل ما يميز أسبوع لندن لربيع وصيف 2014، فطوال أيامه الخمسة، اكتسى حلة جديدة وروحا مختلفة؛ اختلاف تستشعره في المنطقة المحيطة بـ«سومرست هاوس»، البيت الرسمي للأسبوع، وفي مناطق أخرى، نذكر منها «أكسفورد ستريت» الذي زين بـ75 راية رسمت على كل واحدة منها لقطات من عروض لماثيو ويليامسون، جايلز، أليس تامبرلي، «يونيك»، «توب شوب» وغيرهم. الفكرة من هذه الرايات هي توجيه تحية لمصمميه الشباب ممن كان لهم الفضل في جعل لندن واحدة من أهم عواصم الموضة العالمية من الناحية الفنية، ومساهمتهم في جعل هذه الصناعة واحدة من أهم الصناعات البريطانية من الناحية التجارية. فهي تقدر بـ21 مليار جنيه إسترليني وتوظف أكثر من 800.000 شخص في بريطانيا، مما يجعلها أهم من صناعة السيارات. وهناك تفاؤل بأنها ستنمو أكثر، بعد انقشاع سحابة الأزمة المالية العالمية، وظهور بدايات انتعاش واضحة في أسواق مهمة مثل اليابان وأميركا، إضافة إلى أوروبا، مما قد يحقق التوازن الذي سببه تراجع نمو السوق الصينية لفترة. وحسب دراسة نشرت في شهر يوليو (تموز) الماضي، فإن التوقعات تشير إلى أن سوق المنتجات البريطانية سترتفع في السنوات الخمس المقبلة من 6.6 مليار جنيه إسترليني في عام 2012 إلى 12.2 مليار جنيه إسترليني في عام 2017.

لكن، هناك اختلاف آخر تستشفه من حديث المسؤولين كلما قابلتهم في الممرات أو طوابير الانتظار قبل الدخول إلى عرض من العروض، يتمثل في هدف آخر، لا يقل أهمية، وضعوه لجعل الأسبوع يفور شبابا أكثر من أي عهد مضى، وهو العلم، أو بالأحرى التعليم. صحيح أن الشباب كان - ولا يزال - سمة لصيقة بلندن، إلى حد أنه يسبب الأرق لباقي عواصم الموضة، خصوصا ميلانو، التي بدأ الهرم يبدو عليها، بحكم أن معظم كبار مصمميها إما في سن الكهولة أو الشيخوخة، مثل جيورجيو أرماني وروبرتو كافالي، وميوتشا برادا وغيرهم، إلا أن المنظمة لا تستكين لما حققته لحد الآن. بل العكس، تريد أن تحافظ على قوتها المكتسبة ومكانتها في المستقبل، كما تأمل أن تسحب القوة التسويقية من نيويورك، لهذا تدعو كل شباب بريطانيا لدخول جامعات ومعاهد متخصصة يمكن أن تفيد هذا القطاع، سواء بدراسة التصميم أو إدارة الأعمال. فأهمية التعليم ودوره في تطور العاصمة من الأشياء التي تؤمن بها لندن وتدخل في صلب جيناتها، خصوصا أنها تتوفر على عدد من أهم المعاهد المتخصصة التي تخرج فيها عباقرة كبار من أمثال جون غاليانو وألكسندر ماكوين وغيرهما. كما تؤمن بأن الإبداع والموهبة لا يكتملان من دون صقل ودراسة الجانب التجاري والتسويقي. كل هذا يدخل ضمن استراتيجية رسمتها منظمة الموضة لثلاث سنوات مقبلة، تستهدف من ورائها الحفاظ على سمعتها كعاصمة ولادة للمواهب، وفي الوقت ذاته سد الأبواب على كل عاصمة تسول لها نفسها منافستها في هذا المجال. فهي لم تصدق أنها رسخت أقدامها بعد أن عانت طويلا شح الإمكانات وكونها الحلقة الأضعف، مما انعكس على عزوف الكثير من المؤثرين عن حضور أسبوعها في السابق. لذا، كانت غالبا تعتبر مجرد محطة ترانزيت يرتاح فيها المشترون ووسائل الإعلام القادمون من نيويورك والمتوجهون إلى ميلانو. كل هذا تغير بعد بلوغ الأسبوع 25 عاما منذ أربع سنوات، الذي تزامن مع عودة دار «بيربيري» للعرض فيها بدل ميلانو، مما أكسبه أهمية أكبر، وجعله محطة لا بد من التوقف فيها ومتابعة ما يخرج منها من توجهات وصرعات. وأكد أبناء لندن أنهم على قدر المسؤولية، لا سيما بعد أن فهموا أن جنون الابتكار لا يغني أو يسمن، وأن الفنون يجب أن تبقى ضمن المعقول لكي يتم تسويقها بسهولة للعالم. ما ساعدهم على استيعاب الدرس بسرعة، البرامج الكثيرة التي تستهدف دعمهم ماديا ولوجيستيا لكي يبنوا «ماركات» تحمل أسماءهم وتستمر طويلا. وها هم اليوم يحصدون ما تم زرعه منذ أعوام، فمكانة الأسبوع لا نقاش عليها، بدليل أن المصمم توم فورد نفسه قرر أن يجعلها المكان الذي يعرض فيه أول تشكيلة له، إلى جانب مخضرمين من أمثال «بيربيري»، بول سميث، فيفيان ويستوود، و«مالبوري»، و«تامبرلي»، وشباب من أمثال كريستوفر كاين، إرديم، الثنائي «بيتر بيلوتو» وهلم جرا.

