عزة فهمي: أحس بضرورة تحويل كل ما له قيمة من كلام إلى حلي يرتديها الناس

عرضت مجموعة المجوهرات التي صممتها لبيت أزياء المصمم البريطاني ماثيو ويليامسون

من المجموعة التي ظهرت في عرض البريطاني ماثيو ويليامسون
TT

لمصممة المجوهرات الشهيرة عزة فهمي لمسة خاصة بها تأخذنا إلى مصر بمدنها وقراها. كانت في البداية تصور لنا قلائد تحمل عبارات ودودة ولطيفة، وهو ما كان أسلوبا جديدا وقتها. القلائد الفضية والأساور والخواتم المميزة بتوقيع فهمي، منها ما يحمل كلمات مثل «محبة» و«تفاهم»، وأخرى تحمل بيتا ريفي الطابع تطل من خلفه نخلة. معظم هذه القطع لقيت نجاحا هائلا في مصر وتجاوز سحرها حدود مصر إلى العالم العربي وإلى العالم الغربي في ما بعد.

لكن عزة فهمي لم تقف عند تلك المرحلة، حيث انطلقت منها لتجرب أساليب جديدة وتضيف خطوطا وتيمات متجددة، استوحت فيها حضارات وثقافات مختلفة. فمن الحضارة المصرية القديمة إلى لمسات من العصر الفيكتوري إلى استخدام الخط العربي، تنوع إبداعها ونتج عنه قطع فريدة.

الحديث مع عزة فهمي يعيدنا لليالي القاهرة ولخان الخليلي حيث تدربت في بداياتها. الحديث يتشعب ويطرق جميع الأبواب ومن خلال صوتها الودود وبساطتها المصرية الجميلة تجيبنا عن كثير من التساؤلات وتتحدث بفخر حول أهم مجموعاتها والقطع المنفردة التي صممتها لتباع على هامش معارض فنية ضخمة في المتحف البريطاني وغيره، وتعاونها الأخير مع المصمم البريطاني ماثيو ويليامسون ومجموعة «ثومة» التي استوحت فيها كلمات وسحر سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي تفخر بها بشكل خاص.

تؤكد لنا أن مجوهراتها لم تقف عند الروح المصرية الخالصة التي ألفها الجمهور، بل تعدتها وغرفت من ثقافات أخرى «منتجاتنا ليست مصرية فقط فقد استفدنا من العصر الفيكتوري والفرنسي القديم، واستفدنا حتى من الثقافة المغولية، فنحن نعمل دائما على الاستفادة من الثقافات والحضارات المختلفة». وتشير إلى أن المتخصص في فن صياغة الفضة أو المجوهرات يستطيع تحديد الأساليب المختلفة التي تبرز في منتجاتها، وتضيف «من يلبس قطعا من تصميمي ليس بالضرورة أن يكون مختصا في المجوهرات، وقد لا يعرف أن القطعة تحمل تصميما مغوليا أضيف إليه نص باللغة العربية، فالحلي عندي مزيج ما بين النص والشكل الأساسي للقطعة».

عبر 45 عاما هي عمر ماركة عزة فهمي، هل تغير شيء من أسلوبها في التصميم؟ تجيب بثقة «بالتأكيد، الفنان إذا لم يتطور فلن يتقدم. لكننا أيضا يجب ألا نفقد الأصل الذي بدأنا منه، فهو هويتنا وهي ما زالت موجودة لكننا لن نستطيع اتباع الأسلوب نفسه الذي اتبعناه من 30 عاما. أما القطع التي أحبها الناس فهي مثل ساعة (بوشرون) صنعت في القرن الماضي وتظل من كلاسيكيات الدار، وكذلك الحال بالنسبة لنا، ولا نفكر في العودة إلى تلك القطع».

عزة فهمي كانت موجودة في لندن مؤخرا لحضور عرض مجموعتها التي صممتها لدار المصمم البريطاني ماثيو ويليامسون. النظرة الأولى للقطع تحملنا إلى عالم الشرق الجميل. السلاسل الذهبية المحلاة بدوائر تشبه العملات تحمل عبارات بعضها مستوحى من أغنيات عربية مثل «افرح يا قلبي»، الخواتم أيضا تحمل زخارف شرقية وبعضها مستوحى من القباب وخطوطها المعمارية، وأخرى تحمل تأثيرات فارسية وعمانية. تتضافر القطع الشرقية مع ملابس ويليامسون الغربية الطابع لكنها لا تتعارض معها بل تتناغم معها وتخلق تأثيرا خاصا لا يمكن تجاهله.

تشير إلى أنها عقدت جلسات مع ويليامسون للوصول إلى صيغة تضمن اندماج المجوهرات والملابس «الوضع كان عبارة عن تلاقي فكر من الشرق وآخر من الغرب. كان لا بد لنا من النقاش لاختيار الأسلوب. استخدمت الأحجار الملائمة لألوان الأقمشة وكذلك كان الحال في اختيار المعدن الفضي أو الذهبي. وعموما أنا استخدمت الفضة في كل القطع كأساس وقمنا بطلاء بعض القطع بالذهب».

