«التلاعب بالأشكال» أسلوب في الديكور الداخلي يجمع الراحة والابتكار

تصاميم بيار بولان السابقة لأوانها ترى النور بعد 44 عاما

العملية والراحة والأناقة عناصر تحدد مفهوم الديكور المنزلي كما تصوره بولان - من الأشياء التي كان بيار بولان يؤمن بها أن قطع المفروشات يجب أن تعكس أسلوب حياة صاحبها أولا وأخيرا - قطع المفروشات يجب ان تحتضن الجسم وتشعره بالاسترخاء والراحة بتعرجاتها وتموجاتها
TT

بين الفينة والأخرى يظهر مصمم يتمرد على التقاليد القديمة، لكي يخلق تقاليد جديدة تتكلم لغة عصره، وتؤسس لبنة معالم مستقبلية.

في الستينات من القرن الماضي، كان هذا المصمم هو الفرنسي بيار بولان، الذي أثث شقة جورج بومبيدو الخاصة في قصر الإليزيه في عام 1971. ومكتب فرنسوا ميتران في عام 1983، وخلف إرثا غنيا، لا يزال يلهم العالم لأنه يتكلم لغة إبداع قوية وسلسة، رغم نكهته الستينية. أهم ما يميز أعمال هذا المصمم شغفه بتجربة أساليب جديدة، مع حرصه على أن تكون عملية تخدم الزبون واحتياجاته اليومية. في السبعينات، مثلا، وبعد مراقبته أسلوب حياة الشباب، ابتكر قطع مفروشات وكراسي استغنى فيها عن استعمال الأرجل التقليدية، وأدخل فيها موادّ وخامات جديدة، مثل البلاستيك، الراتنج، والأقمشة المطاطية، كما جرّب وسائل جديدة لتذويب القطع وسبكها، اعتبرت ثورية حينها، لكنها اليوم تعد فنية بكل المقاييس، مما يجعلها تباع في المزادات العالمية بأرقام قياسية. في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مثلا، بيع كرسيان صممهما في عام 1966 بـ30 ألف جنيه إسترليني. لمدة 60 سنة، كان لبولان تأثير كبير على التصميم المنزلي، بأشكاله الدائرية المريحة والنحتية، والمساحات التي تبدو وكأنها تتموّج كالكثبان.

هذه القدرة على الابتكار وتكسير التقليدي لخلق أشكال عملية وحداثية حددت الكثير من معالم التصميم المنزلي كما نعرفه اليوم، وجعلت دار لويس فويتون تتحمس لإعادة اكتشافه في معرض خاص يحتفي بأعمال لم ترَ النور من قبل، لأسباب مادية، لكن كتب لها أن تتحقق بعد 44 عاما على تصورها في معرض «ديزاين ميامي» هذا العام وحاليا في مركز «بومبيدو».

«التلاعب بالأشكال»Playing with Shapes كان مشروعا تصوره بولان في عام 1972، على أساس أن ينفذه لشركة «هيرمان ميلر» الأميركية لصناعة المفروشات المكتبية، إلا أن اندلاع أزمة النفط في مطلع السبعينات وأد الفكرة، وتم ركنها. دار «لويس فويتون» تعرفت على المشروع بمحض الصدفة، عندما طلب مصممها، نيكولا غيسكيير، من أرملة بولان وابنه استعمال كنبة «أوساكا» جزءا من السينوغرافيا الخاصة بعرض أزياء مجموعة كروز لعام 2015 في موناكو. استغلت الأرملة مايا بولان وابنها بنجامين، الفرصة، واقترحا عليه إحياء المشروع القديم، الذي كان عبارة عن مشروع سكني تحت عنوان «التلاعب بالأشكال» لخلق مساحات جديدة ومتنوعة. كانت الأرملة وابنها يعرفان أنه من الصعب تحقيق المشروع من دون شريك قوي وجريء. وتعترف مايا بولان أن عدم رؤية المشروع خلف حسرة كبيرة في قلب المصمم الذي توفي في عام 2009. وكان أمله أن يراه مجسدا في الواقع.

رحبت دار «لويس فويتون» بالاقتراح، لأنه يتماشى مع فلسفتها في الجمع بين الرفاهية والطابع العملي للابتكار. فالنموذج الذي تصوره بولان كان يجمع مفاهيم الراحة، والحلول البسيطة والمباشرة في التصميم المعياري، انطلاقا من قناعته بأن قطع الأثاث يجب أن تلبي احتياجات المستخدم عوض التركيز على الشكل الأنيق وحده.

تعود قصة الماكيت، أو النموذج، الذي انطلقت منه شرارة هذا التعاون، إلى عام 1969. حين خطط بولان بالتنسيق مع شركة «هيرمان ميلر» لإنتاج سلسلة من التجهيزات المبتكرة والثورية للمنازل السكنية، كجزء من مشروع طليعي، يتيح للمستخدم أن يجمع فيه بين المساحات والوحدات وفقا لثقافته وأسلوبه الشخصي ورؤيته النفسية لذاته، إلى حد يتحول فيه إلى مهندس معماري يتحكم في كل صغيرة وكبيرة تتعلق به وبمحيطه.

قامت عملية الإنتاج بالكامل في معرض «ميامي ديزاين» على تصميم مزدوج يتألف من ترتيب شبكة مثالية يمكن للمقوّمات الأفقية والعمودية المعيارية فيها، من المقومات التي توضع على الأرض، والمقاعد، إلى الجدران الفاصلة وأماكن التخزين، أن تجتمع مع بعضها فتكوّن احتمالات كثيرة لابتكار مساحات متنوعة، قد تكون غرف نوم، غرف جلوس، مكتبات، غرف خزائن، مكاتب، مطابخ، أو غرف طعام.

حاليا، يشكل هذا النموذج جزءا من مجموعات مركز «بومبيدو»، ويقوم على 6 مستويات تأخذ بعين الاعتبار الإنتاج التسلسلي. المستوى الصفر أو الطابق الأرضي يعتمد على مجموع الوحدات الأساسية التي يمكن لمن يسكن في المكان جمعها وتفكيكها لإنشاء مساحة شخصية، بناء على عدد الغرف التي يرغب فيها، وقطع الأثاث، والكراسي، وبحسب الحاجات العائلية وكيفية تغيّرها مع مرور الوقت. أما المستويات الـ5 الأخرى، فتتضمن نموذجا عن الاستخدامات المختلفة المحتملة التي تسهّل فهم المشروع وتسمح لكل مشاهد بإطلاق العنان لمخيلته.

ويبقى هذا النموذج، بفضل الرسوم المتعددة وخطط الطوابق الأولية، تعبيرا عن عالم يعكس رؤية مستقبلية تمتع بها المصمم، كما يعكس حجم الأبحاث التي قام بها قبل تطبيقها على الشقق الخاصة لقصر الإليزيه. فهذه الأبحاث جعلته يؤمن بتلك العلاقة الحتمية التي يمكن أن تجمع عالما متغيرا، بتقنيات جديدة، وتنتج عنها مساحة معيشة بمثابة ملجأ، أو مكان آمن وحميم، يربط فيها الجسد علاقته بها وبمن حوله.