كاسلي - هايفورد.. قصة نجاح تلخص ثقافة جيلين

تصاميم تتأرجح بين احترام التقاليد الإنجليزية العريقة والتمرد عليها

من عرضهما الأخير - من عرضهما لربيع وصيف 2015 - صورة تجمع الأب والابن - تصاميم تعكس قدرة عالية على التفصيل والابتكار
TT

منذ نحو 30 عاما، وقبل أن يتحول الطرف الشرقي من لندن إلى مركز للشباب ومحبي أحدث صيحات الموضة والفنون، كان المصمم كاسلي - هايفورد يمتلك استوديو بالمنطقة. كان الوحيد آنذاك وكانت مساحته في حجم ملعب كرة القدم تقريبا. كان الاستوديو مكان الإبداع بالنسبة للمصمم، بينما كان منزل عائلته يقع في نهاية الشارع، أي أنه ابن المنطقة التي كانت مغمورة، يثير مجرد ذكر اسمها مزيجا من الخوف والإثارة. يقول كاسلي - هايفورد: «لم يكن من الممكن أن تشتري فنجان كابتشينو هنا». لكن شتان بين الماضي والحاضر، فالمنطقة حاليا تحتضن فندق «آيس» المشهور كما تستقبل وافدين من الشباب الذين ينعشونها ويضفون عليها حيوية ورقيا في الوقت ذاته. اختفت ظاهرة فتيات الليل، التي كانت سمة الحي منذ أيام جاك السفاح الذي كان جزءا من المنطقة وجعلها مرتعا لجرائمه. رغم كل السلبيات في ذلك الوقت، استمرت عائلة كاسلي - هايفورد تقيم وتعمل في الجوار. بعد أن شب الابن، غادر بيت العائلة، لكنه انضم للعمل مع والده بعد أن تلقى تعليمه في مجال الفن وبعد أن عمل لفترة قصيرة في مجال تصميم الأزياء وحده. وعلى مدار 5 أعوام، أنتج الاثنان خطا رجاليا للأزياء يحمل اسمهما.

فاسم العائلة يمثل بالنسبة لهما التقاء جيلين ووجهتي نظر. يقدم الأب جو كاسلي - هايفورد (الذي يبلغ من العمر 58 عاما) تصاميم كلاسيكية، بحكم أنه تلقى تدريبه في أكاديمية الحياكة (تايلور أند كاتر) العريقة، وعمل مع مصمم الأزياء دوغلاس هايوارد، كما عمل مديرا إبداعيا في شركة «جيفز أند هوكس» الواقعة في سافيل رو. أما ابنه الذي يبلغ من العمر 28 عاما، فيعكس ثقافة أبناء جيله، فقد ظهر كعارض أزياء لصالح كل من «كونفرس» و«دكتور مارتينز» ومجلة «دبليو».

يقول جيمس براون، وهو مالك متجر (هوستم) المحلي الذي يعرض خط أزياء الأب والابن منذ إطلاقه في عام 2010: «ولد تشارلي ونشأ في هذا الحي. إنه ينتمي إلى هذا المجتمع المبدع الذي حقق الكثير في شرق لندن. أعتقد أن أسلوبهما تأثر كثيرا بالمنطقة والجنسيات المختلفة المقيمة بها، مثل الثقافة البنغلاديشية وغيرها من الثقافات».

من جهته، يصف جو كاسلي - هايفورد أسلوبهما قائلا: «نجمع فيه أريحية التصميم الإنجليزي وفوضى الابتكار البريطاني»، ومع ذلك لا ينفصل النقيضان مع اختلاف الجيلين، إذ إن الفوضى التي يقدمها الأب تشبه كثيرا تلك التي يقدمها ابنه. فقد كان هذا المبدأ أيضا أحد الأسس التي قام عليها خط إنتاج جو كاسلي - هايفورد، الذي أطلقه عام 1984 باسمه، وجعلت فرقا موسيقية مثل (كلاش) و(يو2) تفضله وتقبل على ارتداء تصاميمه على خشبات المسرح.

حتى خلال عمله مع «جيفيز أند هوكس» المرتبطة بكثير من أفراد العائلة الملكية البريطانية والطبقات الأرستقراطية، كان يطلق العنان لخياله الجامح. فقد كان أشهر عمل من تصميمه لهم عبارة عن زوج من الأحذية الرجالية ذات طرف مستدق وبدلا من أن يحمل الحذاء زينة وثقوبا موضوعة بدقة، امتلأ بثقوب مزينة متفرقة على الحذاء كله.

ولا ينكر المصمم الأب أنه طوال حياته المهنية، كان يعمل على أساس تبني التقاليد العريقة والتمرد عليها، مما دفع البعض للاحتفاء به والبعض الآخر للتحفظ في التعامل معه. كان المصممون التقليديون، مثل هؤلاء الذين تلقى تدريبا معهم، يشعرون ببعض الضيق من أعماله التطويرية، مثل السترات ذات التصاميم الرسمية لكن مصنوعة من أقمشة مظلات ترجع إلى الحرب العالمية الثانية. ولكن في التسعينات، كانت الأميرة الراحلة ديانا من أشهر الضيوف في عروضه بلندن.

