لقطات من أسبوع باريس لربيع وصيف 2014

الفنون والورود غلبت عليه وعدم الاستعراض عنوانه

TT

موسم ربيع وصيف 2014 للموضة انطلق في نيويورك في الثاني من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وانتهى بباريس في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول)، مخلفا أصداء طيبة وتصاميم أقرب إلى الشاعرية برومانسيتها وحدائقها الغناء. ورغم أن خروج مارك جايكوبس من دار «لوي فويتون» سرق الأضواء في آخر يوم من دورة الموضة العالمية، وجعل الكل يتحدث عنه ويتكهن عن أسباب هذا الخروج بعد 16 عاما، والأهم من هذا: من سيكون خليفته، فإن هناك عروضا تركت تأثيرا يصعب أن يمحى من الذاكرة بسرعة وستؤثر على مظهرنا في الموسمين المقبلين، مثل «شانيل»، إيلي صعب، جيامباتيستا فالي وغيرهم:

* إيلي صعب

* من يعرف المصمم إيلي صعب كإنسان، يعرف أنه حساس، رقيق ووفي. ثلاث صفات تنعكس دائما على تصاميمه الرومانسية التي لا تلمس الأساسي وتتجدد من حيث التفاصيل فقط. هذه الصفات هي أيضا ما يجعل من لا يعرفونه ينعتون أسلوبه بالمضمون ويتهمونه بالخوف من تجربة الجديد. الجديد في رأيهم يعني تصاميم جريئة وعروض إن لم تحدث الصدمة على الأقل تحدث المفاجأة. إيلي صعب في المقابل، لا يميل بطبعه إلى تغيير وصفة أكدت نجاحها ولا تتطلب منه سوى بعض التجديدات حتى تواكب روح العصر. فهو يعرف سوقه جيدا، ويعرف أنه لا يحتاج إلى تغيير جلده، فقط ليواكب موجات آنية أو إرضاء وسائل الإعلام. يعترف إيلي بأن «عمر المفاجأة قصير» مضيفا أن المرأة، عندما تقصده، تريد أن تتألق مثل النجمة، وهذا يعني بالنسبة له أنها تريد أن تثير الإعجاب لا غير، وهذا ما لخصه في تشكيلته لربيع وصيف 2014. في القاعة المنصوبة بحدائق «التويلريرز» التي اكتظت بالمعجبين والمعجبات من كل أنحاء العالم وليس فقط من منطقة الشرق الأوسط. كانت تشكيلة حالمة بكل المقاييس، أكدت أن ثقته زادت وقدراته أصبحت أكثر تمرسا. لم تتغير ألوانه لكن زادت عمقا، فيما اكتسب أسلوبه لمسات أكثر عصرية وحيوية رغم أن الفكرة بقيت واحدة، حيث إن كل قطعة قدمها لحفلات الكوكتيل أو السهرة، تتوجه لامرأة تريد أن تؤكد أناقتها من دون استعراض. إيلي صعب أيضا احترم توجهات الموضة للموسمين المقبلين، بدءا من استعماله السخي للدانتيل والشفافية إلى الورود المتفتحة. مجموعته التي تفتحت بالألوان والورود كانت جد موفقة وكادت أن تسرق الأضواء من الفساتين السوداء المصنوعة من الدانتيل التي كانت أجمل ما في التشكيلة. صحيح أن إيلي صعب يجرب منذ بضعة مواسم، الأقمشة المطبوعة والمنقوشة، إلا أن هذه كانت أحلاها على الإطلاق وأكثرها إتقانا وجمالا، ليس فقط لأنها مطبوعة بالورود، لغة الرومانسية التي تعشقها المرأة، بل لأنها كانت متميزة، من حيث تصاميمها التي انسدلت على الجسم وابتعدت عنه ببوهيمية راقية.