ولا شك في أن زائر لندن في الأيام الماضية، لا يصدق كيف تغير حاله، من أسبوع كان يجر أقدامه جرا للحاق بنيويورك المتخصصة في فن التسويق، وميلانو المتخصصة في الأناقة الكلاسيكية العصرية، وباريس التي تعتبر نفسها معقل الموضة العالمية وتتعامل معها كمؤسسة ثقافية مهمة، إلى أسبوع يفرض نفسه في البرنامج العالمي ويحسب له ألف حساب. لكن، من الخطأ القول:ـ إن الفضل في النهضة التي يشهدها منذ بلوغه الـ25 من العمر، يعود فقط إلى الحكومة التي انتبهت أخيرا إلى أهميتها كصناعة تقدر بالمليارات وبالتالي تحتاج إلى دعم قوي، أو إلى خيال المصممين الخصب ورغبتهم الجامحة في الابتكار، لأن الفضل في هذا يعود أيضا إلى امرأتين: الأولى هي كارولين راش، الرئيسة التنفيذية للأسبوع منذ عدة سنوات، بحيث عملت مع شخصيات مؤثرة، وواكبت تطوره ونهضته أول بأول. والثانية هي ناتالي ماسيني، ملكة عالم الديجيتال والمنتجات المترفة، التي تسلمت رئاسة منظمة الموضة منذ عام تقريبا. ماسيني، لمن لا يعرفها، وهم قليلون، هي المرأة التي أطلقت أول موقع تسوق للمنتجات المترفة على الإنترنت «نيت أبورتيه دوت كوم» الذي تشير التقديرات إلى أنها باعت أسهمه لمجموعة «ريتشموند» بـ350 مليون جنيه إسترليني. ماسيني كانت كل ما يحتاجه الأسبوع لينطلق أكثر، بحكم علاقاتها وخبرتها وتعاملها الطويل مع المصممين الشباب والمخضرمين من جهة، والمشترين من جهة أخرى. منذ البداية، وضعت ضمن أهدافها أن تجعل الموضة ثقافة عامة وأن تكون الإنترنت وسيلة جديدة للتواصل مع العالم ومع الناس. في خطاب ألقته بمناسبة افتتاح الأسبوع في أول موسم تسلمت فيه المنصب، قالت: «رسالتنا ستنتقل عبر العالم من خلال تقنيات الديجيتال حتى يشعر الكل بالإثارة والحماس اللذين يؤججان الرغبة في هذه المنتجات ومن ثم يحركان المبيعات». وهي بهذا تشجع أن يصبح لكل مصمم موقع خاص يقوم من خلاله بتسويق منتجاته. ورغم أن بوادر دخول الإنترنت عصر المنتجات المترفة بدأت منذ أكثر من ست سنوات تقريبا، وتشكلت صورتها أكثر مع دخول كل من «بيربيري» و«ديور» هذا العالم، وسباقهما على الحصول على أكبر قدر من نقرات الإعجاب على مواقعهما في الـ«فيس بوك»، إلا أن التحول الكبير كان تقبل المستهلك فكرة شراء فستان من «ديور» أو من «فالنتينو» بأكثر من 12.000 دولار أميركي من موقع إنترنت بثقة.