صرح هايفورد بأن عمله كمصمم أسمر البشرة في مجال يسوده ذوو البشرة البيضاء فرض عليه الاتجاه الذي ينتهجه «كنت أصمم من وجهة نظر شخص غريب. وعندما بدأت العمل، لم يكن معي عارضون، كما كنت حريصا للغاية على ابتكار نموذج جديد يعكس ثقافة الغرباء الذين يرغبون في التعبير عن ذاتهم من دون خجل».

كان انضمام ابن كاسلي - هايفورد في النهاية إلى مشروع العائلة، مهما. ففي البداية كان يُستعان به لقياس رد الفعل على أعمال والده، ومدى مواكبتها تطور العصر، ثم أصبح يتعاون معه بشكل كامل.

يشرح كاسلي - هايفورد الابن: «كان من الغريب للغاية أننا كنا نتبادل الأفكار ووجهات النظر، إذ كانت كل مجموعة نرسمها أشبه ما تكون بالمحادثة التي تتم بيننا نحن الاثنان. في أحد المواسم يمكن أن نميل قليلا إلى اتجاه ما، وفي موسم آخر يمكن أن نتبنى اتجاها معاكسا وهكذا. وأعتقد أننا وصلنا في النهاية إلى النقطة التي كنا نرغب في الوصول إليها».

ما إن شعرا بأنهما بلغا هذه المرحلة حتى قررا المشاركة في أسبوع لندن للموضة الرجالية، لأول مرة في يناير (كانون الثاني) الماضي. كانت المجموعة التي قدماها للخريف والشتاء مزيجا من الاختيارات الفنية التاريخية، بعضها مستوحى من الحركة الفنية الهولندية «دا ستايل» وبعضها من أعمال الفنانة كورنيليا باركر، بينما بقيت الفكرة الرئيسية تلعب على الجمع الذكي بين ملابس بألوان متناقضة وتصميمات مطبوعة باللونين الأبيض والأسود. حققت المجموعة النجاح وأثارت الكثير من الانتباه، سواء في لندن أو في اليابان حيث يتم إنتاج معظم التصاميم. ويؤكد كل من الأب والابن أن عدد الوكلاء تضاعف بعد العرض مباشرة.

لكن على الرغم من زيادة عدد المتاجر التي تبيع بالتجزئة إلى الضعف، فإن انتشار علامة كاسلي - هايفورد لا يزال صغيرا نسبيا، على الأقل خارج لندن، باستثناء اليابان ومحلات «سيلفريدجز». في الولايات المتحدة، تباع المجموعة في دوفر ستريت ماركت، أول متجر يعرض المجموعة منذ إطلاق خط الإنتاج (وكان في ذلك الوقت عبر فروعه في لندن وطوكيو)، بالإضافة إلى عدد من المتاجر الصغيرة ومواقع الإنترنت. في شهر يونيو (حزيران) الماضي، أعاد الثنائي التجربة، بالمشاركة في أسبوع لندن للربيع والصيف، ومرة أخرى تركت مجموعة كاسلي - هايفورد تأثيرا قويا. فقد كان عرضها من بين أهم العروض التي لم يتخلف عنها متابعو الموضة والمشترون على حد سواء.

يعلق تشارلي كاسلي - هايفورد إنه على عكس بعض بيوت الأزياء الأخرى التي «يتم دفع أجر للمشاهير مقابل حضور عروضها، كان الزبائن الذين صممنا لهم بدلات، أو الذين تعاملنا معهم بشكل أو بآخر عبر الأعوام، يتسابقون لحضور عرضنا ومتحمسين لدعمنا». كان من بين الحضور أعضاء من فرقة (إكس إكس)، وفلورنس ويلش (من فرقة فلورنس وذي ماشين) وكارل بارات (عضو فرقة ليبرتاين، ثم فرقة ديرتي بريتي ثينغس Dirty Pretty things)، وغيرهم، إلى حد القول إن عرضهما كان من بين أكثر العروض التي شهدت تجمعا فنيا كبيرا طوال الأسبوع.

ومن أجل تلبية الطلب المتزايد الذي شهدته الماركة على البدلات، سواء على مستوى الزبائن العاديين أو المشاهير، أطلقت خدمة التصميم على المقاس، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات والقياس في محل (هوستم). يقول براون، صاحب المحل: «يعمل تشارلي على تنفيذ كل بدلة بنفسه، فهو يحضر إلى المحل 5 أو 6 مرات أسبوعيا، لهذا الغرض».

ليس معروفا إن كان الإعجاب الذي حظيت به تصاميم كاسلي - هايفورد بين الموسيقيين يعود إلى الأب أم للابن؟، لكن النتيجة هي أنهما يشكلان ثنائيا ناجحا، بحيث يكملان بعضهما بعضا، خصوصا وأن نسبة الانسجام بينهما تفوق الوصف. فهذا الانسجام هو الذي شجعهما على اتخاذ هذه الخطوة أساسا، حسبما يؤكد تشارلي كاسلي - هايفورد بقوله: «كان انسجامنا مع بعض هو الذي شجعنا على اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة». ويضيف الأب: «ليس هذا فحسب، فنحن نشترك معا في تاريخ الميلاد ذاته».