التعاون مع بيوت أزياء أو جهات غربية ليس غريبا على عزة فهمي، فقد شهد محل بيع التذكارات الخاص بالمتحف البريطاني مؤخرا عرض بعض القطع المحدودة الإصدار التي صممتها للبيع على هامش معرض «الحج»، وقبله في معرض عن الحضارة المصرية القديمة. ترد على تساؤل عن كيفية التصميم لمثل هذا المعارض «صممت لمعرض الحج مجموعة مصغرة من أربع قطع، صنعت خصيصا للبيع على هامش المعرض. أردنا أن ننتج قطعا مستوحاة من رحلة الحج وبالفعل قدمنا ثلاث قطع متميزة منها (الزمزمية) التي يحمل فيها الحجاج ماء زمزم، ومفتاح الكعبة، وأيضا أساورها مستوحاة من كسوة الكعبة».

من يعرف تطور مجوهرات عزة فهمي عبر الأعوام لا بد أن يلاحظ تعلق المصممة بالكلمة المكتوبة، فهي تتجلى في تصميماتها إما على هيئة كلمة واحدة تتخذ مكانها على قمة خاتم أو في وسط قلادة أو هي جملة مقسومة إلى نصفين تتوزع على فردتي قرط. الكلمات دائما بالعامية المصرية البسيطة مأخوذة من أغنيات شهيرة أو من أبيات شعر شعبي.. فهل يعكس ذلك لمحة شاعرية أو رومانسية في شخصيتها أم هي فقط للتعبير عن الثقافة العامة؟.. تقول «بالتأكيد هي تعبير عن الثقافة العامة. هي كلمات تعبر عن قيم الحكمة والعمل وقيمة الإخلاص في الحياة. أحس بأن كل ما له قيمة من كلام يجب أن يتحول إلى حلي يرتديها الناس. وهناك أيضا المجموعة الأخيرة (ثومة) وهي من أغاني أم كلثوم، فقد خصصنا آخر مجموعة لهذه السيدة الرائعة التي تركت بصمة على كل نساء ورجال العالم العربي، فاخترنا نصوصا من أغانيها وصممناها بشكل عصري وتقليدي في الوقت نفسه».

أداعبها بسؤال «ومحبو عبد الحليم حافظ ليس لهم نصيب من تصميماتك إذن؟»، تجيب ضاحكة «لا تجريني لمناقشة مستقبلية، لنتحدث الآن عن أم كلثوم لأنها قيمة كبيرة جدا وسيدة متميزة».

البحث الأكاديمي مهم بالنسبة لعمل فهمي، فهي تعمد إلى التعاون مع عدد من الباحثين لإنتاج القطع، وتشير كمثال إلى مجموعة «رموز» التي ضمت قطعا تعتمد على الموروث الشعبي مثل الكف والخرزة الزرقاء أو العين «تعاونت مع عدد من الباحثين في التراث العربي من تونس لمدة ستة أشهر ووجدنا عددا كبيرا من الرموز (موتيفات) تستخدم للحماية وهي متفاوتة، فعلى سبيل المثال النساء في تونس يتفاءلن بالسمك كرمز للرزق بينما يتفاءل آخرون بالعين، ووجدنا أن هناك نحو 18 موتيفا تستخدم للحماية في العالم العربي، ولذا قمنا بإصدار كتيب مع المجموعة لشرح ذلك». البحث الأكاديمي أيضا سبق إصدار مجموعة حلي فرعونية «المجموعة الفرعونية سبقتها 10 سنوات من الأبحاث، لم نضع خطا واحدا في التصميمات دون الاستفادة من أبحاث قام بها متخصصون، فالقطع ليست جمالية فقط بل هي أيضا صحيحة تاريخيا».

الفضة هي الخامة التي تبرز في حلي عزة فهمي لكنها أيضا تلجأ للذهب والأحجار الكريمة، ولا تفضل خامة على أخرى، حسبما تؤكد. وتشير إلى أن القطعة نفسها تختار المعدن «هناك قطع توحي لك منذ البداية بأنها من الذهب وأخرى كأنما تقول لك (اصنعوني من الفضة). الأمر كله يتوقف على التصميم ذاته هو الذي يحكم في الآخر». هل هناك خامات أخرى؟ تشير إلى أن البلاتين معدن صعب جدا في التشكيل والتطويع وبالتالي تلجأ إلى الذهب الأبيض «عندما يطلب منا تصميم شبكة عروس ننفذها بالذهب الأبيض ثم تطلى بطبقة من البلاتين». لكنها تسترسل قائلة «عموما المادة قد تتغير بشكل كبير، ففي مدرستي للتصميم (عزة فهمي ديزاين استوديو) التي أنشأتها مؤخرا يقوم الطلبة بصنع الحلي من الورق ومن العظم، فالابتكار لا حدود له».

إجابتها تأخذنا إلى الحديث حول المدرسة والتقنيات التي يتعلمها الطلبة هناك، تقول إنهم يتعرفون على كل التقنيات خلال مراحل الدراسة «يتعلمون كل التقنيات والأساليب، من المجوهرات المعاصرة إلى كيفية استخدام الصيغ التراثية. المهم لدينا هو أن يحافظوا على اللمسة التراثية للحرفة.. وأيضا من المهم أن يتعلموا فن الخط». ورغم أن التجربة ما زالت في بدايتها «بدأنا فقط منذ ستة أشهر» حسبما تقول، فإن المدرسة أقامت بالفعل أول معرض لأعمال طلبتها في خان الخليلي حيث تعلمت فهمي الحرفة.

استوديو عزة فهمي للتصميم أنشئ، كما تشرح لنا، بالتعاون مع مدرسة «الكيميا» في فلورنسا، ويمكن لاحقا تبادل الطلبة المتفوقين حيث يمكنهم التعرف على الحضارات الأخرى.