* «شانيل»

* لا يكتمل أسبوع باريس من دون «شانيل» أو بالأحرى مصممها، كارل لاغرفيلد، الذي يتحفنا دائما بعروض ساخنة ومبتكرة بكل المقاييس، بدءا من الديكور إلى الأزياء والإكسسوارات. هذه المرة حول «لوغران باليه» إلى رواق طويل، 340 مترا، استعرض فيه لوحات وأشكالا من الفن المعاصر بعضها مستوحى من منتجات الدار مثل حقائب اليد وعطر «شانيل نمبر 5» في إشارة واضحة إلى تداخل الفني بالاستهلاكي. المصمم نفسه اعترف قائلا: «أردت أن أخلق نوعا من التشابه بين ما هو فني والموضة من دون مبالغة»، أي من دون أن يعطي أيا منهما حجما أكبر. هذا التداخل بين الموضة والفن جسده في عرض يمكن وصفه بالملحمي، إذ شمل 90 قطعة أزياء بالتمام والكمال وهو عدد كبير بالنسبة لأي مصمم، فما البال بمصمم احتفل مؤخرا بميلاده الـ80. لكن كارل لاغرفيلد يؤكد دائما أن العمر لا يقاس بعدد السنوات، وأن الإنسان يشيخ عندما يتوقف عن العطاء. أما هو فلا يزال يعطي ويفور شبابا بدليل أنه قضى ثلاثة عقود في دار «شانيل»، ويؤكد دائما أنه لا يزال في جعبته الكثير. فإلى جانب تجديده التويد في كل موسم، ينجح دائما في ابتكار الجديد رغم أنه محدد برموز الدار. إلى جانب التويد، الذي اكتسب على يده خفة وأناقة، هناك رموز أخرى للدار، مثل اللؤلؤ الذي استعمل عوض الإزار في بعض الفساتين، تعرف انتعاشا بفضله. لكن ما سيبقى محفورا في الذاكرة في تشكيلته الأخيرة، الحقائب المخصصة لـ«أيبود» والقلادات الضخمة المستوحاة من سماعات الأذن، التي تشير إلى أن المصمم المخضرم لا يزال شابا يتكلم لغة العصر، سواء تعلق الأمر بالتقنيات الجديدة أو شتى أنواع الفنون. وإذا كانت الأولى تجلت في الإكسسوارات، فإن الثانية وضحت في الفساتين الناعمة التي بدت فيها النقوشات وكأنها لوحات مرسومة بريشة فنان. صحيح أن زبونة «شانيل» الوفية، قد تستغربها في البداية، لكنها لا محالة ستقتنع بها مع الوقت، بفضل نعومة البليسيهات، والأقمشة التي تتفتح مع كل خطوة وكأنها بتلات تعانق الحياة. المصمم قال: إن هدفه كان تقديم تشكيلة متفائلة تدخل السعادة على القلب، وهذا ما نجح فيه تماما.

* «كلوي»

* هناك عروض تصيبنا بالإعياء والإحباط مثل عرض «سان لوران»، وهناك عروض تجعلنا نعيش حالة من الانتعاش والحيوية، مثل عرض «كلوي» الذي قدمت فيه المصممة البريطانية كلير وايت كيلر تشكيلة غنية بالفساتين المنسدلة غلبت عليها البليسيهات التي استقت ألوانها من فترة السبعينات، مثل الأخضر الكاكي والبيج عوض الأبيض والألوان الفاتحة التي عودتنا عليها في تشكيلاتها السابقة، أو بالأحرى، ارتبطت بـ«كلوي» منذ تأسيسها. بالإضافة إلى الفساتين، كانت هناك مجموعة من الجاكيتات اتسمت هي الأخرى بالانسدال، من حيث حرصها على الابتعاد عن الخصر لتمنحه المزيد من الراحة. فالفكرة، كما تقول المصممة، كانت رحلة إلى الصحراء وبالتالي كان لا بد من استعمال أقمشة خفيفة وألوان مناسبة وتصاميم سهلة وواقعية. وبالفعل، تشعر بعملية كل قصة وتصميم وتتذكر بأن هذه واحدة من الميزات التي تميز المصممات عن المصممين عموما، لأنهن أكثر من يفهمن تضاريس جسم بنات جنسهن، والمشاكل التي يحاولن التمويه عنها. قد يقول البعض أن المصممة لم تقدم جديدا يذكر أنها لعبت على المضمون أكثر من اللازم، لكن هذا لا يلغي حقيقة أنها مفعمة بالأنوثة والعملية في الوقت ذاته، وهذه معادلة صعبة لا يتقنها سوى مصمم متمكن من أدواته.