كانت ناتالي تعرف أن لندن لا تنقصها المواهب بقدر ما ينقصها طرح خيارات ووسائل متعددة للمصممين لكي يقدموا أنفسهم للعالم، إضافة إلى إتقان الجانب التسويقي بالابتعاد عن الابتكار الجانح للجنون أحيانا وربط شبكة علاقات عامة واسعة، هذا ما عبرت عنه بقولها: «لدينا مصممون كبروا في عصر الديجيتال، لكنهم ورغم أنهم يعملون في صناعة الأزياء، ليست لدى معظمهم علاقات واسعة في هذا العالم، وهنا يأتي دوري، فبحكم عملي اليومي أستطيع الوصول إلى هؤلاء بسهولة أكبر، وأنا محظوظة بذلك». لكنها بتواضعها، لم تكن تعرف أن أسبوع لندن هو الآخر محظوظ بها.

* لقطات

* انطلق أسبوع لندن يوم الجمعة الماضي بعدة عروض مثيرة، استهلها التركي الأصل، بورا أكسو بعرض يعبق بالأناقة، لتليه الأختان «فيلدر فيلدر»، والثنائي بيرس فوندا، ودار «داكس»، وجون بيير براغانزا، وتود لين وغيرهم. بيد أن الأسبوع بالنسبة للبعض لا يبلغ ذروته إلا في يوم الاثنين مع عرض «بيربيري» لما يتضمنه من بريق وإبهار وقوة. ورغم صحة هذا الرأي إلى حد ما، فإن فيه أيضا ظلما لكل من سبق ذكرهم وآخرين، ممن قدموا تشكيلاتهم يومي السبت والأحد. اليوم الثالث، مثلا، بدأ مثيرا مع «مالبوري» التي قدمت تشكيلة صبت فيها المصممة إيما هيل أحسن ما لديها حتى تنهي عملها مع الدار البريطانية العريقة على نغمة منسجمة مع إرثها ومتطلبات السوق. فالمتعارف عليه أن تشكيلة ربيع وصيف 2014، هي آخر تشكيلة لإيما قبل أن تغادر الدار إلى مكان لم تعلنه بعد، كما أن «مالبوري» لم تعلن بعد اسم خليفتها. ويرجح البعض أسباب الفراق إلى تراجع مبيعات الدار هذه السنة واختلاف في وجهات النظر.

* في نفس اليوم، قدمت أليس تامبرلي، واحدة من أقوى تشكيلاتها، حيث لعبت على الأحجام لتخلق توازنا يلعب على الفخامة المحسوبة، مما أعطى الأسبوع نكهة تذكر بموسم الـ«هوت كوتير» الباريسي، تفصيلا وتفاصيل.

* بعدها قدم المخضرم بول سميث تشكيلة لم يخرج فيها عن المألوف وعما يتقنه جيدا: التايورات المفصلة والمزج بين الألوان المتناقضة ليمنحها تناغما تطبعه لمسة إنجليزية شقية، إضافة إلى تلاعبه بمفهوم الذكورة وتأنيثها بالتفصيل الناعم والأقمشة الشفافة. ويمكن القول إن الجديد فيما قدمه، القمصان الشفافة و«الشورتات» التي ارتفعت أكثر عن مستوى الركبة. أما من حيث النقوشات، فمثل غيره قدم الكثير من الطبعات المستوحاة من الطبيعة، خصوصا الورود، بأحجام كبيرة.

* الاثنين كان يوم دار «بيربيري» التي كانت سباقة في دخول مجال الإنترنت ولا تزال تلعب فيه دور البطولة. ففي هذا الموسم، احتفلت أيضا بتعاونها مع شركة «أبل» وهاتفها الجديد «آيفون 5 إس» لالتقاط الصور وتسجيلها.