* «هيرميس»

* الحقيقة المعروفة لدى الجميع أن مبيعات «هيرميس» لم تتضرر خلال الأزمة الاقتصادية العالمية ولم تتراجع قيد أنملة، بل العكس تسجل في كل عام زيادة في المبيعات حتى في الأسواق الآسيوية والروسية التي تعشق كل ما يبرق ويلمع. «هيرميس» بمعانقتها الهادئ والراقي ومجافاتها للبريق، وجدت وصفتها الناجحة التي لا تخرج عنها أيا كانت توجهات الموضة، من دون أن ننسى تشبثها بأسعارها النارية التي قد تصل إلى أكثر من 70000 جنيه إسترليني لقطعة مصنوعة من جلد التمساح. عرضها لربيع وصيف 2014 لم يخرج عن هذه القاعدة، وجاء كل ما فيه كلاسيكيا، مترفا وراقيا بتنورات وفساتين تتمتع بطول يتعدى الركبة ويكاد يلامس الكاحل أحيانا وأقمشة تتباين بين الجلد الناعم وجلود التماسيح والحرير وغياب تام لكل ما من شأنه أن يبرق. اختيارها مكان العرض في حدائق اللوكسمبورغ الغناء، وتزيينها القاعة بالنباتات الخضراء، التي غطت كل الجوانب والسقف، كان إشارة إلى أنها ستأخذنا في رحلة إلى الأدغال، وهو ما تأكد مع أول إطلالة طبعتها نقشات ورود ضخمة، لا سيما أن الورود الضخمة لم تقتصر على الفساتين فحسب بل شملت الأحذية أيضا.

كريستوف لومير، مصمم الدار، شرح أنه استقى هذه الأشكال من هنري روسو، الفنان الفرنسي الذي رسم الغابات والأدغال من دون أن يزورها يوما وكأنه يلمح بأنه ليس بالضروري أن نسافر بعيدا لكي نلبس هذه الأزياء. فهي لكل البيئات والأجواء وإن كانت تبدو موجهة لامرأة مقتدرة تحب الترحال والسفر والمغامرة من دون استعراض وجاهتها. فهذه هي المرأة التي تعشقها الدار وتتودد لها في كل موسم من خلال كل قميص واسع أو تنورة من الشامواه أو بدلة من الكتان أو تنورة منسدلة وطويلة أو معطف سخي أو حزام رفيع.

* جيامباتيستا فالي

* جيامباتيستا فالي، مصمم تعشقه كل فتيات المجتمع المقتدرات، وتشكيلته لربيع وصيف 2014 كانت تحية لهن، تعبق بالفنية والورود المتفتحة والأناقة التي لا يعلى عليها، إلى حد أنها أعادت الروح لكل من كان يشعر بالتعب بعد دورة موضة امتدت لعدة أسابيع. أجمل ما فيها أنها، رغم الأحجام الكبيرة والفتحات العالية التي تصل إلى الخصر أحيانا، يمكن أن تحتل مكانة مميزة في خزانة أي امرأة، أيا كان أسلوبها ما دامت إمكانياتها المادية تسمح لها باقتنائها، لأنها بكل بساطة بعيدة كل البعد عن الابتذال. ما يقوم به فالي منذ فترة أنه يعود إلى جذوره الإيطالية ليغرف من إرثها وطقوسها كل ما يتعلق بالخياطة والتفصيل، ثم يضيف إليها جرعة حيوية باستعماله أقمشة مترفة وأحجاما لافتة. منذ الإطلالة الأولى، عرفنا أنه سيلعب على هذه الأحجام الكبيرة، لأنها صنعت اسمه وحفرت له مكانة مهمة. هذه المرة أضفى عليها أنوثة بتحديد بعضها بأحزمة ناعمة، وهي فكرة كررها في عدة قطع، مثل الجاكيتات والمعاطف والفساتين القصيرة. هذه الأخيرة تحديدا، اتسمت بالرومانسية لأنه زرع أغلبها بالورود المتفتحة التي أخذت بعدا ثلاثيا، بينما طرز بعضها الآخر بالذهبي الأمر الذي سيروق لزبوناته. إلى جانب التنورات القصيرة جدا والأشكال المقببة، كانت هناك أيضا تصاميم تميل إلى الكلاسيكية مثل مجموعة تنوارات مستقيمة نسفها مع قمصان من الموسلين أو الأورغنزا.